أطباء لبنانيون يخشون انهيار المستشفيات المستنزفة في الجنوب

مرجعيون (لبنان) - من مكتبه المطل على الحدود مع إسرائيل، يستطيع الطبيب مؤنس كلاكش سماع دوي قذائف المدفعية والغارات الجوية التي تسقط على البلدات اللبنانية القريبة.
وبثت الوتيرة المتزايدة لهذه الهجمات الرعب في قلوب العاملين في مستشفاه الصغير وجعلت القلق يستبد بهم. وقال كلاكش "إلى حد الآن عالجنا 51 شخصا أصيبوا بجروح نتيجة القصف في الشهر الماضي تقريبا. توفي أو وصل 17 منهم قتلى. وأكثر من ذلك نحن ننهار".
وأضاف كلاكش، مدير مستشفى مرجعيون في جنوب لبنان، أنه يقدم خدمات لنحو 300 ألف شخص في المنطقة. والمستشفى به 14 سريرا للطوارئ ويكافح من أجل العمل بسبب نقص الموظفين، والأهم من ذلك، نقص الوقود.
وأعرب رئيس وقائد بعثة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) الجنرال أرولدو لاثارو عن قلقه "العميق" إزاء الوضع في جنوب البلاد واحتمال وقوع "أعمال عدائية أوسع نطاقا وأكثر حدّة".
وتدين وزارة الصحة اللبنانية الهجمات على المستشفيات قائلة "إن استهداف المنشآت الصحية والعاملين بها يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني ويعرض أرواح الأبرياء والمرضى للخطر".
ويعمل المستشفى بالمولدات لمدة 20 ساعة يوميا ويتعين عليه دفع ما يصل إلى 20 ألف دولار شهريا مقابل الوقود. وقال كلاكش "لم يعد أي من هذه الأموال يأتي من الحكومة”. وأضاف "نعتمد على الأموال المتوفرة في المستشفى من أسبوع إلى آخر".
وإذا نفد الوقود، فسيُغلق المستشفى. وقال كلاكش “لا نستطيع أن نطفئ أقساما من المستشفى”. وهناك العشرات من المستشفيات العامة الأخرى معرضة للخطر أيضا. وجعل الانهيار الاقتصادي الذي شهده لبنان في 2019 قادرا بالكاد على التكيف في وقت السلم.
والآن، يدفع الصراع المتصاعد على الحدود الجنوبية مع إسرائيل قطاع الرعاية الصحية إلى أزمة جديدة، رغم تسلم الحكومة قبل أسابيع إمدادات طبية حيوية ليكون جاهزا للاستجابة لأي أزمة صحية محتملة من منظمة الصحة العالمية.
وقالت المنظمة في بيان لها “وصلت شحنتان إلى بيروت قادمتان من المركز اللوجستي لمنظمة الصحة العالمية في دبي، وتتضمنان ما يكفي من الأدوية والإمدادات الجراحية لتلبية احتياجات ما بين 800 و1000 جريح”.
ويشعر الأطباء بالقلق من أن الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط قد تمتد إلى ما هو أبعد من نقطة الانهيار. ونال المستشفى الموجود أعلى التل في مرجعيون نصيبه من الأزمات الإنسانية الأسوأ. فقد أجلى الأطباء المرضى تحت الضربات الجوية خلال الغزو الإسرائيلي عام 2006 والذي قتل فيه المئات.
لكن هذه المرة، يقول كلاكش والأطباء في المستشفيات الأخرى إنهم غير مجهزين للتعامل مع مستويات العنف الحالية، ناهيك عن حرب كبرى أخرى. وفي السنوات القليلة الماضية، يخرج لبنان من أزمة ليدخل في أخرى. ودفع الانهيار المالي في 2019 والانفجار المروع في مرفأ بيروت عام 2020 لبنان إلى حافة الهاوية.
فالأموال الحكومية نفدت، والآلاف من الأطباء والممرضات غادروا البلاد، وانخفضت ميزانيات المستشفيات. ومستشفى مرجعيون ليس استثناء، يقول كلاكش، إن الكثير من موظفيه غادروه إلى مدن أكبر أو دول أجنبية. وأضاف “كان عندنا أربعة أو خمسة جراحين بعام 2006، ومختصان بطب العظام وطب النساء، لكن لدينا الآن مختص واحد في كل مجال يشتغلون ساعات طويلة جدا دون أي تبديل”.
◙ النزوح اللبناني يعني أنه لم يتبق سوى عدد أقل من الأشخاص للعلاج لكن تدفق المرضى من شأنه أن يسد الممر الضيق المؤدي إلى غرفة الطوارئ المشتركة
وقالت وزارة الصحة اللبنانية إن ميزانيتها لم تعد قادرة على تلبية الاحتياجات. وأرسلت على عجل مستلزمات علاج الصدمات إلى المستشفيات الحكومية هذا الأسبوع، في توقع للأسوأ. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها زودت المستشفيات، ومنها مرجعيون، بالوقود.
وقال جراح في مستشفى خاص في النبطية القريبة إن مساعدات الطوارئ لن تصل إلى هذا الحد إلا مع احتدام القتال. وأضاف الطبيب موسى عباس “بحكم أي مستشفى بلبنان بنستوعب في حدود من 40 إلى 50 حالة بالأسبوع، أي مستشفى بلبنان ما عنده الجهوزية التامة”.
وقال كلاكش إن النزوح اللبناني بعد الأزمة المالية يعني على الأقل أنه لم يتبق سوى عدد أقل من الأشخاص للعلاج. لكن تدفق المرضى من شأنه أن يسد الممر الضيق الذي يؤدي إلى غرفة الطوارئ المشتركة ومنطقة الاستقبال.
عمد كلاكش إلى تجهيز المستشفى وتجديده في الأشهر التي سبقت الانهيار المالي، عندما كانت الأموال الحكومية متاحة. اشترى آلات غسيل الكلى ونقل غرفة الغسيل إلى مبنى خارجي لتوفير مساحة أكبر لعلاج المرضى. ويشعر كلاكش بالقلق من أن يختفي كل ذلك في غارة جوية، ويراقب برعب التقاعس عن حماية الأطقم الطبية في غزة.
ويقول مسؤولون في حركة حماس إن القصف الإسرائيلي على غزة أدى إلى تدمير 25 مستشفى في القطاع الفلسطيني المحاصر. وقالت السلطات اللبنانية إن قذيفة إسرائيلية أصابت مستشفى صغيرا بالقرب من الحدود الأسبوع الماضي.
وقال كلاكش "هذا الخوف أكيد موجود، هذا قدرنا. نحن واجباتنا نكون موجودين هون ونظل مستمرين حسب الإمكانيات الموجودة والمتوفرة عندنا، وإن شاء الله نتمنى ألا تتطور الأمور نحو الأسوأ".