أطفال غزة يقاومون الجهل والجوع

مبادرة تعليمية تطوعية تحاول تعويض الطلبة عن انقطاعهم لمدة عام كامل عن مقاعد الدراسة، وتقديم الدعم النفسي لهم للتخفيف من وطأة الحرب وهولها.
الخميس 2024/09/26
لحن الأمل

غزة (فلسطين)- رغم الجوع الذي يضرب مفاصل الحياة في منطقة شمال قطاع غزة التي تتعرض لحصار إسرائيلي مشدد، التحق مئات الطلاب من الأطفال بخيام تعليمية لاستدراك ما فاتهم من الدروس خلال نحو عام من الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر.

هذه الخيام تم تجهيزها لتحل محل الصفوف الدراسية ضمن مبادرة تعليمية تطوعية، تم تنظيمها في مدارس مُستخدمة لإيواء النازحين في المنطقة الشمالية للقطاع.

وتحاول هذه المبادرة تعويض الطلبة عن انقطاعهم لمدة عام كامل عن مقاعد الدراسة، وتقديم الدعم النفسي لهم للتخفيف من وطأة الحرب وهولها.

◄ إسرائيل دمرت خلال الحرب 125 مدرسة وجامعة بشكل كلي، و336 مدرسة وجامعة بشكل جزئي وقتلت 11 ألفا و500 طالب وطالبة
إسرائيل دمرت خلال الحرب 125 مدرسة وجامعة بشكل كلي، و336 مدرسة وجامعة بشكل جزئي وقتلت 11 ألفا و500 طالب وطالبة

مدرسة “الهاشمية” في حي التفاح شرق مدينة غزة، واحدة من المدارس التي احتضت خياما تعليمية لإنقاذ الطلبة ذهنيا.

وداخل الخيمة، تسود حالة من التفاعل بين عدد قليل من الطلبة خلال تقديم إحدى المعلمات لدرس باللغة العربية.

وتسعى المعلمة لخلق نوع من الحماسة بين الأطفال لحثهم على التفاعل والمشاركة الشفهية معها، باستخدام أناشيد تفاعلية.

وفي محاولة لإنقاذ العملية التعليمية، انطلقت في محافظات جنوبي القطاع مبادرات تطوعية وأخرى نظمتها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في خيام وداخل مراكز إيواء، من أجل إعادة الأطفال جزئيا للتعلم إضافة إلى تقديم الدعم النفسي لهم.

ودمرت إسرائيل خلال الحرب 125 مدرسة وجامعة بشكل كلي، و336 مدرسة وجامعة بشكل جزئي، كما قتل 11 ألفا و500 طالب وطالبة و750 معلما ومعلمة وعاملا في سلك التعليم، بحسب آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي.

وفي 2 سبتمبر الجاري، قالت الأونروا إن أكثر من 600 ألف طفل في قطاع غزة يعانون صدمة شديدة ومحرومون من التعليم، في ما تحولت مدارسهم إلى مراكز لجوء مكتظة بالنازحين وغير صالحة للتدريس.

وتقول الفلسطينية أم البراء جابر، مشرفة المبادرة التي يتم تنظيمها في مدارس تتبع للأونروا شمال القطاع، وتستخدم كمراكز للإيواء، إنهم نجحوا بافتتاح “صف أو صفين في كل مدرسة في الشمال”.

وتضيف “استطعنا تكوين هذه الصفوف في المدارس بعد القصف والدمار والجوع ورغم استمرار حرب الإبادة”.

◄ مبادرة تعليمية تطوعية تم تنظيمها في مدارس مُستخدمة لإيواء النازحين في المنطقة الشمالية للقطاع
مبادرة تعليمية تطوعية تم تنظيمها في مدارس مُستخدمة لإيواء النازحين في المنطقة الشمالية للقطاع

وأوضحت أنه يتم تكفل الطلبة داخل هذه الصفوف “ليس فقط من الجانب التعليمي، وإنما من خلال تقديم الدعم النفسي والصحي والاجتماعي لهم”.

وفي 3 سبتمبر الجاري، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن أطفال غزة “في حاجة إلى الدعم المنقذ للحياة.. لا يوجد مكان آمن للأطفال مع تفاقم الأزمة الإنسانية”.

وذكرت جابر أن المبادرة تمكنت من “تسليم كل طالب وطالبة التحقوا بهذه الصفوف حقيبة مع قرطاسية”، لافتة إلى جهود لتجهيز “الكسوة الشتوية” لهم.

وتأتي هذه الجهود وسط ظروف اقتصادية قاسية تحرم أهالي الطلبة من تجهيز القرطاسية المدرسية أو الملابس لأطفالهم.

وأشارت إلى أن عدد الطلبة الملتحقين في الوقت الحالي بلغ نحو 400 طالب وطالبة، لافتة إلى وجود حالات تسجيل لآلاف الطلبة الجدد لكن “لا يوجد متسع لهم بسبب ضيق الصفوف في الخيام”.

بدورها، تقول معلمة اللغة العربية مريم الشيخ إنها وبالاشتراك مع 3 معلمات أخريات أطلقن هذه المبادرة في مركز إيواء “الهاشمية”.

وتضيف “بعد استمرار العدوان لسنة كاملة، أطلقنا منذ 3 شهور مبادرة تعليمية لتعليم الأطفال اللغة العربية والرياضيات واللغة الإنجليزية والعلوم، لإنقاذ الجيل من الضياع”.

وأشارت إلى أن هذه المبادرة انطلقت في “خيمة تعليمية”، استقبلت الطلبة من كلا الجنسين من الصفوف التأسيسية من “الأول إلى الخامس”.

وفي بداية سبتمبر الجاري، حذر المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، فيليب لازاريني من أن تعذر تعليم الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة بسبب الهجمات الإسرائيلية قد يؤدي إلى “ضياع جيل كامل”.

من جانبها تقول المعلمة إسلام أبو قرن إن هذه المبادرة تسعى لمواجهة سياسة الاحتلال في تجهيل الطلبة بغزة.

وتابعت “هذه المبادرة بعد حرب دامت عاما كاملا، وما زالت مستمرة، وتأتي بعد انقطاع الطلبة عن الدراسة وسط سياسة الاحتلال في التجهيل للطلبة”.

◄ أكثر من 600 ألف طفل في قطاع غزة يعانون صدمة شديدة ومحرومون من التعليم، في ما تحولت مدارسهم إلى مراكز لجوء مكتظة بالنازحين وغير صالحة للتدريس
أكثر من 600 ألف طفل في قطاع غزة يعانون صدمة شديدة ومحرومون من التعليم، في ما تحولت مدارسهم إلى مراكز لجوء مكتظة بالنازحين وغير صالحة للتدريس

وأردفت “كان لا بد لنا من وقفة بسبب الأوضاع المأساوية التي وصل إليها حال الطلاب والمدارس والجامعات ورياض الأطفال أيضا”.

وذكرت أنهن بأبسط الإمكانيات حاولن “نصب خيمة تعليمية وتجميع قرطاسية لاستدراك جيل كامل يضيع”.

وعبرت عن ألمها لـ”خسارة قطاع غزة عددا كبيرا من الأطفال والطلبة الذين كانت لهم أحلام، ولمعلمين ومدرسي جامعات”. وعدّت هذه المبادرة “محاولة لإعادة بناء ما دمّره الاحتلال خلال عام كامل من الحرب”.

وتقول الفلسطينية سعاد السويريكي إنها جلبت طفليها “عادل وياسمين” للمشاركة في هذه المبادرة التعليمية بما ينقذهما “علميا وذهنيا”.

وتضيف “الحرب المستمرة التي نعاني منها منذ سنة كاملة، حُرمنا فيها من جميع ظروف الحياة”.

ورغم استمرار الحرب، إلا أن الوالدة أعربت عن حرصها واهتمامها بتعليم طفليها وإنقاذهما من “سياسة التجهيل”.

وعبّرت عن حسرتها بعد أن حرمتها الحرب من موسم “تجهيزات الأطفال بالزي المدرسي والقرطاسية، وحتى من وجبة الفطور”.

وأعربت عن أمنياتها في انتهاء الحرب بوقت قريب، في ما نقلت عن طفلتها ياسمين قولها “لماذا يحصل كل هذا لنا؟ لماذا كل هذا الخوف (الذي يصيبنا)؟.

وفي العادة، يحتاج الطفل من أجل زيادة تركيزه الدراسي إلى وجبة متكاملة العناصر الغذائية، وهو ما يُحرم منه أطفال محافظتي غزة والشمال إذ يعتمدون في حياتهم على المعلبات فقط إن توفرت.

الطفلة جنى الجرش (8 سنوات)، واحدة من الطالبات الملتحقات بهذه الصفوف، قالت إنها “سعيدة لعودتها إلى التعليم”.

وتابعت أن الجيش الإسرائيلي “يقصفون المدارس ليمنعوننا من التعليم.. نريد أن نأتي إلى هنا ونتعلم”.

وأعربت الطفلة عن أحلامها المستقبلية في أن تصبح طبيبة.

أما الطفل عمر الجدبة (9 سنوات)، الملتحق بهذه المبادرة، فقال إن الحرب أخذت مني “منزلي وكتبي ودفاتري وألعابي”. وتابع، “جئت إلى هنا لأتعلم وأصبح طبيبا حينما أكبر”.

16