أسواق في حلب القديمة تلبس حلة جديدة

تستعيد حلب القديمة حيويتها التي اعتادت عليها منذ القدم بعد أن استعادت بعض الأسواق حلتها إثر عملية ترميم هلل لها التجار وسكان المدينة الذين يقصدونها للتبضع والترفيه في أزقتها التي تفوح بعبق التاريخ.
حلب (سوريا) - أعادت أربعة أسواق في حلب القديمة في شمال سوريا فتح أبوابها بعد إنهاء أعمال ترميمها من أضرار لحقت بها خلال معارك عصفت بالمدينة، منذ اندلاع النزاع قبل أكثر من 13 عاما. وأعيد مساء الأربعاء، افتتاح أربعة أسواق في المدينة القديمة التي كانت تستقطب آلاف التجار والسياح، بحضور مسؤولين وفعاليات محلية وممثلين عن منظمات غير حكومية.
وانضمت الأسواق الأربعة التي أعيد ترميمها بالشراكة بين مؤسسة مدعومة من السلطات ومنظمات غير حكومية، إلى ثلاثة أسواق أخرى تم افتتاحها سابقاً من إجمالي 37 سوقاً تحيط بقلعة حلب الأثرية.
في سوق السقطية 2، أعاد عمر الرواس (45 عاماً) افتتاح ورشته ذات الجدران المبنية من الحجر والتي ورثها هي ومهنة رتي السجاد عن والده. ويقول بينما تحيط به سجادات معلقة على الجدران "عندما دخلت إلى المحل وبدأت دق المسامير لتعليق السجاد والبسط.. ووضعت الطاولة والإبرة، شعرت وكأنني عدت 35 عاما إلى الوراء، وكأن المكان استعاد روحه".
وبعدما خسر زبائنه ومحله خلال سنوات الحرب، يقول الرواس إن الوضع بدأ يتحسن تباعا منذ توقف المعارك. ويشرح "اليوم، يأتي المغتربون ويفتحون منازلهم، ليجدوا أنّ العثّ قد ضرب سجاداتهم، فيقدمون على إصلاحها، خصوصا أن بعضها قد يكون ذكرى وبعضها له قيمته".
ولطالما اشتهرت حلب التي شكّلت العاصمة الاقتصادية لسوريا، بأسواقها التجارية القديمة التي تمتد على طول نحو مئة متر في المدينة القديمة، المدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) للتراث المهدد بالخطر جراء الأضرار والدمار والنيران التي لحقت بها.
واحترقت الأسواق في سبتمبر 2012، أثناء معارك ضارية شهدتها المدينة. وتقدر منظمة يونيسكو أن نحو 60 في المئة من المدينة القديمة تضرر بشدة، بينما تدمر ما نسبته 30 في المئة منها يشكل كامل.
◙ افتتاح الأسواق الأربعة في المدينة القديمة التي كانت تستقطب آلاف التجار والسياح تم بحضور مسؤولين وفعاليات محلية وممثلين عن منظمات غير حكومية
ولا يزال دمار هائل يلف المدينة القديمة وأسواقها. وفاقم الزلزال المدمر الذي ضرب العام الماضي سوريا وتركيا المجاورة الوضع سوءاً في حلب. داخل الأسواق، تستمر أعمال الترميم ببطء، في وقت تحد الأزمة الاقتصادية التي تعصف بسوريا، بعد 13 عاما من الحرب، من قدرة السلطات على إطلاق مرحلة إعادة الإعمار.
ويقول عبدالله شوا (49 عاما) الذي يبيع أنواعا عدة من الصابون، فخر الصناعة في المدينة، "تركنا المصلحة وتعذبنا كثيرا خلال أيام الحرب، لكن الحمد لله استعدنا الروح". ويضيف "سنعيد إعمار المدينة بأيدينا.. وستعود أفضل مما كانت".
وعاد التاجر السوري محمود خوجة إلى متجره هناك بعد ترميم سوق الحدادين وقال: “جئت فور أول يوم تحررت فيه حلب وكلي أمل أن أجد محلي موجود، للأسف طلع كان كله دمار كامل، 90 بالمئة من السوق كلها مدمرة ولا يوجد حجر على حجر". وأردف خوجة قائلا "اشتغلت أولا في أعمال كثيرة لأنني خرجت من محلي دون أي شيء ثم أخذت محلا بالجميلية وكان فاتحة خير لكنني أريد الآن أن أعود إلى محلي بالحدادين".
وقال خوجة وهو يتحدث عن الأحوال المؤلمة لعمله السابق إنه اضطر إلى تغيير مهنته. فبعد أن كان تاجر مكسرات ناجحا، أصبح الآن عاملا في متجر للحقائب لأن الطلب على منتجاته انخفض بشكل حاد.
وتحدث تجار آخرون في المنطقة أيضا عن هذا التحول في سلوك المستهلكين واضطرارهم إلى التكيف أو التخلي عن تجارتهم الأصلية بسبب الصعوبات الاقتصادية. وقال التاجر محمد حسام عابو "بسبب الحرب تركنا أموالنا في الخزينة لكنها خُربت وسرقت ثم احترق كل المحل ما أثر علينا كثيرا وطالت أزمتنا حتى فترة إعادة الإعمار".
وقال أحمد كبة، أحد المسؤولين في الأمانة السورية للتنمية، إنه تمت إعادة تفعيل 83.1 في المئة من إجمالي 144 محل وهي نسبة جيدة جدا، ونحن بصدد ترميم سوقين هما سوق المحمص الشمالي بالإضافة إلى سوق الخيش، وسنعمل في المرحلة المستقبلية القريبة على ترميم سوق الزرب وسوق العبي".
وقال أحمد غريب، وهو مستشار في شركة رحا المسؤولة عن ترميم أسواق حلب “أي ترميم يقع بالأسواق وأي مبنى أثري سيكون مقاوما للزلازل لأن حلب كما نعرف هي على الشق الزلزالي وكل 200 سنة يكون هناك زلزال مرعب، والزلزال الأخير 2023 كان له تأثير سلبي للأسف على الأسواق وقلعة حلب وعدد من المواقع الأثرية داخل المدينة القديمة". ومع إعادة فتح السوق أبوابها، توافد السكان عليها ليتذكروا أيام ما قبل الحرب التي عطَلت حياتهم.