"أليتا" كائن روبوتي- بشري يطارد الأشرار ضمن صراعات لا تنتهي

التغلب على الشرط البشري إلى ما هو أكثر تفوقا وأعظم قدرة هو الهدف الأسمى في سينما الخيال العلمي، ولهذا استمتع جمهور السينما منذ زمن مثلا بسلسلة “الفاني” بأجزائها المتعددة ابتداء من أول أفلام السلسة الذي يعود إلى العام 1984 وليس انتهاءً بآخرها -الخامس- الذي عرض على الشاشات في العام 2015.
فكرة الإنسان الذي يتمتع بخواص آلية ظلت تداعب فكر واهتمام كتّاب الخيال العلمي، وكذلك الحال على صعيد السينما، فقد أنتجت السينما عبر تاريخها العديد من الأفلام في هذا المنحى منها سلسلة “روبوكوب” (1978-2014)، و”متسابق المتاهة” وسلسلة “المتحوّلون” وغيرها الكثير من الأفلام التي عالجت هذه الثيمة.
وينتمي فيلم “أليتا” للمخرج المكسيكي الأصل روبرت رودريغز إلى نفس هذه المنظومة من الأفلام وإن بأسلوب مغاير ومعالجة مختلفة.
وفي هذا الفيلم وهو العشرون من إنجازات هذا المخرج، يتجذر أسلوب رودريغز المميز في توظيف عناصر الحركة والمونتاج المتسارع والغزارة في الزوايا ومستويات التصوير، ليقدّم حصيلة شكلت علامة فارقة في مساره.
الملفت للنظر، هو دخول المخرج المعروف جيمس كاميرون ضمن فريق كتابة السيناريو وهو عنصر إضافي لتعميق قوة هذا الفيلم.
وبعد هذا، فإن القصة مأخوذة من سلسلة الرسوم الكارتونية للكاتب الياباني يوكيتو كيشيرو، وهي تقدم شخصية ذات قدرات خارقة، لكنها في الفيلم تنتمي إلى الفصيلة نفسها التي أشرنا إليها آنفا، وهي الكائن الإنساني- الروبوتي.
هنا ينقلنا الفيلم إلى زمن بعيد، تتصارع فيه مافيات الجريمة وتستمرئ التقاتل في ما بينها، مستندة على الكائنات نصف الروبوتية/ نصف البشرية لتحقيق الغلبة، وحيث لم يبق إلاّ مدينة اسمها “زيلم” التي تشهد مثل هذه الصراعات.
وفي وسط تلك الفوضى يكتشف العالم إيدو (الممثل كريستوفر والتز) وجود روبوت وسط الركام، ولكن ما تزال تدب فيه الحياة، فينقله إلى مختبره ويصنّع الأطراف العاطلة حتى تتكامل أليتا (الممثلة روسا سالازار) لتجد نفسها وسط عالم مجهول وهي ممحوة الذاكرة، ولكنها لا تعدم المشاعر الأنثوية.
تخوض أليتا صراعا غير متكافئ مع الأشرار في وسط غابة من المجرمين والمافيات التي نكتشف أن المتحكم فيها، هو فيكتور (الممثل مهيرشالا علي) الذي يتزعم شبه دولة عميقة فاسدة تشاركه شيرين (الممثلة جينيفر كونيللي) في تلك السيطرة المطلقة على تلك المدينة الرهيبة. ونكتشف أيضا أن شيرين هي طليقة الدكتور إيدو، بل إن الفتاة نصف الروبوتية أليتا هي ليست إلاّ نسخة من ابنتهما التي قتلت وابتلعتها مياه البحر.
تمتد أحداث الفيلم عميقا في تلك الدائرة المكانية القاتمة وتتشابك خطوط السرد الفيلمي لتقدم حصيلة لا تكاد تنتهي من الصراعات.
في المقابل، زج المخرج وبكثافة استثنائية بجميع العناصر البصرية وعناصر الحركة حتى أنك لا تستطيع إهمال أي جزئية في ذلك البناء المحكم المدعم بكثرة الخدع السينمائية، فضلا عن البراعة التي تم من خلالها إنتاج شخصية أليتا.
وفي هذا الصدد كان ملفتا للنظر أسلوب تقديم الشخصيات التي نصفها روبوتي ونصفها بشري، وخاصة أليتا وخصومها الذين يجري تسليطهم لقتالها.
منح الفيلم مساحة واسعة للبطولات الفردية وخاصة بالنسبة لأليتا، حيث كانت هي البطلة التي لا تقهر والقادرة على القضاء على جميع الخصوم، إسرافا في إبراز دور البطولة أو البطلة التي لا تقهر. وبالطبع سوف يكون هناك مبرر منطقي لهذا النوع من الاستخدام، وخلاصته أن أليتا ما هي إلاّ سلاح فتاك، بل إنها هي الأقرب إلى العنف والانفجار.
الجمع بين عناصر الحركة والقدرات الفردية الخارقة والجمع ما بين الروبوتي والبشري كان هو الشغل الشاغل للمخرج في هذا الفيلم لغرض الاستحواذ على اهتمام المشاهد وإبقائه مشدودا للأحداث والتحولات، وهي من الخلاصات المهمة الملفتة للنظر في هذا الفيلم.
وتتشابك مسارات الدراما الفيلمية مع نجاح أليتا في جلب جسدها الحقيقي السابق من قاع البحر لتعود إلى كيانها الحقيقي الذي كانت عليه من قبل وانمحت الذاكرة عنه، لتتدخل شيرين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ثم لتذهب ضحية هذه المقدمة وتتحول إلى مجرد أعضاء شبه مجمدة بانتظار دمجها بكائن روبوتي.
ربما كانت مافيات الجريمة في زمن الانهيار العظيم هي الأكثر تكرارا في العديد من أفلام الخيال العلمي المماثلة، لكنها هنا مدججة بنظام روبوتي عالي التطور حتى أن أليتا هي قمة ما تم التوصل إليه من إنتاج لكائن روبوتي- بشري ذي قدرة تدميرية هائلة.
ولعل ما يلفت النظر هنا في ما يخص شخصية أليتا، هي أننا كنا نشاهد كائنا روبوتيا، لكننا ما أن نندمج في المطاردات والصراعات حتى نعود إلى الجذر الإنساني لأليتا، وهي تحب وتكره وتحاول إنقاذ حبيبها بجميع الوسائل قبيل أن تفقده إلى الأبد في سلسلة مشاهد على درجة عالية من البراعة في الإخراج والتمثيل.
ومهما تفاعلنا مع الشخصيات والأحداث إلاّ أننا نعود بين الحين والآخر إلى سلسلة مشاهد حركة تنتمي إلى أفلام الفيديو، وهو ما حاول المخرج تجاوزه من خلال محاولته إيجاد معادل موضوعي عبر شخصية أليتا التي شكلت عنصر الإمتاع الرئيسي في الفيلم وسط أجواء من المغامرة والحركة والصراعات التي لا تكاد تنتهي.