ألمانيا.. متطرفون يستغلون أزمة كورونا لنشر نظريات المؤامرة

تتفاعل التيارات المتطرفة، اليمينية الأوروبية والإسلامية الجهادية، في ما بينها وتروّج لسردية تستحضر نظرية المؤامرة في ما يتعلق بانتشار فايروس كورونا. الاعتماد المتبادل بين التصورات اليمينية والتصورات الإسلامية، يفيد بأن الجماعتين تتكئان على فهم أصولي كسول للأحداث التي تسود العالم، ما جعلهما تستسهلان الركون إلى أفكار من قبيل التشكيك في حقيقة انتشار الفايروس، أو اعتباره “عقابا من الله” يصيب الكافرين.
برلين – يبدو أن جائحة كورونا حفزت المتطرفين في ألمانيا، من مختلف الأطياف، على التفاعل والترويج لنظريات المؤامرة.
وبحسب مصادر أمنية، هناك بين الوسط اليميني المتطرف في ألمانيا مجموعات تشكك في حقيقة خطورة انتشار فايروس كورونا المستجد من الأساس، وأخرى تحذر أنصارها بشدة من المخاطر الصحية المترتبة عن الفايروس.
وتوجّه الجماعات اليمينية المتطرفة في ألمانيا انتقادات للحكومة الألمانية، وتتهمها بعدم حماية الألمان بالقدر الكافي. وفي الوقت نفسه، تصمُ المهاجرين والمسلمين بأنهم ينقلون الفايروس.
وتسود وسط جماعة “مواطني الرايخ” اليمينية المتطرفة نظريات معادية للسامية على خلفية انتشار الفايروس، حيث يرون أن كورونا سلاح كيميائي، بحسب المصادر الأمنية.
وأشارت مؤسسة “أمادو-أنطونيو” الألمانية للحقوق المدنية إلى وجود اهتمام كبير في ألمانيا حاليا بمنشورات تعرف باسم “مؤامرة كيو”، وهي نظرية مؤامرة مصدرها الولايات المتحدة تزعم أن هناك قوى تخطف الأطفال وتعذبهم وتقتلهم في معسكرات تحت الأرض لتستخرج منهم “إكسير الحياة” الذي يعيد إلى العجائز شبابهم.
ولا يقتصر الترويج لنظرية المؤامرة على المتطرفين اليمينيين، بل يمتد أيضا إلى الإسلاميين، حيث ذكرت المصادر الأمنية لوكالة الأنباء الألمانية أن بين المتطرفين الإسلاميين في ألمانيا تسود، على سبيل المثال، نظرية
مفادها أن مرض “كوفيد – 19” الذي يسببه الفايروس، هو “عقاب من الله” يصيب به “الكافرين” على وجه الخصوص.
وترى هذه الفئة أن الوضوء وارتداء الحجاب يوفران حماية كافية ضد الإصابة. وفي العراق، تسود مخاوف من أن يستغل تنظيم داعش الأزمة في العودة من مخابئه في الصحراء إلى المدن.
الاستخبارات الألمانية ترى أن اليمين المتطرف يمكن أن يشكل أخطاراً إرهابية، خصوصا أنه هناك أكثر من 24 ألف يميني متطرف في البلاد 13 ألفا منهم يميلون إلى العنف
وقال رئيس هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ألمانيا توماس هالدنوانغ، السبت الماضي، إن التنظيمات الإرهابية تستغل أزمة تفشي فايروس “كورونا” المستجد، لتجنيد أتباع جدد ونشر أجنداتها المتطرفة.
وفي تصريحات لـ”راديو بافاريا”، قال هالدنوانغ إنّ “تنظيمات اليمين المتطرف واليسار المتطرف والتنظيمات الإرهابية تعمل على استغلال الأزمة الحالية لتجنيد أتباع جدد”.
وتابع “نرصد محاولات من هذه التنظيمات للترويج للبروباغندا الخاصة بها، ونشر نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة”.
ونقل “راديو بافاريا”، أيضاً، عن تقرير لهيئة حماية الدستور أنّ “النازيين الجدد يروجون على نطاق واسع فكرة مفادها أنّ اليهود يقفون وراء الأزمة؛ لأنهم المستفيد الأول من الأزمة الاقتصادية التي تترتب عن أزمة كورونا، انطلاقاً من امتلاكهم البنوك وجهات الإقراض”. وتابع التقرير “فيما تعتبر التنظيمات المتطرفة والإرهابية، مثل جماعة الإخوان وداعش والقاعدة، فايروس كورونا جنداً من جنود الله أرسله كعقاب للغرب”.
ورغم أن حفلات الروك الموسيقية، التي تعتبر مركزا للتلاقي والتمويل للأوساط اليمينية المتطرفة، متوقفة حاليا بسبب قواعد تقييد الحياة العامة المفروضة في ظل جائحة كورونا، “تُبث حفلات روك يمينية عبر الإنترنت”، بحسب بيانات شتيفان لاور من مؤسسة “أمادو-أنطونيو”.
وبحسب مصادر أمنية، يساور اليساريون المتطرفون قلقا بالغا من إمكانية أن تستغل الحكومة أزمة كورونا لفرض “إجراءات قمعية”، حتى بعد انتهاء الجائحة.
يشار إلى أن الشرطة الألمانية شنت حملة مداهمات وتفتيش ضد أوساط يمينية متطرفة في ولاية هيسن غربي البلاد. وقال وزير الداخلية المحلي للولاية، بيتر بويت، الثلاثاء الماضي في مدينة فيسبادن إنه تم تفتيش منازل لأوساط يمينية متطرفة في الولاية ومصادرة أدوات تحمل رموزا يمينية متطرفة وأسلحة حربية ونارية.
وحسب البيانات التي أعلنتها الشرطة شارك في الحملة نحو 90 شرطيا، من بينهم قوات خاصة. وقال بويت “حتى في زمن الوباء سنواصل الضغط على اليمينيين المتطرفين… سنستمر في مكافحة التطرف بكل حزم”.
وكانت بيانات وزارة الداخلية الألمانية، قد أظهرت ازدياد الجرائم التي ارتكبها اليمين المتطرف في البلاد، بمعدل أكثر من 22 ألف جريمة خلال العام 2019.
وفي معرض ردها على استفسار لبرلماني من حزب الخضر، أوضحت وزارة الداخلية الألمانية، أن العام الماضي شهد ارتكاب 22 ألفا و337 جريمة من أتباع اليمين المتطرف.
وأضافت الوزارة أن أغلب هذه الجرائم تندرج تحت “البروباغندا أو تحريض الشعب”، مبينة أن أتباع اليمين المتطرف ارتكبوا 986 جريمة ممن تندرج تحت “أعمال عنف”.
وأشارت إلى أن الأرقام النهائية في هذا الخصوص، ستتضح في التقرير الذي سيتم الكشف عنه في مايو المقبل. ولفتت الوزارة إلى أن عام 2018، شهد وقوع 20 ألفا و431 جريمة من طرف اليمين المتطرف.
ويرى جهاز حماية الدستور الألماني، المسؤول عن الاستخبارات الداخلية (BFV)، أن اليمين المتطرف في البلاد يمكن أن يشكل أخطاراً إرهابية، وأن هناك أكثر من 24 ألف يميني متطرف في البلاد 13 ألفا منهم يميلون إلى العنف.