أطفال غزة يداعبون الأمل في أكاديميات كرة القدم

نجومية ميسي وزيدان تدغدغ المبتدئين في الرياضة الأكثر شعبية، ومرضى يركلون السرطان بعيدا عن أجسادهم.
الجمعة 2019/03/08
المهارات تبدأ بتمريرات بسيطة

باتت كرة القدم حلم الأطفال في كل بلدان العالم لتحقيق الشهرة والمال، فعشاق هذه اللعبة الشعبية ارتفع عددهم وازداد الهوس بها حتى أصاب الأطفال، خاصة وأن أغلب النجوم قدموا من أوساط فقيرة وأحياء شعبية فطردوا الفقر وحققوا الشهرة، وبدورهم أطفال غزة استهوتهم كرة القدم فأصبحت متنفسهم في ظل غياب النشاطات الترفيهية، وكبرت أحلامهم بأن يصلوا إلى ما وصل إليه النجوم الذين يتابعونهم في البطولات الأوروبية.

غزة (فلسطين) - بمهارة عالية يمرر الطفل الفلسطيني آدم الشريف، الكرة إلى زميله على الجانب الآخر من الملعب خلف صفوف دفاع الفريق الخصم قبل أن يعيدها إليه ليسددها بدوره باتجاه المرمى محرزا هدفه الأول في المباراة التدريبية الأسبوعية.

دقائق معدودة بعد ذلك، ويتمكن الشريف من إحباط هجمة معاكسة كادت أن تتوج بهدف للفريق الآخر، بعد أن قطع تمريرة قرب مرماه وأعاد الكرة إلى منتصف الملعب ليستحوذ عليها رفاقه، ويشنون هجمة مرتدة، إلا أن التسديدة لم تكن دقيقة بما يكفي فخرجت الكرة بعد أن اصطدمت بالعارضة.

كان ذلك خلال حصة تدريبية لتعليم مهارات كرة القدم تجريها أكاديمية “المحترفين” بمدينة غزة، ضمن برنامجها لتعليم كرة القدم للأطفال الذي يشارك فيه خلال الموسم الحالي نحو 150 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين 5-16 عاما.

ويختلف أطفال غزة عن أطفال العالم كونهم يعانون من احتلال وحصار، ويعيشون الخوف في أغلب اللحظات، فيلجأون إلى اللعب على أنه إحدى الوسائل التي يمكن أن تساعدهم على تفريغ طاقاتهم.

وخلال السنوات القليلة الماضية، ارتفع عدد أكاديميات تعليم كرة القدم للأطفال في قطاع غزة بعد زيادة الإقبال على تعلم اللعبة الأكثر شعبية عالميا، في ظل افتقار القطاع، المحاصر منذ 12 عاما، للبدائل الترفيهية والرياضية.

شعار الأكاديميات تطوير الطفل وتخفيف الضغط النفسي عنه وصقل مواهبه وإبعاده عن العنف

وبعد أن انتهى الشوط الأول من المباراة التدريبية، يقول الطفل آدم الشريف (12 عاما)، “التحقت بأكاديمية المحترفين منذ أكثر من شهر وتعلمت خلال هذه المدة، العديد من أساسيات ومهارات كرة القدم”.

وبينما يحاول أن يلتقط أنفاسه اللاهثة، يضيف الشريف، “أحلم أن أصبح لاعبا مشهورا مثل ليونيل ميسي لاعب فريق برشلونة، أو زين الدين زيدان، المدرب السابق لفريق ريال مدريد، لذلك أحرص على المشاركة في جميع

دروس الكرة التي تنظم مرتين أسبوعيا”. ومع التطور الكبير الذي تعيشه كرة القدم في فلسطين، حيث يطبق الاحتراف، باتت ممارسة اللعبة حلم جميع الأطفال باعتبارها يمكن أن تكون وظيفة تؤمن لقمة العيش وتنقذهم من الفقر، وسارع العديد من المستثمرين والأندية إلى تأسيس أكاديميات لكرة القدم في قطاع غزة، والتي ترفع شعار تطوير الطفل وتخفيف الضغط النفسي عنه وصقل مواهبه وإبعاده عن العنف.

ولا تؤثر دروس كرة القدم على التحصيل العلمي للطفل الشريف فهو كما يحرص على تعلم مهارات الكرة فإنه يهتم بدراسته بشكل جيد، كما يقول.

ويتابع، “عندما ألعب كرة القدم أشعر بمتعة كبيرة وبطاقة قوية تساعدني على الدراسة. أبي أخبرني أن الرياضة تنمي قدراتي العقلية ووجدت أنه صادق في ذلك”.

ويعتقد الطفل الغزي أنه سيتمكن من تعلم جميع أساسيات كرة القدم بعد عام واحد فقط، وأنه سيصبح لاعبا متميزا عندما يبلغ من العمر (16 عاما).

البنية القوية ضرورية في الكرة الحديثة
البنية القوية ضرورية في الكرة الحديثة

ويحب الشريف أن يشاهد المباريات القوية في الدوري الإسباني مثل تلك التي تجمع بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة، حتى وإن كانت في وقت متأخر.

ومن خارج أرض الملعب يراقب المسؤول في أكاديمية “المحترفين” لكرة القدم، حسن سيسالم، الحصة التدريبية التي تستمر لنحو ساعتين في محاولة للتعرف على نقاط الضعف والقوة لدى الأطفال، لعلاج الأولى وتعزيز الثانية.

ويقول سيسالم، إن “كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى بالعالم والإقبال عليها كبير بقطاع غزة خاصة من قبل الأطفال الذين يتابعون مباريات الكرة الأوروبية ويتأثرون باللاعبين المحترفين ويحلمون بأن يصبحوا مثلهم”.

 ويضيف، “هناك وعي رياضي أيضا لدى الأهالي في غزة، حيث بات لديهم اهتمام كبير بأن يتعلم أطفالهم كرة القدم ويطوروا مهاراتهم فيها في ظل ما يحققه اللاعبون المحترفون من نجاحات عظيمة على المستوى المحلي والعالمي”.

ويشير إلى أن عدد أكاديميات تعليم كرة القدم في قطاع غزة يتزايد بشكل متواصل وقد وصل إلى نحو 20 أكاديمية. ويؤكد سيسالم، أن هذه الأكاديميات تحاول إنشاء جيل موهوب في كرة القدم ليمثل فلسطين بالمحافل الإقليمية والدولية.

ويوضح أن أعداد الأطفال الذين يلتحقون بأكاديميته يزداد بشكل كبير خلال العطلة الصيفية ليصل إلى 500 طفل، بينما يتقلص العدد في الشتاء إلى نحو 150 طفلا.

ويتم تقسيم الأطفال في الأكاديمية إلى ثلاث فئات حسب أعمارهم، الأولى تضم الأطفال من 5 إلى 9 سنوات والثانية من 10-12 والثالثة من 12-16 عاما.

وفي بادرة تعتبر هي الأولى في الشرق الأوسط، افتتح نادي تشامبيونز العائلي في غزة أكاديمية كرة قدم لمرضى السرطان، وشكلت الأكاديمية “فريق الأمل” في فبراير الذي ينشط به حاليا 18 طفلا، ويبلغ عدد حالات الإصابة بمرض السرطان في غزة 8515 حالة بينهم 608 أطفال.

وتضم الأكاديمية ملعبا لكرة القدم وصالة رياضية ومقهى، بالإضافة إلى ملعب لكرة السلة وتنس الطاولة والتنس الأرضي، وبركة سباحة سيتم تفعليها في وقت لاحق، وفق القائمين عليها.

وتتضاءل الأوجاع والآلام التي يسببها مرض السرطان في جسد الفتى سعد السرحي (16 عاما) وينسى همومه كلما ركل الكرة بقدميه في أحد ملاعب الأكاديمية.

ويتدرب السرحي لكي يصبح لاعب كرة قدم محترفا كما يقول، مضيفا،”أستمتع كثيرا وأنا هنا، وأنسى أنني مصاب بمرض السرطان، فأنا أحب كرة القدم جدا”.

تطوير مهارات الأطفال الكروية
تطوير مهارات الأطفال الكروية

أما نبيل عياد (17 عاما)، وهو أحد الملتحقين بالأكاديمية، فقال، “عندما أحضر هنا أخرج من جو البيت والمرض إلى جو رياضي ممتع”. وأضاف، “لقد شعرت أن الحياة أصبحت أفضل، وتحسن وضعي الصحي”.

وتستعد الأكاديمية في الفترة المقبلة لافتتاح قسم رياضة كرة السلة والتنس الأرضي وتنس الطاولة.

يذكر أن نادي الهلال هو مؤسس أول مدرسة كرة قدم في فلسطين وصاحب أول أكاديمية معتمدة رسميا من الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في قطاع غزة.

وأعلن نادي هلال غزة الرياضي الشهر الماضي عن بدء التسجيل رسميا في الأكاديمية الخاصة بالمبتدئين والتي تستعد لافتتاح 4 من فروعها مطلع الصيف المقبل في محافظات قطاع غزة.

وكان قطاع غزة يفتقر إلى المنشآت والأندية الترفيهية والرياضية، إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت تزايدا في أعداد هذه الأماكن التي يقبل عليها الفلسطينيون في محاولة لتجاوز التبعات النفسية للحصار.

وتواجه هذه الأكاديميات في غزة وكل المدن الفلسطينية بأنها تستغل أحلام الأطفال لكسب المزيد من المال بعيدا عن تكوين مواهب في هذه اللعبة الشعبية، ويستدل المنتقدون في آرائهم على اعتماد أغلب هذه الأكاديميات على مدربين غير مؤهلين لذلك باعتبار عدم حصولهم على دبلومات الاختصاص.

20