أفلام السيرة الذاتية وجه آخر لحياة معقدة

سينما السيرة الذاتية تحاول إيجاد موازنة موضوعية ما بين المتطلبات الدرامية والوفاء لمصداقية ما يجري تقديمه.
الأحد 2021/11/14
السيرة تتطلب الحياد قبل الإعجاب بالشخصية

في السؤال عن السيرة الذاتية سواء أكانت وثائقية أم روائية، تبدو المهمة التي يضطع بها السينمائي شائكة ومركبة، لاسيما وأنه مطالب بأكبر مساحة من المصداقية في سرد الوقائع بموضوعية، في وقت تحتم الاشتراطات الفنية والدرامية الكثير من الاختزالات الزمانية وإدماج مراحل كاملة والقفز على الزمن مونتاجيا، فضلا عن إبراز المراحل الأكثر درامية في حياة الشخصية.

وعلى هذا درجت سينما السيرة الذاتية على إيجاد نوع من الموازنة الموضوعية ما بين المتطلبات الدرامية والوفاء لمصداقية ما يجري تقديمه على الشاشة على أنه ليس فبركة للأحداث والحقائق، وخلال ذلك تبدأ مهارة السينمائي في إيجاد معطيات جمالية وموضوعية تقنع المشاهد بمصداقية تلك السيرة الذاتية التي يشاهدها.

في مناقشة سابقة لظاهرة العلاقة ما بين محمد علي كلاي ومالكولم إكس والتي تجلت من خلال فيلم “إخوة الدم”، توصلنا إلى مجموعة من الحقائق والمعطيات التي ترتبط بحقبة متفجرة في تاريخ الانتفاضات، من أجل الحريات المدنية والتصدي للتمييز العنصري في الولايات المتحدة.

هنالك ما يقرب من عشرة أفلام ما بين وثائقي ودرامي تناولت سيرة وحياة مالكوم إكس كل بطريقة وأسلوب ومعالجة مختلفة
هنالك ما يقرب من عشرة أفلام ما بين وثائقي ودرامي تناولت سيرة وحياة مالكوم إكس كل بطريقة وأسلوب ومعالجة مختلفة

لكن الأمر يتعلق بكلتا الشخصيتين وهل أنصفهما التاريخ في تصوير شكل العلاقة في ما بينهما، ابتداء من صداقة حقيقية وشعور بالأخوة المتبادلة، وانتهاء بمواقف عدائية وتبرؤ أحدهم من الآخر، وقد تغلغلت السياسة في ما بينهما وألقت بظلالها وانعكاساتها السامة عليهما.

لا أحد من دعاة الحرية كان يتمنى أن تنتهي تلك العلاقة نهاية محزنة سوف يكملها اغتيال مالكوم إيكس بالرصاص أثناء إلقائه لإحدى محاضراته، وقد دخل الداعية إليجا محمد بينهما، مما أدى إلى تأجيج الخلافات بين الرجلين، التي أدت إلى تصريحات مليئة بالتشكيك وانعدام الثقة، ومن ثم إبعاد مالكوم إكس نهائيا من مجموعة أمة الإسلام.

“إذا لم تكن على استعداد للموت في سبيل الحرية، فعليك أن تشطبها من قاموسك”، تلك هي كلمات مالكوم إكس وهو يدفع باتجاه الدفاع عن الحريات المدنية.

وكانت السيرة الذاتية في هذا الفيلم وغيره من الأفلام التي تناولت حياة مالكوم إكس ومنها الدور الذي أداه دينزل واشنطن في الفيلم الذي حمل ذات العنوان للمخرج سبايك لي، مطالبة بشكل ما وفي إطار الموازنة بين الصورة السينمائية والمصداقية بالكشف عن مسيرة مالكوم إكس وحياته الشخصية قبيل تحوله إلى داعية للتحرر والدفاع عن الحريات الشخصية، فتلك حياة مضطربة دخل بسببها مالكوم إكس إلى مراكز الشرطة، وكان لديه سلوك شائن دون شك قائم على السطو والاتجار بالمخدرات وغيرهما.

بالطبع هنالك الدوافع والأسباب التي دفعت مالكولم إكس ليتجه ذلك الاتجاه الإشكالي في مقتبل حياته، لاسيما وهو يواجه عنصرية طافحة وكثيفة ضد السود وحتى وهو المتفوق دراسيا، فإن ذلك ليس كافيا لإثبات الذات، ولأنه ملون البشر فإن التفوق الدراسي ليس رصيدا كافيا.

هنالك بالطبع ما يقرب من عشرة أفلام ما بين وثائقي ودرامي تناولت سيرة وحياة مالكوم إكس كل بطريقة وأسلوب ومعالجة مختلفة، الحماس الزائد والإعجاب بتلك الشخصية الاستثنائية المفوهة وأيقونة الحقوق المدنية دفعا إلى المزيد من إظهار حسنات الشخصية وإنجازاتها، بينما لم تغفل أفلام أخرى هفوات مالكوم إكس ومشكلاته مع دعاة آخرين للحريات المدنية، وذلك في إطار سجالات لا تعدو أن تكون خلافات في الرأي، لكنها ما لبثت أن تطورت إلى شكل من أشكال الصراع الخفي الذي انتهي بمشهد اغتيال مالكوم إكس فيما هو يلقي محاضرة تلهب حماس جمهوره كالعادة، وإذا به يسقط بين أيديهم غارقا بدمائه، وفي ذلك وجهات نظر متعددة لسيرة ذاتية واحدة.

14