أزمة لبنان تضيّق الخناق على العمال السوريين

قدر السوريين أن يواجهوا المشاق بمجرد مغادرتهم لبلادهم، ففي هجرتهم ولجوئهم إلى لبنان صاروا يكسبون رزقهم من الأعمال الشاقة التي لا يقبل عليها اللبنانيون، ولكن بمجرد تفاقم الأزمة الاقتصادية بعد انهيار الليرة اللبنانية ازداد وضعهم سوءا بل اتهمهم البعض بأنهم مساهمون في الأزمة لذلك يفكرون في العودة إلى بلادهم.
بيروت - أثرت الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان على العمال السوريين سلبا، أسوة بأقرانهم اللبنانيين فتآكلت أجورهم مع انهيار الليرة، وبعضهم فقد عمله، ما دفع عددا منهم للتفكير بالعودة إلى بلادهم.
ويعتمد الاقتصاد اللبناني في بعض قطاعاته على الاستخدام الكثيف للعمالة الأجنبية ومن بينها العمالة السورية التي ساهمت بشكل كبير في قطاعي البناء والزراعة خاصة، قبل الأزمة السورية التي أسفرت عن نزوح حوالي مليون ونصف مليون سوري إلى لبنان.
وأصبحت العمالة السورية متواجدة في الفنادق والمطاعم وفي خدمات الاستقبال والإدارة والمستشفيات والصيدليّات والمھن الخاصة بالكھرباء والتجارة والخياطة وغيرھا.
وأدت الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان منذ حوالي عامين إلى ارتفاع مستويات البطالة بين العمال السوريين، وبسبب ارتفاع كلفة إيجار المساكن، يتحايل الكثير من السوريين العاملين في المدن في لبنان على موضوع السكن من خلال قيامهم بأعمال الحراسة ليلا في البنايات، دون مقابل، على أن يُسمح لهم بالسكن في الغرف المخصصة للحراس في تلك البنايات دون مقابل أيضا.
الاقتصاد اللبناني يعتمد في بعض قطاعاته على الاستخدام الكثيف للعمالة الأجنبية ومن بينها العمالة السورية التي ساهمت بشكل كبير في قطاعي البناء والزراعة
وقال سعيد صالح الحاج محمد “بعد اندلاع الأزمة السورية في العام 2011 لم أستطع أن أكمل دراستي في سوريا وكنت أدرس اللغة العربية، فانتقلت إلى لبنان بهدف العمل لفترة وجيزة ريثما تنتهي الأزمة فأتمكن من إكمال تعليمي، لكن الأزمة استمرت”.
وأضاف “قمت بعدة أعمال في لبنان، عملت في مجال التمديدات الصحية والدهان، كما عملت في مطعم وكافيه وكان الدوام طويلا من الساعة الـ11 صباحا حتى الـ12 ليلا مقابل 500 دولار شهريا، لكن صاحب المطعم توقف عن الدفع فجأة، فتركت عملي بعد أن رفض أن يدفع لي مقابل أتعابي ولي في ذمته 900 دولار أميركي”.
وتابع سعيد “لا توجد وسيلة لاستعادة حقوقي، وأعرف الكثير من السوريين غيري الذين تم الاستغناء عن خدماتهم دون أن يحصلوا على مستحقاتهم”.
وقال سعيد المتزوج منذ 5 سنوات “لا أجد عملا بشكل دائم، حيث أعمل مياوما وقد أعمل يوما في الأسبوع وقد لا أعمل، ولم أسجل اسمي لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لأني كنت أبحث عن فرصة للسفر إلى أوروبا، علّني أحصل على الاستقرار”.
وأضاف “لم أتمكن من السفر لأن الأمر كان سيتم بطريقة التهريب، ويحتاج لمبلغ 10 آلاف دولار، لم أستطع جمعها، وأتمنى لو تسنح لي الفرصة بالسفر. وفي ظل غلاء المعيشة في لبنان أفكّر بالعودة إلى سوريا متى أُعيد إعمار منزلي الذي هدم”.
وأوضح سعيد أنه ترك زوجته مؤخرا بسبب الوضع الاقتصادي التعيس وقلة العمل، قائلا “أعدتها إلى أهلها في سوريا لأنها تريد إنجاب الأطفال فيما الظروف الحالية لا تسمح بذلك، وأنا لا أملك شيئا”.
وعن موضوع الطبابة، قال سعيد الذي يعمل حارسا ليليا ويسكن حاليا في غرفة حارس في إحدى البنايات في منطقة الربوة في جبل لبنان مقابل الاهتمام بشؤون تلك البناية “مؤخرا تعبت صحيا، فذهبت إلى سوريا، لأن كلفة العناية الصحية في لبنان مرتفعة جدا”، مضيفا “لقد أصبت بالاكتئاب بسبب عدم الاستقرار المادي والاجتماعي وعدم تمكني أحيانا من إرسال المساعدة لأهلي، خاصة أن لدي أخوين معاقين”.
وعن معاملة اللبنانيين للسوريين، أشار سعيد إلى أن “بعض اللبنانيين يحمّلوننا نحن السوريين سبب الأزمة الاقتصادية ويتعاملون معنا بفوقية وعنصرية، فيما نحن هنا لنعمل ونكسب رزقنا بعرق جبيننا، ولكن غالبيتهم يتعاملون معنا باحترام”.
وتعتبر وزارة العمل اللبنانية أن لبنان يعاني من أزمة حادّة في العمالة الأجنبيّة وخاصة السوريّة منھا، وقد تفاقمت ھذه الأزمة بعد تدفّق النازحين السوريين نتيجة الحرب في سوريا.
ولا توجد إحصاءات دقيقة لعدد العمّال السوريين في لبنان، وتشير أرقام وزارة العمل إلى أن عدد الإجازات للعمال السوريين بلغت 1733 في العام 2019 فيما ھذا الرقم لا يقارن بالعدد الفعلي للعمال السوريين في لبنان الذي يعد بمئات الآلاف.
وقال ربيع الذي فضّل عدم ذكر اسمه كاملا “أتيت إلى لبنان منذ 12 عاما وأعمل منذ ذلك الوقت في شركة توفر خدمة الإنترنت في جبل لبنان، فأقوم بجمع مستحقات الشركة من المستهلكين، وأتقاضى منذ العام 2015 مليونا ومئتي ألف ليرة لبنانية، وهو مبلغ كان يعادل 800 دولار في ذلك الوقت، ولم تكن لدي مشكلة قبل الأزمة الاقتصادية التي برزت في لبنان منذ عامين”.
وأضاف “اليوم هذا المبلغ لا يكفي لتأمين حاجات المأكل والمشرب لعائلة صغيرة كعائلتي المؤلفة من أربعة أشخاص، في ظل الغلاء الفاحش”.
وتابع ربيع “أعمل أيضا ناطورا ليليا لإحدى البنايات في جبل لبنان، وأسكن مع عائلتي في غرفة الناطور الخاصة بتلك البناية، لكني لم أعد أستطيع أن أوفر أي مبلغ من المال لأرسله لأهلي في سوريا، كما كنت أفعل سابقا. ولو لم يكن بيتي مهدوما لكنت فكرت بشكل جدي بالعودة إلى سوريا”.
وقال “نعيش هنا في لبنان حالة رعب حقيقية بسبب ارتفاع كلفة الطبابة، في الأسبوع الماضي أنجب أخي طفلا، فبلغت كلفة الولادة أربعة ملايين ليرة لبنانية، كما أن المولود احتاج للأكسيجين لعدة أيام وبلغت كلفة استشفائه 13 مليون ليرة، وهو مبلغ ضخم يعادل كل ما جمعه أخي منذ سنوات”.
ويعمل معظم السوريين في لبنان مياومين وموسميين، وبأجور أقل من أجور اللبنانيين ودون ضمانات اجتماعية، ويقوم معظمهم بالأشغال الصعبة.
ولا يقبل اللبنانيون بنفس شروط العمل التي يقبل بھا السوريون أكان من ناحية دوام العمل أو الأجر، ويجد السوريون سوق العمل في لبنان مفتوحا أمامهم، بسبب هروب أصحاب العمل من تحمّل أعباء اشتراكات الضمان الاجتماعي.
ويدخل السوريون الراغبون بالعمل إلى لبنان حاليا بموجب تعهد مسبق بالمسؤولية، يقدم من قبل الأشخاص أو المؤسسات أو الشركات، ويتم التعهد بموجبه بالسعي لدى وزارة العمل للاستحصال على إجازة عمل للعامل السوري وفقا للأصول.
وقال رئيس رابطة العمال السوريين في لبنان مصطفى منصور “إن العمالة السورية في لبنان موجودة تاريخيا، وهي تتضمن العمالة الموسمية في قطاعي الزراعة والبناء، حيث كان عدد العمال يتراوح بين مئة ألف وثلاثمئة ألف بحسب الحاجة”.
وأوضح أنه “قبل العام 2014 كان يسمح للمواطن السوري الراغب بالمجيء إلى لبنان بالحصول على إقامة لمدة ستة أشهر، وبعد هذا التاريخ اعتمد لبنان نظام الكفالات، وبات العامل بحاجة لكفيل للعمل في لبنان، ومنذ ذلك الوقت استقدم العمال السوريون أسرهم بأعداد كبيرة”.