أسرار المهمشين تبدأ بهوياتهم ذات الرقم 2000

صدرت مؤخرا عن دار الفراشة الكويتية رواية “الهوية 2000” للروائية الأردنية ريما إبراهيم حمود (مواليد الكويت 1978)، وتأتي رواية “الهوية 2000” بعد مجموعتين قصصيتين هما “جريمة العطر” و”بالونات”، ورواية “أيام جميلة” سبق أن قدّمتها ريما حمود للقارئ العربي، وبدأت مؤخرا بروايتها الثالثة، بالإضافة لمجموعة قصصية جاهزة للطباعة.
تكشف الرواية القناع عن شريحة اجتماعية في غاية التعقيد والخطورة، وذلك من خلال تناولها للأطفال اللقطاء في دور رعاية الأيتام، حيث يولدون بلا هوية، وبلا مرجعية عشائرية، أو قبلية، وبلا إرث ثقافي يحميهم من سطوة المجتمع المحافظ الذي يطلق عليهم تعاليا “أولاد الحرام”.
تقف رواية “الهوية 2000” للروائية الأردنية ريما إبراهيم حمود بشجاعة على حيوات الأطفال اللّقطاء عبر أبطالها المشردين وذاكرتهم المرتبكة وهم يكبرون في مجتمع طارد لهم ولتاريخهم. وهنا تتجلى قدرة الروائية في صياغة الأسئلة المتعلّقة بمفهوم الوجود والعدم والهوية والذات والحرية والحياة متخذة من الآخرين المنبوذين منصة لفهم ذاتنا العربية الكبيرة. “العرب” توقفت معها في حوار حول الرواية وحول بعض القضايا الثقافية الأخرى.
ولأن حمود لم تشر في روايتها إلى الأردن فالرواية صالحة أن تكون فضاءاتها السردية في جميع المجتمعات العربية من الخليج إلى المحيط. حيث تتآمر عليهم الحياة وتسحبهم مقيدين إلى فخاخها التي لم يختاروها، بل اختيرت لهم في لحظة قرار شهواني جسدي رمى بهم إلى الشارع درءا للفضيحة.
الفئة المظلومة
عن رواية “الهوية 2000” تقول ضيفتنا “صادفني أثناء تصفحي لليوتيوب مقطع من برنامج أردني يتحدث عن مجهولي النسب ويكشف عن معاناتهم، ويترك لبعضهم حرية حكاية ما يمرون به من صدامات مع المجتمع، تأثرت كثيرا بما شاهدت، تابعت البحث أكثر عن كل ما يتعلق بهم، تواصلت أيضا مع سفير الأيتام (علاء الطيبي) الذي ظهر في أغلب الحوارات في أكثر من برنامج، وسألته عن الكثير مما يمرون به، أحسست أننا مقصرون جميعا، والعار يلحق بنا جميعا لأننا جزء من منظومة مجتمع طبقي ظالم، وهذا لا يقتصر على الأردن، بل يشمل أغلب الدول العربية”.
وعن سبب اختيارها لهذه المنطقة السردية الملغومة، وإن كانت هذه الرواية ستشكّل فارقا تعلّق الكاتبة الأردنية بالقول: “لا أجد منطقا في كتابة رواية لا تحكي عن زاوية مخفية في مجتمعاتنا، تثير شهيتي للكتابة تلك المواضيع المهملة، التي فاجأتني أنا أولا، وأظن أنها ستفاجئ الجميع بأنها موجودة، الرواية استندت إلى الكثير من الواقع المرير، والشهادات المؤلمة لبعضهم. وهكذا ولدت الهوية 2000، لأنني أردت من حكايتي عنهم أن توصل بعض معاناتهم إلى القراء، أن يشعر الجميع بالذنب لإصرارهم على فكرة ‘أولاد الحرام’، والتي باعتقادي تصف أخلاقا متدنية لا أصلا مجهولا، لعل بعضنا يبادر إلى فعل تغيير حقيقي لما يجري لهم”.
أوجدت نهاية الرواية مفارقات متداخلة تتكئ على أمرين؛ الأول مرتبط بالتعاطف الروائي بين القارئ وشخصية بطلها آدم الذي لا يمتلك اختياره في كونه موجودا فضلا عن كونه لقيطا، بلا أب أو أم، والثاني كان مرتبطا بتحوّل الشخصية إلى مجند في الحرب السورية، ربما ينتهي به المطاف ضمن إحدى الفصائل الإسلامية المتشددة مثل داعش أو النصرة، وربما على أحسن تقدير للجيش الحر، أو لجهة أخرى. وكأن قدر هؤلاء أن يكونوا -لسبب خارج عن إرادتهم- وقودا للحرب والفوضى.
وعن هذا الشأن تقول حمود “في إحصائيات كثيرة 50 بالمئة من خريجي دور الرعاية يدخلون السجون نتيجة جرائم تافهة تباعا، جرائم قد لا يصدق البعض أنها ترتكب، سرقة رغيف خبز، النوم في الشارع. إهمال هذه الفئة وتركها مكشوفة لسيف المجتمع واستغلال بعض قبيحي النفوس، سيدفع هؤلاء الشباب والفتيات إلى التحول سريعا إلى الإجرام نتيجة العوز والنظرة الدونية التي يلقونها في كل مكان، خاصة أنهم يستلمون بطاقات هوية تبدأ بالرقم 2000 تميزهم عن بقية المجتمع، وقد يدفعهم كل هذا إلى الانضمام إلى أي فصيل إرهابي برأيي، المجتمع الظالم الطبقي هو من يصنع المجرمين، الحكومات التي تهمل فئة متعمدة يجب أن تتحمل نتائج إهمالها، وبرأيي ليس مستبعدا أن الفقر والجهل قد يؤدي بهم إلى هذا الطريق”.
الربيع والجدد
ترى ريما حمود أن الربيع العربي استطاع أن يمنح الأجيال الجديدة صوتا فارقا، وأن يخرجهم من تحت يد الكهول الذين تعودوا الركود والطاعة. وتؤكد على أن النساء شاركن بدور كبير وجليّ في ثورات الربيع العربي، الأمر الذي جعل العقل العربي -حسب تعبيرها- أكثر انفتاحا تجاه المرأة.وفي الشأن نفسه تشير ضيفتنا إلى أن الربيع العربي قد يكون أخرج البعض من حيز القبيلة إلى نظرة شمولية إلى الوطن والمجتمع، وترى أنه دفع بآخرين إلى التقوقع أكثر داخل طوائفهم وتصنيفهم الذي طفا على السطح أكثر، وتوعز ريما حمود ذلك إلى أنه قد يكون خوفا من فقدان “السلطة”، وانصياعا لاتجاهات خارجية.
تقول “عبر سنوات الربيع العربي عرفنا الكثير عن أحزاب وطوائف لم نسمع عنها من قبل، ورأينا أيضا البعض يخرجون من سلطة القبلية والطائفة ويتحدون مع شعبهم ويعلنون تمردهم على الحاكم”.
وتضيف “الربيع العربي حلم حقيقي لكل الشباب، حاولوا فيه أن يغيروا من واقعهم ويتمردوا على النمطية والظلم والرضا الهزيل بأقل الممكن، للأسف زادت الحكومات من قمعها للشباب، وحاولت أن تضيق عليهم (وأظنها تفشل)، فما عاد الشباب يخافون التصريح بآرائهم ضد أي حكومة ما دامت مواقع التواصل تفتح لهم الباب للتعبير عن أنفسهم، يختار الشباب الآن هوياتهم بما ينساب توجهاتهم، ولا يخضعون لسلطة الأب أو القبيلة أو الدولة”.
ومن خلال استقرارها في الكويت منذ 2005، والتي كانت قد ولدت فيها ثم غادرتها سنة 1992، بعد التحرير، ثم عادت استقرت بها لتكون معلمة للغة العربية ضمن وزارة التربية الكويتية، لأجل ذلك توقفنا مع ريما حمود حول قراءتها للمشهد الروائي الكويتي المعاصر. لتجيب “المشهد الروائي الكويتي غنيّ بروائيين شباب، يدعمهم الروائيون الكبار، ويشرفون على إصدارتهم، هناك أسماء تميزت عربيا، وما زالت، وأسماء أظن أنها ظلمت حتى الآن، وفي كل سنة نتفاجأ بالجديد من الكتاب والروايات، وأظن أن المشهد الروائي الكويتي احتل مكانة تليق به بين الدول العربية، واستطاع فرض أسماء كثيرة يقبل القراء العرب عليها”.