أغاني الأطفال في الإمارات.. سجل من القيم التربوية الراسخة

أبوظبي- تعد أغاني الأطفال القديمة في دولة الإمارات العربية المتحدة جزءا أصيلا من التراث الشفهي الإماراتي الذي يتجلى في كيفية تناول اللغة وطريقة استخدامها وتوظيفها بجميع ألوانها، وبالتالي كيفية تفاعل الأطفال مع هذه الأغاني وهو ما من شأنه أن يترك أثرا بالغا في وجدانهم وسلوكهم ونمط تفكيرهم.
وتشكل تلك الأغاني وسيلة فنية من وسائل تنشئة الأطفال، وتعد نافذة المجتمع على المستقبل لأنها تشارك في تكوين شخصية الطفل والتي بدورها تقوم عليها شخصية المجتمع.
وتقول عائشة أحمد الحويدي “أغاني الأطفال تعتبر من أروع ما قيل من موروثنا الشفاهي كقيمة ثقافية وتربوية، فهي الانتماء والخصوصية وتصنف ضمن أروع الأجناس الأدبية في التراث الشعبي باعتبارها صوتا له إيقاع ووزن ومعنى يستجيب لمواقف معينة، فهي لا تقوم فقط بوظيفة جمالية ولا تستجيب إلى مقتضيات التعبير الفني فحسب ولكنها تقوم بدور تربوي وتثقيفي بل وتعليمي إلى جانب العمل على زرع المبادئ الدينية والأخلاقية والاستجابة للوجدان الجماعي سواء كان أسريا أو قبليا”.
وتضيف الحويدي “الكلمات والجمل التي تتجلى بين سطور هذه الأغاني تبرز روح الأم ووحدة النصوص الغنائية بين مناطق الإمارات المختلفة وإن وجدنا كل منطقة تستخدم الأغنية ذاتها ولكن بشواهد وأسماء مختلفة مع الإبقاء على الوزن واللحن والقافية”. وتشير إلى أن أغاني الأطفال لا يزال يرددها الكبار أكثر من الأطفال لأنها محفورة في قلوب وذهن جيل ما قبل النفط ولن تغيرها رياح التطور والحداثة لكن الجيل الحالي اتجه نحو أغاني “الديجيتال” و”الوسائط الإلكترونية المختلفة”. وتستطرد “الباحث في أغاني الأطفال يكتشف أنها في مجملها مبنية على منهج تربوي تثقيفي، أما أبرز أشخاصها فهم الأم والأب والأخ والعمة والخالة وأهم مفرداتها الحيوانات والطيور والأشجار والظواهر الطبيعية".
وتضيف “أناشيد الأطفال في هذه الصورة ما هي إلا مجموعة من الآثار الفنية تصور مشاعر وأفكارا تلائم مدارك الأطفال ومستوى تفكيرهم وتعكس أماني الآباء والأمهات في تربية أبنائهم وقد ارتبط عمر هذه النصوص بقدرة الإنسان على النطق والتعبير”. وتشدد على أن أناشيد الأطفال يجب أن تكون صادقة في التعبير عن مشاعر الأطفال وحاجاتهم، فضلا عن تحسّس الكبار لحاجات أطفالهم ومحاولة فهم نفسياتهم وأن تلامس واقع الطفل وتحاكي حاجاته وقدراته ورغباته، فالصورة الواقعية تظل أقرب إلى عالمه وأقدر على التأثير فيه من الصورة الخيالية إذا ما كانت مستمدة من بيئته وأسرته ومجتمعه، فقلب الطفل لا يقبل أن يتعلق بأشياء لا أصل لها فهو يستحضر الواقع بالخيال ويظل الواقع السبيل القوي لتحقيق تطلعات الطفولة وأحلامها".
وتقول الحويدي “أناشيد الأطفال ليست إيقاعا فحسب وليست مجرد نظم أو تلحين أو موسيقى وليست ترتيبا متناظرا للكلمات، وإنما هي إيقاع جميل متناغم يستثير الطفل ويوفر المتعة والفرح والبهجة للأطفال، ثم إن السمو الحقيقي بمدارك الأطفال ومشاعرهم هو إغناء حياتهم بكل ألوان النشاط التي تبعث شتى أنواع السعادة والمعرفة في آن واحد، حيث يعد هذا الأمر من الوسائل المؤثرة في حياة الطفل التي تشكل كل أساس بقاء المجتمع واستمراريته”. وتطالب الحويدي بضرورة العودة إلى هذا الفن الأصيل وتضمين هذه الأغاني قبل اندثارها في المناهج الدراسية لكي تبقى حاضرة وتجد لها مكانا لدى جيل لم يعد يهتم بها إلا قليلا.
وتقدم مواطنة أخرى تدعى شمسة مبارك تفسيرا لأغاني “المهاواه” (أغاني المهد) بقولها “هي أغاني الأم لطفلها الوليد وهي لا تردد له إلا في السن المبكرة وأهم أنواعها الأغاني التي تؤديها الأم لينام ابنها ومنها “هوه هوه.. هوه هوه.. هوا هوا يا الهادي.. محمد ساكن الوادي.. هوه هوه يا إسنادي.. لا ماي ولا زادي.. هوه هوه.. هوه هوه.. أمي أمي في البستاني.. تقطع خوخ ورماني.. أمي أمي في الطوياني.. تمزر كل الوعياني”.
وتقول “عندما يستيقظ الطفل في الصباح تبادره الأم بالقول صباحك صباحين.. صباح الكحل في العين.. صباحك مبكر.. الحليب مع السكر.. صباحك بدري.. أحبك وأنت تدري”. وتضيف “يتدرج الطفل في النمو وتنمو معه مداركه ويحتاج إلى المعارف والإجابة على تساؤلاته الكثيرة وهنا تظهر الحكاية المغناة ‘الخريريفة’ وهي تصغير دارج لكلمة خروفة وتعني القصة الخرافية غير القابلة للتصديق”.