أصوات البشر تشوش على التواصل بين الأسماك

اكتشف باحثون أن الأضرار الناجمة عن ضوضاء البشر أكثر شمولية في تداعياتها مما كانت قد كشفته الأبحاث العلمية، إذ تبين أنها تؤثر على أعماق المحيطات، وتجعل من الصعب على الأسماك والحيوانات البحرية التواصل مع بعضها البعض.
واشنطن - وجد الباحثون أن التغييرات في المشهد الصوتي للمحيط تؤثر على مساحات واسعة من الحياة البحرية، من الجمبري الصغير إلى الحيتان العملاقة.
ووفقا لدراسة نُشرت الخميس، لا يغير البشر سطح الكوكب ودرجة حرارته فحسب، بل يغيرون أصواته أيضا، ويمكن اكتشاف هذه التحولات حتى في المحيط المفتوح.
وذكر العلماء في الدراسة -التي استندت إلى أكثر من 500 بحث- أنه على مسافة بعيدة من سطح مياه المحيطات، يعرقل ضجيج الآلات الصناعية قدرة الأحياء البحرية على التزاوج وتناول الطعام بل والهرب من الافتراس.
وقال الباحثون إن الإنسان أحدث تحولا كبيرا في البيئة الصوتية تحت الماء بفعل هدير محركات السفن ودق مضخات التنقيب والانفجارات المصاحبة للمسوح الزلزالية، مشيرين إلى أن هذا أصاب في بعض الأحيان الحيتان والدلافين وغيرها من الثدييات البحرية التي تعتمد على الصوت في الإبحار بالصمم أو جعَلها غير قادرة على تحديد الاتجاه.
ولفت فرانسيس جوانز، عالم البيئة في جامعة فيكتوريا في كندا وأحد مؤلفي الورقة البحثية في مجلة ساينس، إلى أن “الأصوات تسافر بعيدا جدا تحت الماء. بالنسبة إلى الأسماك، ربما يكون الصوت طريقة أفضل من الضوء في استشعار بيئتها”.
باحثون يدعون إلى إنجاز عمل عالمي لقياس الضوضاء في المحيطات والتعامل معها
وأضاف “بينما يميل الضوء إلى التبدد في الماء، تنتقل الأصوات عبر الماء أسرع بكثير مما لو كانت على الهواء”.
وتستخدم الكثير من الأسماك والحيوانات البحرية الصوت للتواصل مع بعضها البعض، ولتحديد مواقع واعدة للتكاثر أو التغذية، وربما لاكتشاف الحيوانات المفترسة؛ فعلى سبيل المثال، يصدر الروبيان المنقط صوتا يشبه صوت الذرة الذي يذهل فريسته، في حين تشبه أصوات الحوت الأحدب ألحان عازف الكمان.
لكن الضوضاء المتزايدة من حركة الشحن، وسفن الصيد الآلية، والتنقيب عن النفط والغاز تحت الماء، والبناء البحري، والأنشطة البشرية الأخرى تجعل من الصعب على الأسماك سماع بعضها البعض.
وقام الباحثون بفحص الآلاف من مجموعات البيانات والمقالات البحثية التي توثق التغييرات التي طرأت على حجم الضوضاء وتواترها لتكوين فكرة شاملة عن كيفية تغير المشهد الصوتي للمحيطات، وكيفية تأثّر الحياة البحرية.
وباستخدام الميكروفونات تحت الماء، يمكن للعلماء تسجيل أصوات الأسماك، وهي الأصوات التي تميل إلى أن تبثّ نفس الترددات المنخفضة مثل ضوضاء سفن الشحن.

وقال قائد فريق الباحثين كارلوس دوارتي، عالم البيئة البحرية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في السعودية، “بالنسبة إلى العديد من الأنواع البحرية، تعتبر محاولاتها للتواصل محجوبة بالأصوات التي أحدثها البشر”.
وتابع “إنها مشكلة مزمنة تضعف قطعا الحيوانات، سواء كانت هذه الحيوانات منفردة أو ضمن جماعات… إنها مشكلة متنامية وعالمية”، مضيفا أن بعض الأسماك واللافقاريات تتجنب الآن المناطق الأكثر ضجيجا، حيث يؤدي الصوت إلى زعزعة موطنها في البحر الأحمر بشكل فعال.
ويعد البحر الأحمر أحد ممرات الشحن الرئيسية في العالم، فهو مليء بالسفن الكبيرة التي تسافر إلى آسيا وأوروبا وأفريقيا. وفي غضون ذلك، انخفض العدد الإجمالي للحيوانات البحرية بنحو النصف منذ عام 1970.
وأشار دوارتي إلى أن في بعض أجزاء المحيط يسجل العلماء الآن “القليل من الحيوانات التي تغني وتطلق الأصوات، على عكس ما كان عليه الأمر في الماضي.. اختفت هذه الأصوات”.
وخلصت الدراسة إلى أن هناك حاجة إلى المزيد من الاهتمام من جانب العلماء وصناع القرار بهذه الأصوات وتأثيراتها، لاسيما تأثيرها على السلاحف البحرية وغيرها من الزواحف والطيور البحرية والفقمات والثدييات التي تتغذى على النباتات مثل عجول البحر.
ودعا فريق الباحثين إلى إنجاز عمل تنظيمي عالمي لقياس الضوضاء في المحيطات والتعامل معها.

وكشفت الدراسة أيضا أن الإنسان لم يزد الضوضاء في المحيطات فحسب بل وخفّض أصواتا طبيعية فيها. فصيد الحيتان في القرن العشرين على سبيل المثال أبعد الملايين من هذه الكائنات عن محيطات العالم، واختفى معها الكثير من أهازيج الحيتان. كما أن الصرير والزقزقة حول الشعاب المرجانية صارا يخفتان أكثر فأكثر بالتزامن مع موت المزيد من المرجانيات نتيجة ارتفاع حرارة المياه وتحمضها وتلوثها.
ووجد الباحثون أن تغير المناخ يؤثر أيضا على العمليات الفيزيائية التي تشكل أصوات المحيطات، مثل الرياح والأمواج وذوبان الجليد.
وقال جو رومان، عالم البيئة البحرية بجامعة فيرمونت، والذي لم يشارك في البحث، “تخيل أن تقوم بتربية أطفالك في مكان صاخب طوال الوقت، لذلك لا عجب أن تظهر العديد من الحيوانات البحرية بعيدا عن أعماق المحيطات ويمكن اكتشافها وهي مجهدة بسبب الضوضاء”.
ووفق نيل هامرشلاغ، عالم البيئة البحرية بجامعة ميامي، والذي لم يشارك في الدراسة، فإنه عندما يفكر الناس في التهديدات التي تواجه المحيط، غالبا ما يفكرون في تغير المناخ والبلاستيك والصيد الجائر، مضيفا أن “التلوث الضوضائي هو أمر أساسي آخر نحتاج إلى مراقبته.. إذا صنعت شيئا للمحيطات، فكر في كيفية جعله أكثر هدوءا”.
لكن جوانز أشار إلى أن التلوث الضوضائي قد يكون أسهل في المعالجة من تهديدات المحيط الأخرى، متابعا “من الناحية النظرية، يمكنك تقليل الصوت أو إيقاف تشغيله فورا، فهو ليس مثل البلاستيك أو تغير المناخ، حيث يصعب عكس تأثيرهما بنفس السرعة”.