أزمة النقل في تونس تتفاقم مع العودة المدرسية

عربات المترو الأخضر تنتظر التجديد بعد أن بلغت خريف العمر.
السبت 2023/09/16
يصلون متاخرين دائما

تتفاقم أزمة النقل في تونس مع عودة نظام العمل بالتوقيت الكامل والعودة المدرسية والجامعية خاصة أن وسائل النقل العمومي من مترو وحافلات تعاني من التهرم وفقدان قطع الغيار بسبب شح السيولة وتراكم الديون على شركة النقل ما يجعل خطوط المواصلات تعمل في ظل نقص مستمر.

 تونس - قبل نحو أربعين عاما دخلت أولى العربات المصنعة في مدينة دوسلدورف الألمانية الخدمة على شبكة مترو العاصمة بتونس، وحتى اليوم لا تزال هذه العربات المميزة بألوانها الخضراء تؤدي واجباتها دون توقف لكنها في حالة استنزاف شديد.

ومع ساعات الصباح الأولى تبدأ عربات المترو في نقل الآلاف من العمال من الأحياء الفقيرة بأحواز العاصمة نحو المناطق الصناعية، وإلى المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص للخدمات.

وتصنف شبكة المترو كأفضل مشروع في قطاع النقل العام للحكومة التونسية في النصف الثاني من القرن العشرين، منذ بدء تشغيل أول خط في عام 1985 ومن ثم التوسع ليشمل ستة خطوط.

وتعود بدايات التأسيس لخطوط السكك الحديد بالعاصمة منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر لكن التدشين الفعلي لأول خط يربط مدينة تونس بالضاحية الشمالية حلق الوادي كان في عام 1872 تحت حكم البايات. ولايزال هذا الخط يعمل حتى اليوم.

واستخدمت مدينة تونس لاحقا عربات التراموي بدءا من عام 1886 وظلت تعمل حتى منتصف القرن العشرين قبل إحالتها على التقاعد نهائيا.

وتفيد معلومات “شركة نقل تونس” أن الدراسات الخاصة بشبكة المترو بدأت عام 1974 ومن ثم بدأت أشغال وضع الشبكة عام 1980 لينطلق الاستغلال الفعلي لأول خطوطها في أكتوبر عام 1985.

اقتصار خدمة شبكة المترو على 26 عربة بدلا من 126 ما يؤدي إلى ضغط شديد في خدمات النقل يوميا

وتعد بداية استخدام هذه العربات ثورة حقيقية لحركة النقل بالعاصمة مع تزايد أعداد السكان والأنشطة الاقتصادية. وهي تعد اليوم أكثر من ثلاثة ملايين ساكن أي حوالي ربع سكان البلاد.

لكن منذ نحو عقد دخلت العربات الألمانية مرحلة الاستنزاف القصوى بعد أن شكلت علامة أساسية لحقبة بأكملها من تاريخ العاصمة وهي تحتاج اليوم إلى التجديد بالكامل مع تزايد الاختناقات المرورية وأزمة النقل بالبلاد.

وأثناء مرور المترو على طول السكك الممتدة من حي الانطلاقة غرب العاصمة إلى المحطة المركزية بساحة برشلونة، باتت رؤية أبواب العربات مفتوحة أمرا مألوفا.

وفي الداخل تعكس بقايا الزيوت والشحوم السوداء الملطخة في زوايا العربات والأرضية الممزقة، عمليات الترقيع المستمرة للعربات.

وقال المدير المركزي بشركة “نقل تونس” شكري بن غانم إن 50 في المئة من الأسطول في حالة عطب ولا يستعمل، وإن العربات أخذت في التآكل.

وعلى الرغم من الدفع بعدد من العربات الحديثة المصنعة بشركة “ألستوم” الفرنسية منذ 2010 ضمن خطط الحكومة لتجديد أسطول شبكة المترو، لا تزال العربات الألمانية تسيطر على جانب كبير من الأسطول المستخدم.

وقال الطاهر الزيدي من نقابة عمال الشركة “أسطول العربات في وضع سيء جدا بسبب غياب الصيانة وعجز الشركة عن توفير قطع الغيار وتقادم الأسطول الذي يفوق عمره 37 عاما”.

Thumbnail

وتواجه الشركة معضلة أخرى وهي عزوف مزودي قطع الغيار عن التعامل معها بسبب شح السيولة وتراكم الديون، ما يجعل خطوط المواصلات تعمل في ظل نقص مستمر.

ومثل أغلب المؤسسات العمومية تعاني شركة نقل تونس عجزا ماليا بلغ 235 مليون دينار (75.8 مليون دولار أميركي) في 2022. ليبلغ إجمالي الديون حوالي 627 مليون دينار.

وأدى هذا في نهاية المطاف إلى اقتصار خدمة شبكة المترو على 26 عربة بدلا من 126. ويؤدي هذا بالنتيجة إلى ضغط شديد في الخدمات لاسيما وقت الذروة.

وضاعفت الحرارة القياسية التي شهدتها البلاد في يوليو من الأزمة بسبب الأعطاب المستجدة على بعض العربات في أنظمة التكييف ما تسبب في اضطراب الرحلات وشلل بالعاصمة.

ولا تعد شبكة المترو الطرف الوحيد في معضلة النقل بالعاصمة التونسية فالأزمة تشمل أغلب المواصلات العمومية وأولها الحافلات.

فبحسب إحصاءات شركة النقل فإن حالة التهرم والأعطاب تسببت في عام 2022 في خسارة حوالي نصف عدد الحافلات المستخدمة منذ عام 2010.

ويمثل هذا الوضع مشكلة حقيقية أمام الحكومة من أجل احتواء الضغط المضاعف على قطاع النقل والزحام الشديد قبل أسابيع من بدء الموسم الدراسي والجامعي وذروة التنقل لموظفي القطاع العام في إقليم تونس الكبرى، التي تضم العاصمة والولايات الثلاث المتاخمة لها.

ولمجابهة هذه الأزمة استملت تونس دفعة مكونة من 122 حافلة فرنسية مستعملة للحد من الضغط في قطاع النقل وبكلفة منخفضة في ظل الأزمة التي تعصف بالمالية العامة.

وهذه الدفعة جزء من صفقة اقتناء تشمل 300 حافلة وقّعتها شركة “نقل تونس” مع “الوكالة المستقلة للنقل بباريس” بكلفة تناهز 5.1 مليون دولار. وتقول الوزارة إن الحافلات تحمل مواصفات إيكولوجية.

Thumbnail

وقال وزير النقل ربيع المجيدي إن اقتناء الحافلات الفرنسية هو “حل ظرفي” بسبب “الجاهزية المتدنية للأسطول وندرة قطع الغيار وبسبب الوضعية المالية الصعبة لشركة نقل تونس وتعطل صفقات مع مزودين قبل سنوات”.

وسبق لتونس أن وقّعت صفقات اقتناء مماثلة لحافلات مع نفس المزود سنوات 2015 و2016 و2017. وتقول الحكومة إنها تعمل على إقامة شراكات مع ألمانيا من أجل الاستفادة من خبرات هذا البلد المتطور جدا في مجال النقل والسكك الحديد.

ويقول مكرم بن حميدة المدير المساعد للغرفة التونسية – الألمانية للصناعة والتجارة إن مشروع الشراكة في مجال السكك الحديد سيكون في إطار التعاون الدولي التونسي – الألماني.

ووفقا للمسؤول بالغرفة بدأ تنفيذ مشروع الشراكة منذ العام 2019 بمشاركة 12 شركة ألمانية عاملة في السكك الحديد. وتأتي ألمانيا في المرتبة الثالثة كأكبر مستثمر خارجي في تونس عبر 280 شركة ألمانية تعمل في البلاد وتشغل 83 ألف عامل.

16