أفريقيا الأقل تلويثا للمناخ والأكثر تضررًا منه

تأتي استضافة مصر قمةَ شرم الشيخ للمناخ “كوب 27” في ظل تزايد الجدل حول جدوى السياسات العالمية لمكافحة التغير المناخي وعدم التزام الدول الصناعية بسياسات الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفي ضوء الأزمات السياسية والاقتصادية الدولية المتوالية، بدءاً من تداعيات جائحة كورونا، وصولاً إلى الأزمة الروسية – الأوكرانية التي أثرت بشكل كبير على خطط خفْض الانبعاثات.
شرم الشيخ (مصر) - تنعقد قمة شرم الشيخ للمناخ “كوب 27” على وقع آثار الغزو الروسي لأوكرانيا الذي خلق أزمة اقتصادية واسعة النطاق، وأزمة طاقة عالمية أدت إلى العودة لاستخدام الوقود الأحفوري المُلوِّث للبيئة.
المفارقة الأولى في قمة شرم الشيخ هي أن مصر تستضيفها ممثلة للقارة الأفريقية التي تعتبر الطرف الأقل تلويثاً للمناخ، والأكثر تضرّراً منه في الوقت ذاته. وتقول دراسة أعدها “مركز الإمارات للسياسات” إن أفريقيا مع ذلك تتحمّل تكاليف إصلاح الضرر عبر برامج الاقتراض من أجل تمويل إستراتيجيات المناخ الوطنية في دول القارة.
الانتقال من التفاوض إلى التنفيذ
الدول الصناعية مستمرة في التأثير على المناخ، دون أن تلتزم بالمخصصات التي أُقِرَّت في مؤتمر كوبنهاغن عام 2009 والبالغة 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية تعويضا لها عن الأضرار الناجمة عن التلوث البيئي.
ومن بين الملفات التي أعدها المصريون للقمة 15 مبادرة تشمل النقل المستدام، وتدوير المخلفات، وصحة المرأة، والانتقال إلى الطاقة النظيفة، والمدن المستدامة، وتدابير التكيف في قطاع المياه والزراعة، والسلام المناخي، والتكيُّف من خلال إجراءات صديقة للبيئة.
وتم الإعلان عن “الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050” بهدف تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال استخدام وسائل حديثة في جميع القطاعات، والتكيف مع التغيرات المناخية المحتملة. وسيتم بناء على ذلك إنفاق نحو 211 مليار دولار على عملية التخفيف من الآثار السلبية للتغير المناخي، و113 مليار دولار على التكيف مع التغيرات المناخية بحلول عام 2050، لكن الإستراتيجية لم تحدد مصدر هذا التمويل.
أفريقيا مضطرة إلى توفير 190 مليار دولار سنويا ما بين العامين 2026 و2030 للوصول إلى أهداف الطاقة النظيفة
وفيما تسعى القاهرة إلى لعب دور أكبر على المستوى الأفريقي بشأن جهود خفْض الانبعاثات في ظل خططها لتنمية قطاعات الطاقة المتجددة، تبدو البلدان الأفقر -التي تعاني من عواقب تغير المناخ على الرغم من مساهمتها المحدودة- بحاجة إلى المزيد من المساعدات الجادة إذا تعيَّن عليها التكيف مع أنماط المناخ المتغيرة وتخفيف المخاطر والأضرار وتحقيق هدف الانبعاثات الصفرية.
قضية المناخ حساسة بالنسبة إلى مصر لكونها تُصدر ما لا يزيد عن 0.6 في المئة من إجمالي انبعاثات العالم، إلا أنها تعدّ أيضاً واحدة من أكثر الدول عُرضة للآثار السلبية لتغير المناخ على العديد من الجهات
والقطاعات كالسواحل والزراعة والموارد المائية والصحة والسكان والبنية الأساسية.
ويعوّل على هذه القمة في تذليل العقبات أمام عملية الانتقال بقمم المناخ من إطار التفاوض حول الاتفاقيات إلى التنفيذ الفعلي.
لكن مخرجات قمة المناخ الماضية في غلاسكو مازالت تراوح مكانها، وفشل ميثاق القمة في أن يكون نقطة تحوّل حاسمة في ملف التغيرات المناخية العالمية. وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدم في القضايا الفنية طويلة الأمد خلال المؤتمر، مثل الالتزام بخفض استخدام الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، طال الفشل مسألتين رئيسيتين؛ إلزام الدول بالوصول إلى هدف “صفر كربون” لإبطاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية، وتقديم الدعم وتمويل المشاريع التنموية من أجل خفض انبعاثات الكربون في الدول النامية والمتضررة.
تمويل ضخم
التمويل المستهدف وفق اتفاقية باريس يبلغ نحو 100 مليار دولار ينبغي أن تخصص لمواجهة آثار تغيرات المناخ، وفي “كوب 26” بلغ العجز 20 مليار دولار سنوياً من إجمالي التمويل المستهدف، على الرغم من أن قيمة التمويل الذي وعدت به الدول الكبرى ولم تلتزم به لا يمثل سوى 0.4 في المئة من إجمالي التمويل العالمي الذي أُنفق في أقل من عامين للتصدي لجائحة كورونا.
ويزداد تحقيق هدف تخفيض الانبعاثات صعوبةً مع تزايد الانقسام بين الدول الكبرى بسبب المواقف الجيوسياسية والاقتصادية، خاصةً بين روسيا والصين من ناحية والولايات المتحدة وأوروبا من ناحية أخرى.
كما أدَّت إعاقة المحكمة العليا الأميركية محاولات إدارة الرئيس جو بايدن للحد من انبعاثات الكربون إلى تقويض مصداقية الولايات المتحدة في محادثات المناخ.
ويحتاج العالم إلى حوالي 4 تريليونات دولار سنوياً حتى العام 2030 للاستثمار في الطاقة النظيفة، وتحتاج أفريقيا إلى توفير 190 مليار دولار سنوياً ما بين العامين 2026 و2030 للوصول إلى أهداف الطاقة النظيفة.
وتدفع تكاليف برنامج تخفيف الانبعاثات بشكل أساسي البلدان المتقدمة والدول النامية التي تواجه آثاراً وخيمة نتيجة تغير المناخ في الوقت الحالي، وفي المقابل فإن التكيُّف والخسائر والأضرار الناجمة عنه تدفعها الأسواق الناشئة بشكل أساسي، لذا فإن التحدي الأساسي هو تحقيق توافق بين مصالح هذه الأطراف.
الدول الصناعية مستمرة في التأثير على المناخ، دون أن تلتزم بالمخصصات التي أُقِرَّت في مؤتمر كوبنهاغن عام 2009 والبالغة 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية
وتتوافر في القارة الأفريقية فرص استثمارية عديدة في مشاريع العمل المناخي، خاصةً التركيز على مشاريع التكيُّف في قطاعات الماء والغذاء والتوسُّع في إصدار السندات الخضراء ومبادلة الديون، والاستثمارات في الطاقة الجديدة والمتجددة، حيث أكدت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا أن القارة تمتلك القدرة على توليد 40 في المئة من الطاقة الشمسية اللازمة للعالم، وقد حثّ أكثر من 530 مستثمراً يديرون مشاريع تقدر بـ39 تريليون دولار الحكومات على تكثيف طموحهم المناخي قبل قمة المناخ المقبلة من أجل وضع أنظمة للتخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري، وإجبار الشركات على توسيع نطاق أنظمة الطاقة منخفضة الكربون وتنفيذ آليات تسعير الكربون.
وفي أفريقيا أسرع معدل لإزالة الغابات مقارنة ببقية القارات، ويمكن ربط الاستثمار في حماية المناطق الممتصة للكربون هذه بخلق فرص عمل مستدامة. كما يبرز من بين المشاريع المستقبلية تطوير سوق كربون أفريقية تتناسب مع أولويات وظروف اقتصادات الدول الأفريقية وتسهم بفاعلية في تمويل إجراءات التكيف في دول القارة، وتعزيز الأمن الغذائي من خلال مشاريع التخفيف والتكيف إلى جانب تفعيل الزراعة الذكية مناخياً.
ويمثل تعهد المؤسسات التمويلية الدولية بتمويل برامج المناخ فرصة أمام الدول النامية لتشجيع المشاريع ذات العلاقة بالمناخ في هذه الدول، فعلى سبيل المثال تعهَّد البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية باستثمار 50 في المئة من محفظته في مشاريع ذات بعد بيئي بحلول عام 2025 ووصل بها حالياً إلى 48 في المئة.
وستمكّن القمّة مصر من القيام بدور الوسيط بين الدول الأفريقية والدول المتقدمة في مسألة المساعدة على مواجهة التغير المناخي، على أمل أن تكون المتحدث الرسمي باسم أفريقيا بشأن قضايا المناخ.