أشكال السرد اللانهائية

الأحد 2016/06/19

لا يمكن تصنيف أعمال كوتزي في إطار أحد التيارات الثقافية لما بعد الحداثة فمقالاته النقدية ورواياته تكشف عن تعدد الاهتمامات وتداخلها، فهو معني باللسانيات والنحو التوليدي والأسلوبية والبنيوية والسيميوطيقا والتفكيك، وهو الحاصل على دكتوراه الفلسفة في اللسانيات من جامعة تكساس سنة 1969 بأطروحة عنوانها “التحليل الأسلوبي بالكومبيوتر لأعمال صموئيل بيكيت”، وقد ترجمت أعماله الروائية الأخيرة للعربية ومنها رواية “إليزابيث كوستيلو” ورواية “الرجل البطيء” ورواية “يوميات عام سيء” ويشتغل فيها على شكل سرد السرد “الميتافكشن” ويضمنها مقالات متنوعة..

هجر كوتزي جنوب أفريقيا ليعيش عزلته في أستراليا هو الانطوائي المستوحد الذي لم يحضر إلى لندن سنة 1984 لتسلم جائزة البوكر التي نالها عن روايته “حياة مايكل ك. وأوقاته” وتكرر الأمر حين حظي بجائزة البوكر ثانية سنة 1999 عن روايته “العار” ثم فاز بجائزة نوبل للآداب 2003 وجاء في إعلان فوزه “لأن رواياته تتسم بالمهارة في التركيب والتحليل، وأنه لا يعتمد الوصفة ذاتها في كتابين”. حصل كوتزي سنة 2006 على الجنسية الأسترالية وقال عن إقامته في أستراليا بعد تقاعده سنة 2002 “شدتني الروح الطليقة العظيمة للناس وجمال الارض وعندما رأيت مدينة أديلايد لأول مرة سحرتني بنعمة مدنيتها التي أتشرف بأن أدعوها وطني”.

وكوتزي كاتب منضبط لا يشرب ولا يدخن ولا يقرب اللحوم ويركب الدراجة يوميا حفاظا على لياقته ويقضي ساعة في الأقل على طاولة الكتابة صباح كل يوم ويقدس النظام ويكرس حياته للكتابة وحدها.

لم يبدأ كوتزي الكتابة إلا في سنة 1969 وهو في التاسعة والعشرين حيث نشر أولى قصصه القصيرة، وخلال وجوده في أميركا كانت حرب فيتنام في أوج اشتعالها فاستلهم منها أحداث روايته “أرض الفجر” سنة 1974 ووصف فيها ما كان يراه من نذر الإمبريالية الكامنة تحت حرب فيتنام، ويقارنها مع أوضاع بلاده السياسية والاجتماعية.

وعلى إثرها رفضت السلطات الأميركية منحه الإقامة -مع أنه كان يقوم بتدريس الأدب الإنكليزي في جامعة نيويورك- لمساهمته في الأنشطة المعارضة لحرب فيتنام فعاد إلى وطنه وعمل أستاذا في جامعة كيب تاون حتى تقاعده.. ويستعرض كوتزي في معظم أعماله طبيعة الأنظمة المستبدة ومن خلال تقصيه الضعف والهزيمة، استطاع أن يقبض على الشرارة الإلهية في الإنسان.

ويفاجئنا كوتزي في إحدى رواياته الأخيرة “يوميات عام سيء” بتقديم شكل سردي جديد يتحدى به أبنية السرد المألوفة إذ يقسم صفحاتها إلى قسمين يفصل بينهما خط أفقي ويقسم الصفحات التالية إلى ثلاثة أقسام حتى الصفحة 351. وبعدها يترك القسمين العلويين فارغين حتى النهاية..

يسرد في القسم الأعلى موضوعات فكرية في شكل مقالات تبلغ إحدى وثلاثين مقالة يكتبها المؤلف-الراوي وعنوان الفصل “آراء تنضح بالقوة” وتتضمن موضوعات لا رابط بينها، منها نشوء الدولة وأنفلونزا الخنازير والانتخابات والماء والنار ودستويفسكي، ومقالة عن الحلم والقبلة وأخرى عن الروايات الكلاسيكية وغيرها. ويتضمن الفصل الثاني من الكتاب مقالات “اليوميات”.

يسرد الراوي في القسم الثاني من الصفحة خواطر ذاتية تبدو استكمالا لأفكاره في المقالات ويعلن شغفه بالمرأة الشابة وهو الرجل العجوز المستوحد.

وفي القسم الثالث من الصفحة يروي المؤلف ذاته تفاصيل علاقته بالبطلة “آنيا” من وجهتي نظر الراوي وآنيا نفسها، وتماثل شخصية الراوي شخصية كوتزي فهو مولود في جنوب أفريقيا ويعيش في أستراليا وله رواية عنوانها “في انتظار البرابرة” وتبدو كرواية تخييل وسيرة حتى ليصعب الفصل بينهما.

كاتبة من العراق

15