أسطول العتمة.. سلاح ذو حدين لصادرات النفط الإيراني

التجارة السرية ساهمت في تعزيز موازنة إيران لكن التكلفة والمخاطر هائلتان.
الأربعاء 2024/01/10
التفاف مكلف على العقوبات

ينظر إلى "أسطول العتمة" الذي تعتمد عليه إيران لبيع نفطها والالتفاف على العقوبات الأميركية على صادرتها النفطية على أنه الشريان الحيوي للاقتصاد، إلا أن ذلك يعتبر سلاحا ذا حدين.

واشنطن - يرسو “أسطول مظلم” من ناقلات النفط قبالة شواطئ سنغافورة على بعد أكثر من 6 آلاف كيلومتر من طهران. وينتظر تفريغ الشحنة الثمينة التي تدعم الاقتصاد الإيراني، وهي تبعية قد تغرقه أيضا. وقد توسع هذا الأسطول تدريجيا على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث وصل النفط الإيراني إلى الصين، بينما تبذل بعض الأطراف جهودا لتجاوز العقوبات الدولية المفروضة على صادرات النفط المربحة لطهران.

وجاء في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي أن التجارة السرية ساهمت في تعزيز موازنة إيران، ولكن تكلفتها ومخاطرها تبقى هائلة. وتمتّع إيران الصين بخصم كبير على نفطها المحظور، ويتراوح من 12 إلى 15 في المئة من سعر كل برميل بهدف جذب بكين وتشجيعها على تحمل مسؤولية تفادي العقوبات.

وتتنوع التكاليف الإضافية حسب تقديرات دالغا خاتين أوغلو، الخبير في قضايا الطاقة الإيرانية. وأشار خاتين أوغلو إلى أن هذه التكاليف تشمل عمليات تحميل النفط من سفينة إلى أخرى، وتكلفة الوسطاء، والتحويلات المالية الخفية، وتغيير اسم النفط لإخفاء أصله الإيراني ومصدره باعتباره قادما من بلد ثالث.

وأكد خاتين أوغلو، الذي يشارك في وحدة تحليل البيانات في إذاعة فاردا، أن الأرقام المتعلقة بالموازنة الإيرانية والبيانات الرسمية تشير إلى فقدان 30 في المئة من إيرادات النفط المتوقعة للبلاد خلال العام الماضي.

ومع مناقشة البرلمان الإيراني مشروع موازنة السنة المالية المقبلة، لا توجد ضمانات تدل على أن رهان طهران على إرواء تعطش الصين للنفط سيظل حلا سحريا. ومع اعتماد إيران شبه الكامل على بكين في بيع نفطها وعلى كيانات أخرى لتسهيل التجارة، تمكنت البلاد من ضخ الإيرادات التي تحتاجها بشدة لدعم اقتصادها. لكنها عرّضت نفسها لخطر وقف تدفق إيراداتها الرئيسية.

وقال سبنسر فوكسيتش، وهو مدير شركة الاستشارات كاستيلوم التي تتابع أنظمة العقوبات الدولية، إن طهران بلغت مستوى "أصبحت فيه أكثر اعتمادا على أمثال الصين أو أولئك الذين سيكونون على استعداد للتعامل معها رغم العقوبات الغربية". وأضاف أن إيران وضعت نفسها بالتأكيد في موقف حساس بالاضطرار إلى الاعتماد على شريك خارجي واحد.

أسطول مظلم من ناقلات النفط الإيرانية يدعم الموازنة المالية والاقتصاد الإيراني، لكن بقاء التبعية قد تغرقه أيضا
◙ أسطول مظلم من ناقلات النفط الإيرانية يدعم الموازنة المالية والاقتصاد الإيراني، لكن بقاء التبعية قد تغرقه أيضا

أعلنت إيران في ديسمبر أن عائدات النفط ساهمت في تحقيق ميزان تجاري إيجابي خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الماضية. لكن قطاع النفط والغاز، الذي يعتبر الجزء الأكبر من الاقتصاد الإيراني، لن يكون كافيا لتمكين الموازنة الحالية البالغة نحو 45 مليار دولار التي تمت الموافقة عليها العام الماضي.

ومن المتوقع أن تسفر السنة المالية الإيرانية، التي تتبع التقويم الفارسي وتنتهي في مارس، عن عجز كبير. وقد أقر الرئيس إبراهيم رئيسي بوجود عجز بقيمة 10 مليارات دولار عند تقديم مشروع الموازنة إلى البرلمان في ديسمبر. لكن إذاعة فاردا ترى أن العجز قد يكون أعلى بكثير وقد يصل إلى 13.5 مليار دولار بحلول نهاية السنة المالية، وهو ما سيكون الأضخم في تاريخ إيران.

وتبرز البيانات تحقق نصف عائدات النفط المتوقعة، ويرجع ذلك جزئيا إلى انخفاض أسعار النفط عن المتوقع والتكاليف الإضافية والخصومات في تجارة النفط بين طهران والصين. وبينما استندت توقعات الموازنة إلى بيع النفط بسعر 85 دولارا للبرميل، انخفض سعر النفط الخام إلى ما دون 75 دولارا للبرميل في ديسمبر وتذبذب خلال الآونة الأخيرة في خضم مخاوف من أن تعطل التوترات في الشرق الأوسط الشحن والإنتاج.

وتوقعت إيران تصدير 1.5 مليون برميل من النفط يوميا، لكن العدد لم يتجاوز 1.2 مليون برميل يوميا في الأشهر الثمانية الأولى من العام، حسب إذاعة فاردا التي تقدر أن إيران خسرت حوالي 15 مليون دولار يوميا من الإيرادات المحتملة من خلال تجارتها مع الصين، وهو ما يتجاوز 40 في المئة من الموازنة التي حددتها طهران.

وأما على مستوى الموازنة القادمة البالغة حوالي 49 مليار دولار، فقد انخفضت توقعات عائدات النفط المحلية والأجنبية بنسبة 3 في المئة، وفقا لخاتين أوغلو، حتى مع ارتفاع الموازنة المتوقعة نفسها بنحو 18 في المئة.

وبالنظر إلى تقلبات أسعار النفط العالمية، التي كانت أقل بكثير من المتوسط المقدر للعام الحالي، سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 71.65 دولارا للبرميل. وتتحسب طهران لانخفاض أحجام صادرات النفط التي بلغت لفترة وجيزة 1.5 مليون برميل يوميا، وهي أعلى مستويات سُجّلت منذ 2018. ولا تتجاوز التوقعات 1.35 مليون برميل يوميا.

ومن المتوقع أن تسد إيران الفجوة التي خلفها انخفاض عائدات النفط من خلال زيادة الضرائب على الأفراد الأثرياء والشركات. ويرى خاتين أوغلو أن طهران ستحاول زيادة الإيرادات من خلال رفع أسعار الطاقة المحلية. ويتضاعف الغموض المالي مع احتمال ضعف الطلب الصيني على النفط الإيراني والمنافسة من روسيا التي ترسل الطاقة الخاضعة للعقوبات إلى بكين مثل طهران.

وتتطور العقوبات الدولية باستمرار لمعاقبة الدول والكيانات التي تعزز تجارة النفط الإيرانية غير المشروعة، وهو ما يهدد هذا الأسطول المظلم الذي يدعم ما يسمى باقتصاد المقاومة في طهران، لكن طبيعة تقلبات أسعار النفط والطلب عليه قد تخدم مصالح إيران. وحين تقرر إعفاء النفط الفنزويلي من العقوبات، بقيت روسيا المنافسة الوحيدة لمبيعات النفط السرية إلى الصين. وتعتبر قدرة إيران على تصدير النفط أكبر من أي وقت مضى، مما يسمح لها ببيع مواردها بسهولة أكبر إلى بكين حين يكون الطلب مرتفعا.

ويرجع ذلك في الغالب إلى التوسع الكبير في “الأسطول المظلم” العالمي من النفط منذ عودة العقوبات الأميركية التي تستهدف صادرات النفط الإيرانية بعد انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني خلال 2018 بعد أن كان يجمع ست قوى عالمية. وعرض الاتفاق المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة تخفيف العقوبات مقابل فرض قيود على برنامج طهران النووي المثير للجدل. ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في يناير 2016 ومكّن إيران من زيادة صادراتها القانونية من النفط بأكثر من الضعف في غضون بضعة أشهر لتصل في النهاية إلى 1.54 مليون برميل يوميا في 2018.

◙ العقوبات الدولية تتطور باستمرار لمعاقبة الدول والكيانات التي تعزز تجارة النفط الإيرانية غير المشروعة، وهو ما يهدد هذا الأسطول المظلم الذي يدعم ما يسمى باقتصاد المقاومة في طهران

ولكن انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة وإعادة فرض العقوبات خلال نفس السنة سبّبا انخفاض صادرات النفط الإيرانية التي تباطأت في 2019 مع انتهاء مهلة استثناءات الاستيراد الممنوحة لبعض الدول كالصين. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن إيران لم تكن مستعدة لتصدير نفطها ولم تحشد عملاء مباشرين كانوا على استعداد لتحدي العقوبات. لكن ذلك تغير مع جهودها التي شملت زيارة عدد ناقلات الأسطول المظلم بمقدار خمسة أضعاف، ومع استعداد الصين للمخاطرة بالتعامل مع طهران رغم أن بكين لم تعترف بالواردات غير المسجلة من النفط الإيراني.

وارتفع الأسطول المظلم المكون في جلّه من السفن القديمة (ونصفه من ناقلات النفط الخام العملاقة) إلى ما يصل إلى ألف سفينة، وفقا لفورتكسا المتخصصة في تتبع ناقلات النفط الدولية. وتشارك العديد من السفن الصغيرة في صادرات النفط الروسية، وتمثل حوالي 80 في المئة من جميع أنشطة الناقلات غير الشفافة. لكن فورتكسا أكّدت أن إيران تمكنت منذ مطلع 2023 من الوصول إلى ما يقرب من 200 ناقلة، وكانت العديد منها عملاقة.

وانضمت أكثر من 20 سفينة إلى الأسطول الإيراني في 2023، وذكرت فورتكسا في يونيو أن 13 منها كانت من ناقلات النفط العملاقة. وساهم هذا التوسع في ارتفاع قياسي لصادرات النفط الإيرانية في ظل العقوبات. وربطت فورتكسا الارتفاع بزيادة الطلب الصيني، وإضافة ناقلات جديدة لنقل النفط الإيراني بعد أن تحول الكثيرون إلى شحن النفط الروسي، وانخفاض المخزونات الإيرانية المخصصة لتشجيع الصادرات وسط منافسة متزايدة مع موسكو على السوق الصينية.

وتباطأ الطلب الصيني على النفط الإيراني في أكتوبر، لكن فورتكسا أشارت في تقرير لاحق إلى أن رفع واشنطن للعقوبات النفطية عن فنزويلا فتح إمكانية ارتفاع الطلب على النفط الإيراني. تعدّ كيفية جعل سلبيات التعامل مع إيران أكبر من الفوائد المالية التحدي الذي يواجه أولئك الذين يحاولون وقف التجارة غير المشروعة في النفط الإيراني كوسيلة لمحاسبة طهران على أنشطتها النووية السرية وسجلها في مجال حقوق الإنسان.

ووضع ذلك تجارة النفط غير المشروعة (الإيرانية والروسية) المنقولة بحرا تحت تدقيق أكبر من المجتمع الدولي. وأكّد فوكسيتش وجود تنقيح مستمر لبرامج العقوبات لتشمل المتورطين في التهرب كالأساطيل المظلمة. وذكر أن عدد العقوبات المستهدفة ضد الأفراد والكيانات الإيرانية ارتفع بأكثر من ألف خلال العام الماضي.

7