أفغان عالقون في تركيا بعد تبدد حلمهم باللجوء إلى أوروبا

إسطنبول (تركيا) – يضع الخياط عزيز بيلر العلم الأفغاني ذا الألوان الثلاثة؛ الأسود والأحمر والأخضر، كحلية على الزي الأفغاني الرسمي الذي يخيطه بمتجره في حي زيتينبرنو بإسطنبول.
ويضم حي زيتينبورنو أكبر تجمع للفصائل العرقية الأفغانية مثل الأوزبك والطاجيك والتركمان والأويغور والأفغان.
وتظهر اللافتات التي كتبت باللغة الدرية على المحلات والشقق المعروضة للإيجار ومحلات البقالة والمطاعم وكذلك محل بيلر للخياطة. يأتي إليه الأفغان ليخيطوا ملابسهم المنزلية الفضفاضة، مثل السراويل وقمصان السلوار ذات الياقات والأكمام الطويلة.
ويعمل بيلر خياطا منذ خمس سنوات، ويعيش في تركيا منذ خمسة وعشرين عاما. هو مواطن تركي، على عكس العديد من عملائه الآخرين الذين يعيشون في تركيا ولكن بطريقة غير شرعية، منهم مصطفى (28 سنة) الذي يحاول الحصول على تصريح إقامة حتى يتمكن من البقاء في تركيا بشكل قانوني ويسافر إلى أفغانستان لزيارة أسرته.
يقول مصطفى “أعيش هنا منذ أربع سنوات، جئت إلى تركيا بشكل غير قانوني من خلال عبور الحدود خلسة، ولا أقدر على العودة إلى أفغانستان، لأني لو عدت لن أستطيع المجيء إلى هنا مرة أخرى”.
ووفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تقدم حوالي 121 ألف لاجئ أفغاني بطلب اللجوء إلى تركيا منذ بداية هذا العام. ويرى المحامون أن هذا العدد هو بمثابة نقطة في بحر بالنظر إلى الآلاف الذين عبروا الحدود التركية بالفعل.
وقال دوغوس سيمسيك، زميل مركز أبحاث الهجرة بجامعة كوج في إسطنبول، في رسالة إلى موقع “ميدل إيست آي” الإخباري أن طلبات اللجوء المقدمة من الأفغان تم تعليقها منذ عام 2013 بسبب تزايد عدد المتقدمين للهجرة، ولم يقبل المكتب التركي للمفوضية إلا الطلبات التي تستحق الموافقة في ذلك الوقت.
المهاجرون الأفغان يضطرون إلى القيام بالأعمال الشاقة مثل تنظيف شوارع إسطنبول، أو العمل في المصانع دون المستوى
ولا يتمتع المهاجرون من الأفغان الذين لا يمتلكون ملفات مُفعّلة لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بحق المساعدة من الحكومة التركية.
وكثيرا ما يلجأ المهاجرون الأفغان إلى القيام بالأعمال الشاقة مثل تنظيف شوارع إسطنبول، أو العمل بالمصانع دون المستوى، حتى أنهم في بعض الأحيان يمارسون الأنشطة غير المشروعة مثل تهريب البشر والمخدرات.
يختار العديد من الأفغان الهروب من تركيا إلى بلغاريا أو اليونان، ومن هناك إلى دول أخرى مثل ألمانيا أو سويسرا أو فرنسا، حيث يأملون في الحصول على حق اللجوء وأن تتاح لهم فرصة لم شملهم مع أسرهم.
يقول علي، (15 عاما)، متحدثا عن خططه الفاشلة لدخول أوروبا “كل الطرق مغلقة”.
وقالت ليزا شوستر، متخصصة في علم الاجتماع في كابول وتابعة لجامعة سيتي في لندن “كل من يزعم أن الأفغان يغادرون لأسباب اقتصادية بحتة لم يأت ليرى الوضع في كابول. هذه المزاعم تبدو هزلية بشكل لا يصدق. لا يمكنك أبدا فصل الوضع الأمني عن الوضع الاقتصادي”.
وقالت شوستر، “عندما يموت شخص أو يصاب نتيجة لهجوم، تفقد الأسرة مصدر دخلها بالكامل. وتبلغ نسبة البطالة الآن في أفغانستان حوالي 40 بالمئة بينما تفيد بعض التقارير الأخرى بأنها وصلت إلى 60 بالمئة. وكنتيجة لذلك يحدث ما تراه، وهو كبر حجم الأسرة كأن يعتمد مثلا حوالي 15 شخصا من أسرة واحدة على شخص واحد فقط كمصدر لدخلهم”.
لم يستطع علي استكمال العيش في أفغانستان في ظل انعدام الأمن في البلاد، إلى جانب مرض والده ورغبته في دعم أشقائه الصغار. كل هذا دفعه إلى التعامل مع أحد المهربين الذي ساعده على السفر برا إلى تركيا. بدأ رحلته من مدينة كويتا في باكستان، ومر عبر مقاطعة بلوشستان ووصل من خلالها إلى إيران. من هناك عبر الحدود التركية الإيرانية الجبلية وسافر عبر الأناضول ليصل في النهاية إلى إسطنبول. وبقي هناك في حي زيتينبرنو ينتظر على حافة القارة الأوروبية.
وبعد مرور ثمانية أشهر على رحلته، لا يزال علي يجد صعوبة بالغة في العثور على عمل ثابت، وقال إنه يعمل الآن في مطعم أفغاني بالقرب من محل بيلر الخياط. وحاول قبل ذلك العمل في مصنع، ولكن مدير المصنع لم يدفع الأجور التي وعد بها العمال. لا يمتلك علي جواز سفر، أو أي وثائق، ولا حتى هاتفا محمولا بعد أن تمت سرقته من قبل لص اقتحم شقته.
ومع انعدام وسائل الاتصال وعدم وجود الوثائق اللازمة، يرى علي أن التسجيل مع المفوضية هو مشوار طويل بالنسبة إليه، ولكنه يتمسك بأمله الوحيد وهو العبور إلى أوروبا قائلا، “سأذهب بمجرد أن تُفتح الطرق مرة أخرى. هذا الطريق مكلف جدا الآن وأنا لا أملك المال. لا أملك شيئا على الإطلاق”.
العبور إلى أوروبا ليس سهلا كما يتوقع الأفغان العالقون في إسطنبول، تقول شوستر “يتم ترحيل الكثير من الأفغان من اليونان وبلغاريا ويصبحون بذلك عالقين في تركيا من دون مال مما يجعلهم عرضة للاستغلال”.
وبالنسبة إلى العديد من اللاجئين، يعرضهم البقاء في تركيا أيضا للخطر، ففي شهر مايو الماضي، تصاعدت التوترات بين الأتراك والسوريين والأفغان في إسطنبول، مما أسفر عن مقتل مواطن تركي. واشتعلت احتجاجات الأتراك المحليين على إثر هذه الحادثة التي أخمدتها شرطة مكافحة الشغب باستخدام الغاز المسيل للدموع. وتم اعتقال حوالي 300 شخص من أصل سوري وأفغاني جرى نقلهم بعد ذلك إلى مناطق مختلفة من البلاد.