أكراد سوريا: تحالفات سريالية متناقضة لكسب المعركة

بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، المسؤول عن الإدارة الذاتية في الجزيرة السورية، وصاحب مشروع الفيدرالية في 24 مايو الماضي، عمليات عسكرية للسيطرة على جزء من ريف مدينتي حلب والرقة، عبر ذراعه العسكرية وحدات الحماية الشعبية التي تُشكل نواة قوات سوريا الديمقراطية.
ترافق هذا الهجوم مع إعلان هذه القوات أنها ستضم الرقة إلى الفيدرالية الكردية بعد تحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من أن نسبة الأكراد فيها لا تزيد عن 7 بالمئة، وقيام الأكراد باستفزازات للعرب من قبيل إطلاق أسماء كردية على القرى التي سيطروا عليها وعلى المدن التي يتجهون للسيطرة عليها.
لم تستطع المعارضة السورية المسلّحة فعل الكثير، فلا هي قادرة على وقف تمدد الأكراد الممنهج، ذلك لأن الطرف الكردي هو الطرف السوري الوحيد (ما عدا النظام) الذي يحظى بدعم عسكري كبير من عدة أطراف دولية قوية لا يمكن للمعارضة أن تقف بوجهها، ولا هي قادرة على طرد تنظيم الدولة الإسلامية طالما أن غارات للتحالف الدولي قد تحوّلت إلى دعم لهؤلاء الأكراد.
تتشابك علاقات الأكراد السوريين بطريقة غريبة، وتحديدا أصحاب الفيدرالية (أي حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يُعتبر الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي)، حيث يقيمون علاقات تعاون سياسية وعسكرية مع أطراف متناقضة في مستوى المصالح والاستراتيجيات، ويتلقون دعما منها جميعها، في تركيبة لم يستطع أحد فك لغزها حتى الآن.
قام النظام السوري في سبتمبر 2012، بتسليم الحسكة، أكبر مدن شمال شرق سوريا، إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي دون قتال، على الرغم من أن هذا الحزب كان محسوبا على المعارضة المطالبة بإسقاطه.
واستمرت مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية تعمل في المدينة جنبا إلى جنب مع قوات عسكرية أسسها هذا الحزب الكردي تحت اسم (وحدات حماية الشعب) بانسجام وتنسيق. وأكّدت المعارضة السورية أن هذا الحزب يحصل على دعم عسكري وأسلحة من النظام السوري دون أن تُقدّم دليلا، إلى أن أعلن رئيس وفد المفاوضات التابع للنظام السفير بشار الجعفري في مؤتمر موسكو في مارس 2015، أن نظامه قدّم أسلحة لهذا الحزب ولم ينف هذا الحزب الأمر ولم يُكذّبه.
الأكراد يتحالفون مع دول لها مصالح متناقضة في سوريا ولا يرفضون أي دعم من أي جهة طالما أنها تقربهم من هدفهم
بدأ الحزب يُنسّق مع الروس في وقت مُبكّر، ودافعت روسيا عنه وطلبت من المعارضة السورية إشراكه ضمن وفدها في مفاوضات مؤتمر جنيف، وهددت بأنها يمكن أن تفرضه مع غيره كوفد تفاوضي ثالث إلى جانب وفد النظام ووفد المعارضة، ثم بدأت تُنسّق معه عسكريا في شمال سوريا.
استفاد الأكراد من خلافات روسيا مع تركيا والتوتر الكبير في العلاقات بين البلدين بعد أن أسقط الجيش التركي طائرة حربية روسية على الحدود السورية في نوفمبر 2015، فبعدها بشهر واحد ألقى سلاح الطيران الروسي خمسة أطنان من الأسلحة الخفيفة والذخائر لوحدات حماية الشعب الكردية قرب حلب، لتساعدها على تثبيت مواقعها العسكرية في مواجهة تركيا.
لم يكتف الأكراد بالدعم المزدوج (النظام وروسيا) بل استغلوا حاجة الولايات المتحدة إلى أي شريك يساعدها على الأرض في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، فقاموا بالتحالف معها وطلبوا أسلحة وتدريبا، وتم لهم ذلك بعد تردد ومماطلة، رغم أن الولايات المتحدة رفضت طوال سنوات تقديم أي شيء من هذا للمعارضة السورية المسلحة بما فيها المعتدلة بمفهومها، لكن يبدو أن واشنطن وجدت أن أفضل وسيلة للوقوف في وجه روسيا في سوريا هي خطف حلفائها، وعلى رأسهم الأكراد. وأرسل الأميركيون في نوفمبر 2015، وحدات قتالية خاصة لتدريب الأكراد. كما أرسلوا كذلك في فبراير 2016، طائرات مليئة بأسلحة وأجهزة عسكرية إلى المقاتلين الأكراد، ثم باشروا بإنشاء مطار عسكري في مدينة الرميلان شمال شرق سوريا التي يسيطر عليها الأكراد أنفسهم.
ليس هذا فقط، بل أعلن الفرنسيون مطلع الشهر الجاري أنهم باتوا الآن حاضرين في سوريا من خلال تواجد عسكري تدريبي ولوجيستي لدعم القوات الكردية في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا الإعلان زاد من تعقيد المشهد، ففرنسا البلد الأوروبي القوي بقي حتى اليوم بعيدا عن التدخل العسكري المباشر في سوريا، ولا يوجد أي تفاهم بينهم وبين الروس في هذا المجال. كذلك لم يقطع الحزب الكردي كل الخطوط مع إيران، ونسق معها ومع ميليشياتها في سوريا في أكثر من موقع.
تثير هذه التركيبة من التحالفات الكثير من الأسئلة، فكيف يتحالف الأكراد مع أصحاب المشاريع المختلفة تماما في سوريا، وكيف تتحالف الولايات المتحدة مع الأكراد الذين هم أعداء لتركيا التي هي حليفة استراتيجية للولايات المتحدة، وكيف يتحالف الأكراد مع النظام السوري ومع الأميركيين الداعين إلى تغيير النظام نفسه، أي أن الأكراد السوريين تعاونوا وتحالفوا مع صديق الصديق وصديق العدو، ومع النظام وعدوه، ومع صديق المعارضة وعدوها، في تركيبة يصعب فهمها.
يعتمد الحزب على اللعب على التناقضات الإقليمية والدولية لتسيير أموره وتحقيق مشاريعه، ويتحالف مع دول لها مصالح متناقضة في سوريا والمنطقة، ولا يرفض أي دعم من أي جهة طالما أنها تُقرّبه من إقامة (إقليم غرب كردستان).
كاتب من سوريا