أصغر مرشد سياحي في لبنان طفل فلسطيني

تعتبر مهنة الإرشاد السياحي كتاب تاريخ حي، كما أن المرشد السياحي أشبه بالدبلوماسي في بلاده، فالطفل الفلسطيني عبدالرحمن الفران الذي يعيش في لبنان شغوف بالتاريخ والفينيقيين القدامى ما جعله يعمل مرشدا في مدينة صيدا ويثير إعجاب السياح.
صيدا (لبنان) - يقوم عبدالرحمن الفران الذي يبلغ من العمر 11 عاما فقط بالعمل كمرشد سياحي للزوار القادمين من جميع أنحاء العالم، من خلال جولات سياحية ينظمها بمدينة صيدا اللبنانية، ليتيح لهم الفرصة لمشاهدة معالم تاريخية للمكان الذي ولد فيه.
وتتملك مشاعر الدهشة السياح، لما يلمسونه في الصبي الصغير من شغف وحماس، وهو يصف معالم الحضارة القديمة، لهذه المدينة الساحلية، التي تبعد بمسافة 30 كيلومترا فقط، عن بيروت من اتجاه الجنوب.
وتطل مدينة صيدا على البحر المتوسط، ويتردد أن الفينيقيين هم الذين أطلقوا هذا الاسم عليها، ربما في إشارة لنشاط الصيد السائد فيها، أو على أساس أن الاسم يعني “بلدة الصيد”.
والفينيقيون هم شعب قديم ينتمي إلى حوض البحر المتوسط، عاش على امتداد ما أصبح الآن سواحل سوريا ولبنان وشمالي فلسطين، وذلك خلال الفترة ما بين 1550 إلى 300 ما قبل الميلاد، على وجه التقريب.
ليصبح مرشدا شارك عبدالرحمن في جولات بقيادة مرشدين محترفين ساعدته في تعلم الكثير عن معالم المدينة
وكانت صيدا تعد أهم المدن الفينيقية، وربما كانت الأقدم على الإطلاق، وكان سكانها يتمتعون بمهارة حرفية عالية ولا يزالون.
ويقول عبدالرحمن بزهوّ وهو يخطو عبر الحي القديم، ومنطقة السوق الرئيسية لصيدا، “أنا أصغر مرشد سياحي هنا”.
ويقود الصبي الفلسطيني الصغير أفواج الزوار ليتفقدوا معالم المنطقة في عطلات نهاية الأسبوع، في جهد لمساعدة أسرته، ويسير وكله ثقة في نفسه عبر الأزقة الضيقة داخل سوق صيدا القديم.
واعتاد عبدالرحمن أن يبتدر كل من يقابله في الطريق بالتحية، وبذلك يظهر المرشد السياحي الصغير بشكل واضح لزبائنه، أنه يحظى بتقدير وإعجاب السكان المحليين بالمنطقة.
ويقول أحمد بديع ، وهو بائع في القطاع المخصص للنجارة بالمدينة، “يأتي السياح إلى هنا، ويطلبون أن يرافقهم هذا الصبي بالذات، لأنه نما إلى علمهم أنه يعرف جيدا كل صغيرة وكبيرة في المدينة، وأنه بإمكانه أن يشرح لهم بالتفصيل، الأحداث التاريخية التي شهدتها”.
بينما يقول عبدالرحمن إنه يؤدي هذه الوظيفة التي يحبها منذ أن كان في السابعة من عمره، ويتقاضى مبلغ نصف مليون جنيه لبناني فقط، أي ما يوازي خمسة دولارات، مقابل مرافقته الزوار في الجولة السياحية التي تستغرق 15 دقيقة.
وقالت أمه هدى إن ابنها “ يحب التاريخ واعتاد منذ طفولته المبكرة أن يطلب من أبيه أن يحكي له قصصا عن تاريخ صيدا”.
وأكدت أن ابنها يؤدي وظيفته بكل حب وشغف، وأضافت أنه في الوقت الذي لا يعمل فيه يتطلع دائما لأن يتعلم المزيد عن تاريخ المدينة.
ويتدخل عبدالرحمن ليقول “إنني أعرف قصة كل مكان تاريخي في صيدا”.
ويضيف إنه لكي يتقن المهارات اللازمة لأداء وظيفته تعين عليه أولا في البداية أن يصبح هو نفسه سائحا، حيث شارك في جولات سياحية بقيادة مرشدين محترفين، وبعد أن تعلم الكثير عن معالم المدينة، استقر في ذهنه أنه أصبح جاهزا، لأن يبدأ في تنظيم جولات سياحية بنفسه.
ويأتي الكثير من زبائنه من دول عربية أخرى، ويأتي البعض من دول أجنبية مثل ألمانيا، حسبما يقول “عبيد” وهو الاسم الذي يعرّف به نفسه للسياح.
ويضيف “إنني أحب التاريخ، وأشعر بسعادة دائما عندما أستطيع أن أتعلم شيئا جديدا، يتعلق بحضارتنا”.
والشيء الذي يفضل عبيد فعله هو أن يصحب الزوار إلى متحف خان ساسي.
وهذا المتحف الأثري يقع في البلدة القديمة من صيدا، ويعرض مجموعة من المقتنيات والقطع الأثرية ذات القيمة الرفيعة التي يرجع تاريخها إلى عدة قرون، والمتحف كائن داخل مبنى قديم مشيد من الأحجار، يقول عبيد إن تاريخ بنائه يرجع إلى فترة الصليبيين.
ويضيف “أريد أن يعرف الناس، كل شيء عن تاريخ صيدا، حيث أن الكثيرين لا يعلمون أي شيء عن تاريخ هذه المدينة الجميلة”.
ويحلم عبدالرحمن بأن يأتي اليوم الذي يصبح فيه مرشدا سياحيا محترفا، وأيضا معلما للتاريخ، حتى يعطي الطلاب دروسا في تاريخ المدينة التي يحبها.
وهناك أطفال فلسطينيون كثيرون مثل عبد الرحمن يعيشون في لبنان، تقيم أسرهم في واحدة من 12 مخيما للاجئين متناثرة في أنحاء لبنان، وأصبح من الصعب على آبائهم أن يحصلوا على دخل لمواجهة متطلبات الحياة، حيث يعاني لبنان حاليا من أسوأ أزمة مالية منذ قرون.
ويحاول الأطفال أن يستثمروا أيّ مهارة لديهم لمساعدة ذويهم على تلبية نفقات المعيشة .