أعداء الأسد يعيدون ترتيب مواقعهم وفقا لقوة الحليف الذي يتبناهم

العلاقة مع الأكراد تختبر وعود الجولاني عن الأقليات.
الأحد 2024/12/15
هل تتبخر وعود الجولاني

المسلحون الإسلاميون الذين يسيطرون على سوريا حاليا وجدوا الدعم من قطر وتركيا، فهل سيحصل الأكراد على دعم الولايات المتحدة خاصة مع عودة دونالد ترامب. ثم هل سيفي قائد المسلحين أحمد الشرع بوعوده في بناء علاقات متوازنة مع الأقليات وهل يشمل ذلك الأكراد.

دمشق- يؤكد المسلحون الإسلاميون الذين أطاحوا بالرئيس السوري بشار الأسد على أنهم يريدون بناء دولة موحدة وشاملة. ولكن تحقيق هذا الطموح سيجد نفسه في مواجهة تحديات واقعية على الأرض، وعلى رأسها الموقف من حكم الأكراد في شمال شرق سوريا، في ظل موقف تركي لا يخفي الرغبة في استثمار التغييرات في سوريا لضرب خصومه الأكراد.

ويدخل الكفاح من أجل تأسيس نظام جديد مرحلة قد تكون أكثر صعوبة بالنسبة إلى الأقلية الكردية في سوريا، وهم أقرب حليف لأميركا في البلاد، في وقت تحركت فيه قطر وتركيا لإظهار استعدادهما لدعم الحكام الجدد سياسيا وماليا واقتصاديا بعد أن دعمتهم تركيا عسكريا.

وصد المقاتلون الأكراد مجموعة من الفصائل المسلحة خلال الحرب الأهلية السورية. ودخلوا في شراكة مع الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وتأسيس منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في شرق البلاد الغني بالنفط.

◄ الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم”، التقى بقوات سوريا الديمقراطية في سوريا ومثّل ذلك إشارة إلى التزام إدارة جو بايدن بالتحالف بعد سقوط الأسد
الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم”، التقى بقوات سوريا الديمقراطية في سوريا ومثّل ذلك إشارة إلى التزام إدارة جو بايدن بالتحالف بعد سقوط الأسد

لكن مكاسب الأكراد أصبحت معرضة للخطر. ويصعب عليهم العثور على مكان في سوريا الجديدة مع صعود المسلحين العرب السنة الذين أطاحوا بالأسد بمساعدة تركيّة. ويجدر ذكر العداوة القديمة بين أنقرة والأكراد. وقد يطيل هذا الخلاف أمد الصراع.

وتوجه المسلحون الإسلاميون الذين دخلوا دمشق خلال عطلة نهاية الأسبوع بمبادرات سلمية للأكراد. لكن مقاتلي المعارضة طردوا المقاتلين الأكراد بعنف من مدينة دير الزور الشرقية بعد أيام من تخلي القوات الحكومية عنها.

واستولى فصيل معارض منفصل مدعوم من أنقرة يقاتل الأكراد منذ سنوات على بلدة منبج في الشمال. ونفذت تركيا غارات جوية على قافلة كردية قالت إنها كانت تحمل أسلحة ثقيلة منهوبة من ترسانات الرئيس المتخلي بشار الأسد.

واعتمد الأكراد في الماضي على المساعدات الأميركية في مواجهة مثل هذه التحديات. وينتشر حوالي 900 جندي أميركي في شرق سوريا حيث يتعاونون مع القوات الكردية لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية. لكن مستقبل هذه المهمة سيكون غامضا في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي كان متشككا منذ فترة طويلة في التدخل الأميركي في سوريا.

ويقدم الكاتب جوزيف كروس في تقرير له في وكالة الأسوشيتد برس نظرة على المأزق الذي يجد الأكراد أنفسهم فيه.

فمن هم المقاتلون الأكراد المتحالفون مع الولايات المتحدة في سوريا؟

يتركز حوالي 30 مليونا من الأكراد في منطقة تمتد بين تركيا وإيران والعراق وسوريا. ويشكلون أقلية في كل بلد. وغالبا ما عانوا الاضطهاد، مما غذى الانتفاضات الكردية المسلحة.

وأنشأوا جيبا ذاتيا في سوريا في بداية الحرب الأهلية. ولم يقفوا أبدا إلى جانب حكومة الأسد أو المتمردين الذين يسعون للإطاحة به.

◄ العزوف عن توجيه خطاب عدائي ضد قوات سوريا الديمقراطية مؤشر إيجابي صادر عن الجولاني، لكن هل يتجاوز الأمر مجرد المناورة

وأثبت المقاتلون الأكراد (العلمانيون والذين تشمل صفوفهم النساء) قوتهم في المعارك المبكرة ضد المتطرفين عندما استولى تنظيم الدولة الإسلامية على ثلث البلاد خلال 2014. ولاقوا دعم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

وشكلوا مجموعة تعرف باسم قوات سوريا الديمقراطية، وهي تشمل مقاتلين عربا. وطردوا معا تنظيم الدولة الإسلامية من مناطق واسعة في سوريا بمساعدة الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة. واستولت هذه القوات التي يقودها الأكراد خلال 2017 على الرقة، عاصمة الخلافة التي أعلنها المتطرفون.

لماذا تقاتل تركيا الأكراد؟

 ترى تركيا في قوات سوريا الديمقراطية امتدادا للتمرد الكردي المستمر منذ عقود داخل حدودها. وتعتبر الفصيل الكردي الرئيسي جماعة إرهابية مثله مثل تنظيم الدولة الإسلامية. وتؤكد وجوب إقصائه من سوريا الجديدة.

وعملت تركيا خلال السنوات الأخيرة على تدريب مقاتلين يعرفون باسم الجيش الوطني السوري وتمويلهم. وساعدتهم بذلك على انتزاع السيطرة على الأراضي من الأكراد في شمال سوريا على طول الحدود مع تركيا. وصوّر هؤلاء المقاتلون المدعومون من تركيا أنفسهم جزءا من المعارضة ضد الأسد. لكن محللين يقولون إنهم مدفوعون بالانتهازية وكراهية الأكراد.

وركز الأكراد على محاربة الجيش الوطني السوري خلال السنوات الأخيرة. لكن القيادة الجديدة في دمشق، التي تربطها علاقات طويلة بتركيا أيضا، يمكن أن تفتح جبهة أخرى أطول بكثير.

◄ مكاسب الأكراد أصبحت معرضة للخطر. ويصعب عليهم العثور على مكان في سوريا الجديدة مع صعود المسلحين العرب السنة الذين أطاحوا بالأسد بمساعدة تركيّة
مكاسب الأكراد أصبحت معرضة للخطر ويصعب عليهم العثور على مكان في سوريا الجديدة مع صعود المسلحين العرب السنة الذين أطاحوا بالأسد بمساعدة تركيّة

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن القضاء على ما أسماه الميليشيا الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة هو “الهدف الإستراتيجي” لبلاده، ودعا أعضاء “الميليشيا” إلى مغادرة سوريا أو إلقاء السلاح، في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية.

وفي مقابلة مع قناة “إن تي في” التركية، دعا فيدان أيضا حكام سوريا الجدد إلى عدم الاعتراف بـ”وحدات حماية الشعب”.

وقال فيدان “يجب على أعضاء وحدات حماية الشعب غير السوريين مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن.. يجب على مستوى القيادة بوحدات حماية الشعب بأكمله مغادرة البلاد أيضا.. بعد ذلك، يجب على من سيبقون أن يلقوا أسلحتهم ويواصلوا حياتهم“.

وأضاف فيدان أنه “مع تقدم المعارضة السورية المسلحة نحو دمشق والإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، طلبت تركيا في المحادثات التي كانت تجري في قطر في ذلك الوقت من إيران وروسيا عدم التدخل عسكريا“.

يقود أحمد الشرع (المعروف سابقا باسم أبومحمد الجولاني) فصيل المعارضة الرئيسي. وكان الشرع مقاتلا سابقا في القاعدة. لكنه قطع علاقاته مع التنظيم قبل ثماني سنوات ويقول إنه يريد بناء سوريا جديدة خالية من الدكتاتورية تخدم كل الطوائف الدينية والعرقية.

ويعتبر نواف خليل، رئيس مركز الكردي للدراسات ومقره ألمانيا، أن المؤشرات المبكرة كانت إيجابية. وأضاف أن مقاتلي المعارضة ابتعدوا عن جيبين تسيطر عليهما قوات سوريا الديمقراطية في حلب عندما اقتحموا المدينة قبل أسبوعين في بداية تقدمهم السريع في أنحاء البلاد.

ورأى في العزوف عن توجيه الخطاب العدائي ضد قوات سوريا الديمقراطية مؤشرا إيجابيا.

ويبقى أن نرى ما إذا ستستمر هذه المشاعر. ونشر مقاتل من جماعة الشرع مقطع فيديو بعد اجتياح دير الزور هذا الأسبوع. وقال فيه إنهم سيتقدمون قريبا باتجاه الرقة ومناطق أخرى في شرق سوريا. ويثير هذا احتمال اندلاع المزيد من الاشتباكات مع الأكراد.

ويستطيع المتمردون خلال هذه المرحلة العمل على صياغة اتفاق مع الأكراد لدمجهم في النظام السياسي الجديد. لكن ذلك قد يتطلب قبول درجة من الحكم الذاتي الكردي في الشرق. ويخاطر كذلك بإغضاب تركيا، التي تبدو وسيطة السلطة الرئيسية في سوريا.

هل ستدعم إدارة ترامب الأكراد؟

◄ من يحمي الأكراد
من يحمي الأكراد

التقى الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم”، بقوات سوريا الديمقراطية في سوريا يوم الثلاثاء. ومثّل ذلك إشارة إلى التزام إدارة جو بايدن بالتحالف بعد سقوط الأسد. لكن الأمور يمكن أن تتغير في 20 يناير القادم.

ولم يقدم ترامب تفاصيل سياسته في الشرق الأوسط، باستثناء قوله إنه يريد إنهاء حروب المنطقة وإبعاد الولايات المتحدة عنها.

وكتب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي قبل وقت قصير من الإطاحة بالأسد أن “سوريا في حالة من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا، ويجب ألا يكون للولايات المتحدة أي علاقة بها.” كما قال “هذه ليست معركتنا، فلندع الوضع يأخذ مجراه. دعونا لا نتدخل“.

وتخلى ترامب عن الأكراد في 2019 قبل التوغل التركي خلال فترة ولايته السابقة. واعتبر ذلك وفاء بوعد حملته الانتخابية بإنهاء التدخل الأميركي في “الحروب التي لا نهاية لها” في المنطقة.

وأثارت هذه الخطوة انتقادات شديدة، حتى أن جمهوريين بارزين اتهموه بخيانة حليف. ثم تراجع ترامب بعد أسابيع ووافق على مهمة أوسع لتأمين حقول النفط في الشرق. وبقيت القوات بذلك في مواقعها واستمر التحالف.

6