أزمة نقص الأطباء تؤرق العالم

عشرة ملايين شغور في مجال الصحة والرعاية بحلول عام 2030.
الاثنين 2023/04/17
الأزمة موجودة منذ نحو عشرين عاما

أدت أزمة نقص الأطباء إلى حرمان الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، بينها السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض الجهاز التنفسي أو مرض السكري، من الرعاية الصحية التي كان ينبغي أن يحصلوا عليها أثناء فترة وباء كورونا، مما أدى إلى ارتفاع أعداد الوفيات.

جنيف - حذر مدير إدارة تعزيز الصحة في منظمة الصحة العالمية روديجر كريتش، من مخاطر أزمة نقص الأطباء المستمرة منذ نحو 20 عاما في ظل عالم يعاني من اضطرابات متلاحقة، تعيد إلى الأذهان ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية.

جاء ذلك في مقابلة مع الأناضول، بينما توقعت هيئة الصحة العالمية مؤخرا أن يكون هناك نقص في 10 ملايين عامل في مجال الصحة والرعاية بحلول عام 2030، استنادا إلى الاتجاهات الحالية، ولاسيما مع “النقص الحاد” للعاملين في هذا المجل في البلدان الأكثر فقرا.

وأكد كريتش أن الخبراء “يعرفون ما عليهم فعله للحد من هذا النقص”، إلا أن جهود معالجة هذه الأزمة تتطلب دعما من الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية.

الخبراء يعرفون ما عليهم فعله، إلا أن جهود معالجة الأزمة تتطلب دعما من الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية

وقال “منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس الخطر منذ سنوات، لأننا نواجه نقصا خطيرا في عدد العاملين في مجال الصحة والرعاية”.

ولفت كريتش إلى أنه “يمكن التغلب على هذه المشكلة بالحصول على الدعم اللازم من الدول الأعضاء (عددها 194 وجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باستثناء ليختنشتاين وجزر كوك ونيوي).

وأشار إلى أن لدى منظمة الصحة العالمية “خطط عمل جاهزة على المستويين الإقليمي والعالمي حول كيفية معالجة النقص في العاملين في مجال الرعاية الصحية”.

بيد أنه اعترف بأن “على الرغم من كل هذه الجهود، فإن البلدان لا تتخذ الخطوات اللازمة لتخفيف هذا النقص بشكل كاف”.

وأضاف “يمكننا القيام بالكثير لتنظيم ظروف العاملين في مجال الرعاية الصحية، وتوفير الرواتب من أجل صحة الناس”.

وعلى هذا النحو قال كريتش إن العالم يشهد اليوم “حالة اضطراب” مثلما كان الحال عندما تأسست منظمة الصحة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية.

وأوضح للأناضول أن العالم لا يواجه جائحة فايروس كورونا فحسب، بل يواجه في الوقت نفسه أزمة مناخية ضخمة، وأزمة اجتماعية وحربا في المنطقة.

وأردف أن “منظمة الصحة العالمية وغالبية البلدان بحاجة إلى النظر في كيفية مساعدة الناس على التعامل بشكل أفضل مع حالة انعدام الأمن التي تسببها كل هذه الأزمات”.

ومن بين الأزمات التي ضربت العالم قبل جائحة كورونا، هناك أزمة إنفلونزا الطيور “إيتش 5 أن 1” وإنفلونزا الخنازير “إيتش 1 أن 1″، إضافة إلى معاناة بعض المناطق خلال تلك الألفية الثالثة، مع فايروس “زيكا” الذي ينقله البعوض، وأيضا فايروس إيبولا.

واستدرك كريتش “لقد تلقينا الكثير من الانتقادات في منظمة الصحة العالمية بعد أزمة إيبولا في عام 2015، وكان الكثير من هذا النقد مبررا تماما”.

واعتبر المسؤول بالصحة العالمية أن تعامل المنظمة مع أزمة إيبولا “خدم سيناريوهات الاستجابة لجائحة كورونا”.

نقص العمالة في مجال الرعاية الصحية يؤرق منظمة الصحة العالمية
نقص العمالة في مجال الرعاية الصحية يؤرق منظمة الصحة العالمية

غير أنه في المقابل، أشار إلى أنه كان بالإمكان “تجنب العديد من الوفيات الناتجة عن فايروس كورونا”.

ورأى كريتش أنه كان بإمكان “تقصير وقت أزمة كورونا وتفادي وقوع العديد من الوفيات”، إلا أنه حمل بعض الدول (لم يذكرها) مسؤولية استمرار الجائحة لنحو عامين وسقوط الملايين من الوفيات.

وتابع “نظرا لأن الكثير من الدول الأعضاء قامت بتسييس الوباء، فقد تسببنا في وفيات أكثر بكثير مما هو ضروري”.

وتحدث عن تحول “تضامن” بعض الدول إلى “صدقة” عندما تعلق الأمر بالاستجابة لتداعيات الجائحة.

وقال “على الرغم من أن الدول أبدت تضامنا مطلقا في البحث والتطوير في مجال اللقاحات، فقد تحول التضامن إلى صدقة عندما تعلق الأمر بتوزيع جرعات اللقاح”.

وأضاف أن “بمجرد توفر اللقاحات اشترتها الدول الغنية بأعداد كبيرة لمواطنيها، ثم حصلت عليها الدول الفقيرة في وقت لاحق”.

منظمة الصحة العالمية وغالبية البلدان بحاجة إلى النظر في كيفية مساعدة الناس على التعامل بشكل أفضل مع حالة انعدام الأمن التي تسببها كل هذه الأزمات

وأوضح أن الدرس الثاني الكبير للأنظمة الصحية في جميع أنحاء العالم هو أن “الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، بينها السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض الجهاز التنفسي أو مرض السكري لم يتلقوا الرعاية الصحية التي كان ينبغي أن يحصلوا عليها أثناء فترة وباء كورونا، مما أدى إلى ارتفاع أعداد الوفيات”.

ونوه كريتش بأن العالم “لا يحتاج فقط إلى أنظمة صحية مرنة، لكن يحتاج أيضا إلى مجتمعات أكثر قدرة على التعامل مع الضغط الواقع على النظام في المواقف الصعبة”.

وتم الإبلاغ عن أكثر من 762 مليون حالة إصابة بفايروس كورونا، وأكثر من 6.89 مليون حالة وفاة في 192 دولة ومنطقة على الأقل منذ ديسمبر 2019، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

وتعرف أوروبا أزمة نقص الأطباء خاصة في المناطق الريفية، التي تعجز بعض مراكزها الطبية عن تعيين أطباء جدد بدلا من أولئك الذين تقاعدوا. وتشهد دول أوروبية عديدة نقصا حادا في العاملين بالقطاع الطبي.

ويعيش 30 في المئة من سكان فرنسا في مناطق تفتقر إلى الخدمات الطبية. وقال عالم الجغرافيا الصحية والباحث غيوم تشيفيلارد إن هذا الأمر جعل ما يقرب من 7 ملايين شخص في البلاد لا يملكون طبيبا عاما.

ويفوق عدد الأطباء العامّين المتقاعدين في فرنسا عدد الأطباء الجدد الذين يقومون بالإعداد لممارسة المهنة، حيث انخفض عدد الأطباء العامين بالفعل 5.6 في المئة بين عامي 2012 و2021، الأمر الذي يمثل تحديا ستواجهه الدولة في العقد القادم.

وعلى الرغم من أن الحكومة ألغت مؤخرا سقف العدد الذي كان محددا لقبول الطلبة في الكليات الطبية، إلا أن هذا الحل لن يعيد بناء القوى العاملة بالسرعة الكافية.

كانت كليات وجامعات الطب في فرنسا تقبل كل عام حوالي 8600 مقعد حتى عام 1972، لكن انخفض العدد بعد عشرين عاما إلى أدنى مستوى له عند 3500 في عام 1993، قبل أن يشهد ارتفاعا بطيئا حتى ألغي سقف المقاعد في عام 2020.

ومع ذلك، كان نصيب الفرد من الأطباء في فرنسا في عام 2021 أقل مما كان عليه في عام 2012، حيث انخفض إلى 318 طبيبا من 325 طبيبا لكل 100 ألف شخص.

النقص الكبير في الأطباء يفاقم أزمة المرضى
النقص الكبير في الأطباء يفاقم أزمة المرضى

ووفقا للأرقام، فإن هناك أكثر من 44 في المئة من الأطباء في فرنسا تبلغ أعمارهم أكثر من 55 عاما.

هذا النقص الهائل جعل الرئيس إيمانويل ماكرون يقترح العام الماضي بقاء الأطباء المتقاعدين في الخدمة، وتشجيعهم على ذلك بإلغاء الاشتراكات التي يدفعونها عادة. (حوالي 10 في المئة من الأطباء في فرنسا يعملون بعد سن التقاعد).

ولا يقتصر النقص في طواقم الرعاية الصحية على الأطباء ، ولا على فرنسا وحدها. وفق الأرقام، فإن عدد الوظائف التي يحتاجها هذا القطاع يبلغ 2 مليون وظيفة.

بعد مرور أكثر من عامين على انتشار جائحة كورونا التي أثرت على هذا القطاع بشكل كبير وملموس، تحاول الحكومات ورؤساء المؤسسات والمراكز الصحية في أوروبا تدارك الموقف وإعادة بناء القوة العاملة واستقطابها.

في  اليونان مثلا، دُق ناقوس الخطر بعد البطء الكبير في حالات الطوارئ بسبب نقص الموظفين، فيما يوجد نقص كبير في إنجلترا يصل إلى عشرات الآلاف من الممرضات، وتعتبر هذه المهنة على رأس قائمة المهن المطلوبة في فنلندا. أما في البرتغال فأقسام الولادة تكافح للبقاء مفتوحة بسبب نقص الأطباء.

كما ترك الكثير من الذين يعملون في القطاع الصحي المهنة، واتجهوا لمهن أخرى، وكان أحد أسباب هذا الأمر أزمة كوفيد - 19 والآثار التي تركتها، ومنها الإرهاق الكبير الذي سببته للعاملين. وهذا الواقع، قلل بالفعل من العمر الوظيفي للأطباء والعاملين بالقطاع الصحي.

أثارت أزمة التوظيف في فرنسا السؤال الخلافي عما إذا كان ينبغي توجيه الأطباء للعمل في ما يُعرف بـ”الصحاري الطبية” والمقصود بها العمل في الأرياف والقرى والبلدات البعيدة التي تفتقر إلى هذه الخدمة الأساسية، عن طريق الحد من إرسالهم إلى مناطق أقل معاناة من هذه المشكلة، إذ إن مثل هذه الإجراءات مطبقة بالفعل على مهنيي الرعاية الصحية الآخرين، مثل الممرضات والقابلات وأخصائيي العلاج الطبيعي. وقد قوبلت خطة الحكومة بإضافة عام رابع من التدريب للأطباء الجدد على أن تكون في “الصحاري الطبية”، باحتجاجات وإضرابات واسعة النطاق.

16