أكشاك الهواتف الحمراء تتحول إلى مقاهٍ ومكتبات في بريطانيا

الأكشاك المحدودة في المناطق الشهيرة من العاصمة لندن تحظى بالعناية بسبب إقبال السياح على التقاط الصور.
السبت 2023/10/28
وداعا للهواتف الأرضية

كينغز لين (المملكة المتحدة) - تحوّلت أكشاك الهواتف العمومية الحمراء إلى رمز للمملكة المتحدة وللندن خصوصاً إلى جانب سيارات الأجرة السوداء، والحافلات ذات الطابقين، وبرج ساعة بيغ بن التي يحرص السياح على التقاط الصور بجانبها.

وبينما تحظى أكشاك محدودة في المناطق الشهيرة من العاصمة بالعناية بسبب إقبال السياح على التقاط الصور عندها، تُركت الآلاف من الأكشاك الأخرى لتلاقي مصيرها بعدما فقدت وظيفتها الأصلية بسبب التطور التكنولوجي.

في ورشته التي تعجّ بالتذكارات القديمة، ومنها مضخات البنزين الصدئة واللوحات المعدنية المطلية بالمينا، يضع كارل بيرج اللمسات النهائية على كشك هاتفي أحمر يعمل على ترميمه.

وينكبّ الرجل البالغ 54 عاماً منذ عقدين على تجديد شباب الأكشاك "التاريخية" المتقادمة والتي أصابها التلف من جرّاء مناخ انجلترا الرطب. وقال "إذا أرسلت بطاقة بريدية إلى أي مكان في العالم تحتوي فقط على صورة صندوق هاتف أحمر، فإن 95 في المئة من الناس سيقولون لك إنها في إنجلترا".

◙ الأكشاك الحمراء أحد المعالم الرئيسية المرتبطة رمزيا بلندن
◙ الأكشاك الحمراء أحد المعالم الرئيسية المرتبطة رمزيا بلندن

ومنذ ظهورها في عشرينات القرن العشرين، أصبحت الأكشاك الحمراء أحد المعالم الرئيسية المرتبطة رمزياً بلندن والمملكة المتحدة بأكملها، وأصبحت مرادفة لهما، لكنّ معظمها غاب عن المشهد منذ ظهور الهواتف المحمولة.

ولم يعد يوجد اليوم سوى 20 ألف هاتف عام صالح (مقارنة بنحو 100 ألف هاتف في تسعينات القرن العشرين)، ومن بين الأكشاك الصامدة ثلاثة آلاف من النوع الأحمر التقليدي، وفقاً لشركة "بي.تي" التي تولت تشغيلها تاريخياً.

وأمكنَ إنقاذ نحو 7200 كشك كانت خارج الخدمة، إذ تلقفتها جمعيات أو كنائس أو سلطات بلدية، وجعلت منها مكتبات صغيرة أو أكشاك معلومات للسياح أو حتى أجهزة لتنظيم ضربات القلب.

ويمكن أيضاً استئجار بعض الكبائن المهجورة من جانب الشركات الصغيرة، وعلى بعد مئات الأمتار من المتحف البريطاني العريق، تحول أحد أكشاك الهواتف إلى محل لبيع الفلافل وأنواع السلطات المختلفة. ويدير الكشك إدريس بوعزيز.

ويقول بوعزير إن الوجبات النباتية باتت رائجة في المدن الكبرى خلال الآونة الأخيرة، لذا قرر تحويل الكشك إلى مكان لبيع الفلافل والسلطات. وعلى طرف راسل سكوير في وسط لندن، يبيع دانييليه بينيديتيني في متجر "ووكميسو" حلوى التيراميسو الإيطالية الشهيرة داخل كشكين هاتفيين أحمرين.

وقال "أعتقد أنه من الرائع فعلاً أن أتمكن من مزج التقاليد الإنجليزية بتلك الإيطالية". وأوضح الشاب البالغ 29 عاماً أن فتح متجر في كشك قديم مستأجر من مالك خاص، يكلفه أيضاً أقل من استئجار متجر تقليدي.

وبادر بينيديتيني إلى تجديد مقصورتي الهاتف وتجهيزهما بأرفف وثلاجة وآلة لصنع القهوة، مع الإبقاء على شكلهما الخارجي المميز. وأشار بيرج إلى أن ترميم الكشك الهاتفي يستلزم ستة أسابيع في المتوسط، ويبدأ بتفكيكه "بدقة". وأضاف "لا يمكن التكهن بما تحت الطلاء. قد يقع المرء على جوهرة فعلية، ولكنه أيضاً قد يجد ديناصورا أنهكه الزمن.

وقد عالج البريطاني عدداً كبيراً من الأكشاك الحمراء في ورشته في كينغز لين بشرق إنجلترا، غالباً ما تكون مكسورة أو فقدت زجاج نوافذها أو تلفت أبوابها الخشبية. وما إن يصبح الإطار الحديدي مجرّداً من كلّ مكوناته، يُصقل بالرمل لإزالة الطلاء والصدأ وأي شوائب أخرى.

أما الخطوة التالية فتتمثل في وضع الراتنج والرمل لإزالة العيوب، وهي عملية شاقة تُنفذ يدوياً ويمكن أن تستغرق أياماً عدة. ويجري أخيراً طلاء الكشك باللون الأحمر الشهير "بوست أوفيس رِد"، ويُثبت الزجاج الرقائقي على النوافذ، ويوضع للباب إطار خشبي خارجي جديد.

◙ يُستفاد من الأكشاك الحمراء كنقاط إسعاف أولي، وصرافات آلية وكبائن حمامات على الشواطئ السياحية

ولم يتردد بيرج الذي بدأ عمله في مجال السيارات، في تحويل شغفه بمقتنيات الجمع البريطانية إلى عمل ترميمي يتفرغ له بدوام كامل، يُعرف باسم "ريممبر وان يو كي". وكانت البداية عندما عثر على كشك هاتف في عقار معروض للبيع، فاشتراه ورممه ثم عرضه في حديقته.

وما لبث أن باع الكشك المرمم، لكنه ندم على قراره إذ أدرك أنه "مشتاق" إلى كشكه. وبعد أن أصبح بيرج مرمماً محترفاً، بات الآن يعمل في الوقت نفسه على ترميم مقصورات هاتفية عدة.

ومن بينها نسخة من طراز "كاي 2" الشهير، وهو النموذج الأول لكشك الهاتف الأحمر الذي طرح عام 1926 وصممه المهندس المعماري البريطاني جايلز غيلبرت سكوت المعروف بتصميم مبان عامة أخرى في لندن.

وبعد مرور عشرين عاماً، لم يفقد بيرج شيئاً من شغفه. وقال "أنا أتقدم قليلاً في السن، ويبدو أن كل شيء أصبح أثقل قليلا. لكنني أعتقد أن حماستي لا تزال إياها (..) لا بل في الواقع، لربما زادت". ويُستفاد من الأكشاك الحمراء المنتشرة في المستعمرات البريطانية السابقة أيضا كنقاط إسعاف أولي، وصرافات آلية، وكبائن حمامات على الشواطئ السياحية.

◙ فرصة لالتقاط الصور

16