أفريقيا فناء خلفي للصراع الروسي – الأوكراني

أوكرانيا افتتحت خلال فترة قصيرة سفارات لها في الكونغو الديمقراطية وساحل العاجل وموريتانيا، وتستعد لافتتاح سفارات في دول أخرى.
الخميس 2024/05/30
سباق النفوذ يحتدم

نواكشوط - تزايد عدد السفارات الأوكرانية في أفريقيا خلال الفترة الأخيرة، في وقت يتمدد فيه الحضور الروسي بالقارة السمراء، مقابل استمرار تراجع النفوذ الغربي ولاسيما الفرنسي.

ويتشكل هذا المشهد على وقع حرب مستمرة منذ 24 فبراير 2022 بين روسيا وأوكرانيا المدعومة من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة.

وفي رسالة تهنئة بذكرى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا) في 25 مايو، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “شهدنا مؤخرا أكبر موجة متزامنة من افتتاح السفارات في أفريقيا”.

وأوضح زيلينسكي في رسالة نشرتها الخارجية الأوكرانية “افتتحنا (..) سفارات جديدة في أنحاء القارة، وسنستمرّ في توسيع حضورنا، ونأمل في التعاون”.

وفي ما يبدو أنه هجوم مبطن على روسيا، أضاف أن بلاده “تسعى دائما لتحقيق المنفعة المتبادلة، ولا نستخدم أبدا الفرص المتاحة لنا على حساب الشعوب الأخرى أو سيادتها أو رفاهيتها”.

أحمد ولد الوديعة: أفريقيا مدركة لأبعاد الصراع ومعنية بالاستفادة منه
أحمد ولد الوديعة: أفريقيا مدركة لأبعاد الصراع ومعنية بالاستفادة منه

وخلال فترة قصيرة، افتتحت أوكرانيا سفارات لها في الكونغو الديمقراطية وساحل العاجل وموريتانيا، وتستعد لافتتاح سفارات في دول أخرى بينها غانا وموزمبيق وبوتسوانا ورواندا.

وأشرف الممثل الخاص لأوكرانيا لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، مكسيم صبح، في 23 مايو الجاري، على افتتاح أول سفارة لبلاده في موريتانيا.

وشارك في الفعالية ممثلون رسميون من الخارجية الموريتانية وسفراء وأعضاء سلك دبلوماسي معتمدون في البلاد وممثلون عن وسائل إعلام ودوائر الأعمال.

ووفق الخارجية الأوكرانية، عبر بيان، اعتبر صبح في كلمة له أن افتتاح البعثة الدبلوماسية الأوكرانية في نواكشوط “دليل على اعتزام أوكرانيا تكثيف التعاون مع موريتانيا، باعتبارها شريكا مهما في منطقة الساحل (غرب أفريقيا)”.

وأبلغ صبح وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك أن نواشكوط ستستفيد من خطة شحن الحبوب الأوكرانية للدول الأفريقية، وفق البيان.

وأوكرانيا هي رابع أكبر دولة مصدرة للقمح، وتنتج 9 في المئة من إنتاجه العالمي، و42 في المئة من زيت بذور عباد الشمس، و16 في المئة من الذرة. كما اجتمع صبح مع رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية محمد ولد مكت، وناقشا “إمكانيات تكثيف الاتصالات البرلمانية على مستوى قيادة البرلمانين، وآفاق إنشاء مجموعتي صداقة بين نواب من البلدين”، وفق الخارجية الأوكرانية.

وفي ساحل العاج، افتتح صبح في 11 أبريل الماضي أول سفارة لكييف في البلد الأفريقي.

وقال في كلمة إن “افتتاح سفارة أوكرانيا في ساحل العاج (كوت ديفوار) يفسر أولا وقبل كل شيء، رغبتنا في تكثيف التعاون الشامل مع الشركاء الإيفواريين”.

الدول الأفريقية باتت منطقة صراع بين الغرب وروسيا، الطامحة لبسط نفوذها في مناطق واسعة من القارة السمراء الغنية بالموارد الطبيعية

وفي اليوم التالي، افتتح صبح سفارة لبلاده في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقالت الخارجية الأوكرانية في بيان إن هذه الخطوة جاءت “في إطار تنفيذ قرار رئيس أوكرانيا بتعزيز الوجود الدبلوماسي في القارة الأفريقية، ومن المقرر قريبا افتتاح مكاتب دبلوماسية في خمس دول أفريقية أخرى.

ويرى مراقبون أن الدول الأفريقية باتت منطقة صراع بين الغرب وروسيا، الطامحة لبسط نفوذها في مناطق واسعة من القارة السمراء الغنية بالموارد الطبيعية، وتشهد العديد من دولها أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية.

ومع تزايد تمدد الحضور الروسي في القارة – وفق المراقبين – تصاعدت مخاوف الغرب من أن تتمكن موسكو من الحصول على موطئ قدم في دول أفريقية مطلة على المحيط الأطلسي.

ومن بين هذه الدول موريتانيا، وهو ما يفسر الاهتمام الغربي اللافت بالبلد العربي الواقع غرب القارة ويطل على المحيط الأطلسي بسواحل تمتد على طول 755 كلم.

وسيمثل الحضور الروسي في موريتانيا، حسب المراقبين، تهديدا للجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بقيادة الولايات المتحدة.

مع تزايد تمدد الحضور الروسي في القارة، تصاعدت مخاوف الغرب من أن تتمكن موسكو من الحصول على موطئ قدم في دول أفريقية مطلة على المحيط الأطلسي

وتعزز الاهتمام الغربي بموريتانيا أيضا بعد اكتشاف الغاز الطبيعي بكميات كبيرة تبلغ نحو 100 ترليون قدم مكعب، ومن المرتقب أن تشرع نواكشوط في تصدير أولى شحناتها من الغاز المسال نهاية العام الجاري.

ويقول مدير مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية والاستشارات وتحليل السياسات أحمد ولد الوديعة، إن “أفريقيا باتت ساحة مواجهة فعلية محتدمة بين روسيا والغرب”.

وأضاف أن هذه المواجهة “هي تماما مثل المواجهة الحاصلة بين الطرفين في أوكرانيا، حيث تحاول الولايات المتحدة وأوروبا ضرب روسيا في الخاصرة الأوكرانية”.

وتابع الوديعة أن أغلب الدول الأفريقية “تبدو مدركة لأبعاد هذا الصراع ومعنية بالاستفادة منه في تنويع الشراكات وتعزيزها، وخصوصا في مجالات الأمن والدفاع والطاقة”.

واعتبر أن أفريقيا “هي قارة المستقبل، وهناك مَن يتنافسون عليها ظنا منهم أنهم سيتناوبون على احتلالها واستغلال مواردها، ولكن الوعي في القارة كبير والنزوع للاستقلال والسيادة عميق”.

واستدرك “هذا الوعي في أفريقيا يبدو غير مستوعب بما يكفي للمتنافسين، الذين ينظر أغلبهم إلى القارة نظرة احتقار وازدراء”.

ورقة القمح

أوكرانيا هي رابع أكبر دولة مصدرة للقمح، وتنتج 9 في المئة من إنتاجه العالمي

ومتفقا مع الوديعة، قال المحلل السياسي المتابع للشأن الأفريقي أحمد ولد محمد فال إن افتتاح أوكرانيا لسفاراتها في وقت قصير “يعكس حجم الصراع الغربي الروسي المحتدم بالقارة”.

وأضاف ولد محمد فال أن “روسيا باتت تتمدد بشكل واسع في العديد من بلدان أفريقيا، مقابل استمرار التراجع الواضح للنفوذ الفرنسي”.

وشدد على “الرفض الأفريقي الواسع للوجود الفرنسي، وآخره تلميح رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونغو إلى رغبة بلاده في إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية”.

وأشار ولد محمد فال إلى أن “ثلاث من دول الساحل الأفريقي، هي مالي والنيجر وبوركينافاسو، طردت بالفعل القوات الفرنسية والأميركية من أراضيها”.

وختم بأن “الغرب لا يريد ترك القارة الأفريقية لروسيا والصين، وبالتالي يستخدم كل أوراقه، وفي هذا الإطار يأتي حراك أوكرانيا لفتح سفارات بالبلدان الأفريقية واستغلال ورقة صادرات القمح”.

وتسببت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في عرقلة صادرات القمح لدول كثيرة، لاسيما في أفريقيا؛ ما أدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب والمواد الغذائية عامة.

وفي أبريل الماضي بلغت صادرات أوكرانيا من الحبوب 6.3 ملايين طن، ارتفاعا من 5.5 ملايين طن في الشهر السابق، وفق بيانات وزارة الزراعة.

7