أزمة الكهرباء تضع لبنان أمام تحدي التحول للطاقة البديلة

الحكومة تتبنى هدفا طموحا لتغطية 30 في المئة من الاستهلاك من المصادر المستدامة بحلول 2030.
الثلاثاء 2021/10/19
للتغلب على العوائق يجب أن يضع لبنان سياسات تنظيمية ومالية

تصطدم طموحات لبنان للتحول إلى الطاقة المستدامة بهدف التغلب على معضلة توفير الكهرباء المزمنة بجبل من التحديات، وخاصة في ما يتعلق بجوانب التمويل وجذب المستثمرين ونقل التكنولوجيا في ظل الضبابية التي تكتنف المسار السياسي والضغوط المالية الهائلة التي يواجهها البلد.

بيروت - تعكف الحكومة اللبنانية على حشد جهودها لخوض معركة التحول إلى الطاقات النظيفة والخروج من الارتهان للطاقة التقليدية لتوليد الكهرباء عبر خطة يرى البعض أنها غير جديّة نظرا لعدم وضع أسس عملية وقانونية لتحقيق الأهداف المرجوة، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة مالية خانقة.

وتفاقمت أزمة شح الطاقة الكهربائية في البلاد بالتزامن مع ارتفاع أسعار المشتقات وانهيار أسعار الصرف لمستويات قياسية، في وقت ترفض فيه شركات الطاقة تزويد البلاد بالوقود قبل حصولها على قيمة الشحنات.

وأثر الطلب على الطاقة والكهرباء بشدة على الاقتصاد اللبناني إذ يشكل استيراد المحروقات ما يقرب من ربع عجز الميزانية، في حين أن الطلب على الكهرباء يفوق قدرة توليد الطاقة.

وعلى النقيض من ذلك، توفر تقنيات الطاقة المتجددة آفاقا لأنظمة طاقة وتدفئة نظيفة من مصادر محلية بالكامل. ولذلك يتبنى لبنان هدفا طموحا لتغطية 30 في المئة من استهلاكه للطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، لكن حتى الآن لا يزال عالقا في متاهة التمويل وتعقيدات جذب المستثمرين بسبب الوضع القاتم الذي تمر به البلاد.

وتضع هذه الظروف ناصر ياسين وزير البيئة في حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي أمام تحديات متصاعدة، لاسيما أنه عبّر أكثر من مرة عن عزمه على إحداث تغيير في الواقع البيئي المترهل في لبنان منذ سنوات.

وعلى طاولة الوزير الجديد حزمة من الملفات الشائكة تتمحور حول توفير الطاقة ومجابهة تحديات بيئية والاقتداء بتجارب دول مجاورة في مجال الطاقة المتجددة. ويقابل ذلك شح في الميزانية المالية المرصودة، نظرا للصعوبات التي تواجهها البلاد.

ناصر ياسين: ندرس إمكانية التعاون مع بلدان لديها هذه التكنولوجيا والأنظمة

ويرى ياسين في مقابلة مع وكالة الأناضول أن التجربة التركية في مجال توليد الطاقة الكهربائية عبر مصادر الطاقة المتجددة ستكون نموذجا سيخطو لبنان نحوه لخفض الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.

ويؤمن ياسين بضرورة التوجه نحو توطين الطاقة البديلة والتكنولوجيا الصديقة للبيئة، تمهيداً لبناء “اقتصاد أخضر”، لكن الاعتماد على تركيا قد لا يكون ذا فائدة كبيرة إذا لم يكن هناك تعاون مع دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط لديها تجربة في هذا المضمار مثل مصر والسعودية والإمارات.

ولا يملك لبنان مشروعات كبرى في مجال الطاقة المتجددة، ويعتمد بأكثر من 95 في المئة من الطاقة المولدة على المصادر التقليدية القائمة على الوقود والغاز الطبيعي.

وقال ياسين “كذلك، من المهم أن يصبح لدينا نقل عام مشترك، لأن البلاد بأمس الحاجة إليه في هذه المرحلة، على أن تكون وسائل النقل كالحافلات وغيرها صديقة للبيئة، بحيث يكون الاعتماد على الطاقة الكهربائية”.

ويلفت إلى أن هذا المشروع يُدرس حاليا مع وزارتي الطاقة والنقل، مشيرا إلى إمكانية حصول تعاون حكومي مع بلدان لديها مثل تلك التكنولوجيا والأنظمة، كفرنسا وتركيا، لنقل هذه التجربة إلى لبنان.

وبحسب وزير البيئة، فإن هذا الملف أصبح على طاولة مجلس الوزراء، للبحث في كيفية مساعدة تلك الدول لبنان، خصوصا أن تركيا تعد متقدمة جدا في هذا القطاع وفي مجال إنتاج الحافلات الصديقة للبيئة.

وأضاف “تواصلت شخصياً مع شركات إنتاج حافلات تركية لمعرفة الأسعار وتفاصيل أخرى”، مشيراً إلى أن وزارته يُمكن أن تلعب دوراً في تأمين تمويل إضافي لتنفيذ مثل تلك المشاريع من جهات ومبادرات تشجع الحلول الصديقة للبيئة.

الوكالة الدولية للطاقة المتجددة: للتغلب على العوائق يجب أن يضع لبنان سياسات تنظيمية ومالية

وبرزت أزمة النقل في لبنان مؤخراً إثر أزمة شح الوقود، ما أدى إلى تعطل حركة السيارات الخاصة بالمواطنين ووسائل النقل العامة كسيارات الأجرة والباصات الصغيرة.

ويفتقر لبنان إلى وسائل النقل الجماعية الأخرى، كالمترو أو القطار، وهي عادة أقل كلفة، ما يزيد من صعوبة التنقل بين المناطق.

ويواجه البلد منذ ثلاثة عقود على الأقل مشكلة متفاقمة في قطاع الكهرباء ذي المعامل المتداعية، ما أجبر غالبية المواطنين على دفع فاتورتين، واحدة للدولة وأخرى مرتفعة لأصحاب المولدات التي تعوض نقص إمدادات الدولة.

ويُعد قطاع الكهرباء الأسوأ بين مرافق البنى التحتية المهترئة أساساً. ويُشكل إصلاحه أحد مطالب المجتمع الدولي الرئيسية لدعم لبنان.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة قد أجرت دراسة بالتعاون مع وزارة الطاقة والمياه اللبنانية والمركز اللبناني للطاقة بهدف ترشيد الطاقة ووضع السياسات التنظيمية والمالية والتحديات المتعلقة بالقدرات للتغلب على العوائق في متابعة خطط التحول نحو إنتاج الكهرباء من المصادر المستدامة.

ووجدت الدراسة أن لبنان يمكن أن يحصل بشكل واقعي وفعال من حيث التكلفة على 30 في المئة من إمدادات الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. لكن القيام بذلك يتطلب تسريعا كبيرا ومضاعفة الحصة المتوقعة من الخطط والسياسات القائمة بشكل فعال.

ويوصي التقرير بسبعة إجراءات رئيسية لتسريع امتصاص البلاد لمصادر الطاقة المتجددة، من بينها تنفيذ لوائح أكثر استقرارًا وتكاملًا لنشر الطاقة البديلة واعتماد تدابير جديدة للتطبيقات الصغيرة واستكمال الأهداف الوطنية بأهداف الطاقة المتجددة الخاصة بالتكنولوجيا.

وإلى جانب ذلك العمل على ضبط أدوات التمكين لتركيب التدفئة والتبريد وإصلاح إطار السوق الحالي لزيادة الاستثمارات وضمان قابلية المشروع للتمويل وتعزيز الشبكة وإجراء تقييمات لتأثير الشبكة المحلية وضمان توافر التمويل وتعزيز دور القطاع الخاص.

 

10