ألمانيا تسابق الزمن بتدشين محطات غاز جديدة

رحّب العديد من سكان فيلهلمسهافن بالمحطة الجديدة التي تتقدم أعمال البناء فيها بسرعة مفاجئة، نظرا لأهميتها الإستراتيجية، حيث أدى تقليص النشاط الصناعي إلى رفع معدل البطالة إلى 10 في المئة، وهو ضعف المعدل الوطني، ولهذا يرى البعض أن المحطة الجديدة ستجلب الوظائف الجديدة، مثلما تعوّض نقص إمدادات الغاز الروسي.
برلين - لن يكون الشتاء القادم الذي يقترب بسرعة مرعبا كما يتخوف كثيرون في ألمانيا، فقد أصبح بإمكان أول محطة في البلاد لاستيراد الغاز الطبيعي المسال أن تعوّض نقص الغاز الروسي الذي توقف عن بلدان عديدة آخرها إيطاليا، وقل منسوبه إلى درجات متدنية في ألمانيا.
المنصة الجديدة القريبة من ميناء فيلهلمسهافن على ساحل بحر الشمال بوسعها توفير ما يعادل 20 في المئة من الغاز المستورد من روسيا.
مليارات لتعويض النقص
وزاد من صعوبة الأوضاع انخفاض إمدادات الغاز الروسي إلى ألمانيا والضرر الذي وصف بأنه ”متعمّد“ الذي تعرّض له خطا أنابيب نورد ستريم اللذان كانا يحملان كميات هائلة من الغاز تمر عبر بحر البلطيق إلى أوروبا الأسبوع الماضي.
الحكومة الألمانية أنفقت المليارات على خمسة مشاريع تشبه ذاك المقام في فيلهلمسهافن، ويفترض أن يكون بإمكان الأسطول الجديد التعامل مع كمية إجمالية من الغاز تبلغ حوالي 25 مليار متر مكعب في السنة، وهو ما يعادل تقريبا نصف القدرة الاستيعابية لخط أنابيب نورد ستريم 1.
ويجري العمل في سباق مع الزمن في فيلهلمسهافن، حيث ترش المنصة الخرسانية الواقعة في البحر، والتي لم يكتمل غير نصفها بعد، رذاذا خفيفا على عمال بسترات صفراء فاقعة. أما على اليابسة، فتوصل شاحنات أجزاء من أنبوب سيربط المحطة بشبكة الغاز.
وستمكّن محطات الغاز الطبيعي المسال ألمانيا من استيراد الغاز الطبيعي عبر البحر بعدما تم تبريده وتحويله إلى سائل لتسهيل نقله. وتم ربط سفينة متخصصة تعرف باسم ”أف.أس.آر.يو“ والتي يمكنها تخزين الوقود وتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز جاهز للاستخدام، بالمنصة لاستكمال عمليات الإنشاء.
ولم تكن ألمانيا تملك حتى الآن محطة للغاز الطبيعي المسال، مثل غيرها من البلدان الأوروبية، وكان اعتمادها على الإمدادات الروسية المنخفضة الكلفة نسبيا. لكن منذ غزو أوكرانيا، عملت برلين على تخفيف اعتمادها على صادرات الغاز الروسية التي كانت في السابق تشكّل 55 في المئة من إمداداتها.
تقنيات ضارة بالبيئة
ومن أجل تنويع مصادرها وضمان تأمين كميات كافية من إمدادات الوقود والمحافظة على نشاط مصانعها، راهنت برلين بشكل كبير على الغاز الطبيعي المسال لسد الثغرة التي خلّفتها الواردات الروسية.
كما وقّع المستشار أولاف شولتس الأسبوع الماضي اتفاقا مع الإمارات العربية المتحدة بشأن إمدادات الغاز الطبيعي المسال، بينما قام بجولة في دول خليجية بحثا عن مصادر جديدة. ويكلّف استئجار ألمانيا خمس سفن من نوع ”أف.أس.آر.يو“ لربطها بالمحطات الجديدة ثلاثة مليارات يورو.
أقرّت ألمانيا قانونا لتسريع عملية الموافقة على محطات الغاز الطبيعي المسال، بعد اندلاع شرارة الحرب في أوكرانيا. وفي فيلهلمسهافن يتطوّر العمل سريعا. فقد قال فولغر كريتز الذي يدير المشروع لصالح شركة الطاقة الألمانية “يونيبر” إنه من المقرر أن ينتهي العمل على المحطة “هذا الشتاء”.
مصدر الوقود يشكل نقطة خلافية في ظل مخاوف من أن الغاز الطبيعي الذي يتم إنتاجه بتقنية التصديع المائي
أعمال البناء تتقدّم بسرعة مفاجئة نظرا لأهمية المحطة الإستراتيجية. وعن ذلك قال كريتز لوكالة الصحافة الفرنسية “عادة، يستغرق مشروع من هذا النوع ما بين خمس وست سنوات”. ورحّب العديد من سكان فيلهلمسهافن بالمحطة الجديدة، حيث أدى تقليص النشاط الصناعي إلى رفع معدل البطالة إلى 10 في المئة، وهو ضعف المعدل الوطني. كما أن البعض يقول إن المحطة الجديدة ستجلب الوظائف.
وتأتي المعارضة من مجموعات تخشى من تأثير المهل الزمنية السريعة لإصدار الموافقات وأعمال البناء على البيئة، حيث أغلق ناشطون من مجموعة ”إنده غلينده“ الموقع في فيلهلمسهافن لمدة يوم في أغسطس الماضي. وذكرت منظمة ”دي.يو.ها“ البيئية الألمانية أن الأعمال “ستدمّر الأنظمة البيئية الحساسة إلى حد لا يمكن إصلاحه مع تعريض مواطن خنازير البحر إلى الخطر”.
ويشكل مصدر الوقود نقطة خلافية في ظل المخاوف من أن الغاز الطبيعي الذي يتم إنتاجه بتقنية التصديع المائي في الولايات المتحدة يمكن استيراده عبر المحطة الجديدة. بينما قلل وزير الاقتصاد روبرت هابيك المنتمي الى حزب الخضر من أهمية الانتقادات الموجهة للمشروع، فيما شدد على أن “أمن الطاقة” يمثل أولوية.
ومن المقرر أن يتم تحويل نشاطات الموقع إلى استيراد الهيدروجين الصديق للبيئة بحلول العام 2030 والذي يتم إنتاجه بمصادر الطاقة المتجددة، وتدعمه برلين كجزء من خطتها للانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة.