أزمة المهاجرين: تونس بين ضغوط أوروبا وانتقادات المنظمات الحقوقية

تونس تتعرض لضغوط أوروبية للحد من الهجرة غير النظامية.
الثلاثاء 2023/12/19
ظروف معيشية غير لائقة

تونس - تجد تونس نفسها بين ضغط أوروبا للتصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية وانتقادات المنظمة الحقوقية التي تتهم الأجهزة الأمنية بممارسة اعتقالات تعسفية وتهجير قسري ضد المهاجرين. 

وأشارت دراسة للمنظمة العالمية لمكافحة التعذيب ومقرها جنيف ،أتت في 58 صفحة وأوردت شهادات مباشرة ومن منظمات غير حكومية شريكة، إلى "مسؤولية" السلطات التونسية عن "الانتهاكات المرتكبة على أراضيها بما في ذلك المناطق الحدودية.

ووفقا للمنظمة العالمية لمكافحة التعذيب فإن “انتهاكات حقوق الإنسان” شهدت تصاعدا تدريجيا بعد خطاب ألقاه الرئيس قيس سعيد في فبراير الماضي أدان فيه وصول جحافل من المهاجرين غير النظاميين إلى تونس.

لكن بحسب المنظمة غير الحكومية حدث “تغيير عميق على المستوى المؤسساتي” هذا الصيف، مع “عمليات طرد قسري وغير شرعي” للمهاجرين و”تهجير قسري وإنشاء مراكز حرمان من الحرية”، فضلا عن عمليات “الترحيل والطرد” إلى ليبيا والجزائر والتي أصبحت “أكثر تنظيما” و”انتظاما” منذ سبتمبر الماضي.

وفي يوليو الماضي بعد وفاة تونسي خلال شجار مع مواطنين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في صفاقس (وسط شرق) تم اعتقال المئات منهم في هذه المدينة، مركز الهجرة غير النظامية نحو أوروبا.

منذ يونيو أُبعد ما لا يقل عن 5500 مهاجر إلى ليبيا وأكثر من 3 آلاف إلى الجزائر قضى مئة منهم على الحدود الليبية

ويؤكد التقرير بعنوان “طرق التعذيب”، والذي ينتقد انتهاك تونس للمعاهدات الدولية الموقعة عليها، أنه “خلال أيام توجه أكثر من ألف شخص إلى مناطق صحراوية على الحدود مع ليبيا والجزائر”.

وذكرت مصادر إنسانية دولية لوكالة فرانس برس أنه “منذ يونيو أبعد ما لا يقل عن 5500 مهاجر إلى ليبيا وأكثر من 3 آلاف إلى الجزائر” قضى نحو مئة منهم على الحدود التونسية الليبية.

وأدانت الأمم المتحدة عمليات “الإبعاد” لكن السلطات التونسية نفتها.

ووفقا للمنظمة العالمية لمكافحة التعذيب فإن “الظروف المعيشية اللاإنسانية التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء” الذين يقيمون بالآلاف في الأشهر الأخيرة في الريف قرب صفاقس “قد ترقى إلى التعذيب وسوء المعاملة”.

وتشعر المنظمة غير الحكومية بالقلق إزاء “عجز السلطات التونسية عن حماية” هؤلاء الأشخاص، مشيرة إلى “ظروف معيشية غير لائقة دون تأمين الخدمات الأساسية وفرص العمل ومصادر الدخل”.

ورجح مراقبون أن تتفاقم أزمة المعاناة الإنسانية للمهاجرين الأفارقة في تونس بسبب تصاعد عمليات الترحيل القسري لهم إلى الحدود مع ليبيا والجزائر، فيما ساد مناخ من التعتيم حول أعدادهم أو مصيرهم.

وأثارت فيديوهات المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء على الحدود التونسية – الليبية انتقادات منظمات حقوق الإنسان وتعاطف الكثيرين بسبب الظروف القاسية التي يعيشونها هناك، فيما ساند آخرون قرارات الحكومة التونسية في التعاطي مع ملف المهاجرين.

وفي يونيو الماضي شرعت السلطات التونسية في نقل العشرات من المهاجرين الأفارقة الذين تمركزوا في مدينة صفاقس نحو المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر، لاسيما بعد الاشتباكات العنيفة التي دارت بين مهاجرين وتونسيين وأسفرت عن ضحايا من الطرفين.

وأشارت أرقام المعهد الوطني للإحصاء بتونس (حكومي) عام 2021 إلى “وجود نحو 21 ألف مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء فقط في تونس، بمن فيهم اللاجئون وطالبو اللجوء والطلبة”.

وفي 26 أكتوبر 2022 دعا الرئيس التونسي قيس سعيد إلى تعاون دولي لمواجهة تزايد وتيرة الهجرة غير النظامية في بلاده، مشددا على أنه “لا يمكن إيجاد حلول محلية لتلك الظاهرة”.

المهاجرون الأفارقة في تونس.. معاناة بانتظار حلول
المهاجرون الأفارقة في تونس.. معاناة بانتظار حلول

وفي الأشهر الأخيرة تصاعدت وتيرة الهجرة إلى أوروبا عبر شواطئ تونس، على وقع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها دول المنطقة، ما دفع تونس إلى مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة للحد من الظاهرة.

وقال رئيس مركز تونس للهجرة واللجوء (مستقل) حسن بوبكري إن الهجرة غير النظامية التي تشهدها تونس “تقف وراءها أسباب مختلطة مثل الحروب والجفاف وغيرهما”.

وأوضح أن منطقة القرن الأفريقي ودارفور غرب السودان ومناطق جنوب السودان تنطلق منها هجرات اقتصادية وأخرى قسرية ويلتقي المهاجرون على طرقات الهجرة شمال أفريقيا.

وتحدث بوبكري، الذي يدرّس علوم الجغرافيا ودراسات الهجرة بجامعتي سوسة وصفاقس، عن “بؤر توترات كبيرة في النيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو جراء نشاط حركات مسلحة تدفع الناس هناك إلى الهجرة القسرية والاقتصادية”.

وأشار إلى أن الذين “يهربون خوفا على حياتهم من نشاطات الجماعات المسلحة والفقر والجفاف في بوركينا فاسو والنيجر وتشاد يصل 20 في المئة منهم إلى تونس”.

وأكد بوبكري أن سودانيين وصلوا إلى مدينة صفاقس كلاجئين بعد الحرب الأخيرة التي اندلعت في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل الماضي.

ويتفق أستاذ علم الاجتماع المختص في الهجرة مهدي المبروك مع بوبكري بشأن أسباب استمرار الهجرة غير النظامية في تونس نحو أوروبا.

وقال المبروك “أسباب عديدة تكمن وراء وصول آلاف المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس، منها التغيرات المناخية الحادة”.

وأضاف أن من أسباب الهجرة غير النظامية العنف والحروب الأهلية التي تفجرت في أكثر من بلد، إلى جانب الانقلابات العسكرية المتكررة والفقر والبطالة وغياب مشاريع التنمية في أكثر من مجتمع أفريقي.

16