أزمة القوات الدولية تعيد الفرقاء بجنوب السودان إلى نقطة الصفر

القاهرة - في مكان غير معلوم يحتمي رياك مشار النائب الأول لرئيس جنوب السودان سلفاكير ميراديت، بعد فترة وجيزة من عودته إلى جوبا بموجب اتفاق السلام الذي أنهى عامين من الحرب الأهلية، لكن ناطقا باسم مشار قال إنه “موجود بالقرب من العاصمة جوبا”.
مشار الذي اختفى مؤخرا، على خلفية تجدد الصدام المسلح بين قواته والجيش التابع للرئيس، أبقى على تواصله مع سلفاكير عبر الهاتف.
وكشف سايمون أنتوني كون سفير جنوب السودان بالقاهرة لـ”العرب” أن مشار اتصل من مكان غير معلوم مرتين بالرئيس سلفاكير، رهن خلالهما عودته لممارسة مهامه في جوبا بدعوة الحكومة المجتمع الدولي لإرسال 14 ألف جندي من القوات الدولية والإقليمية إلى جنوب السودان لضمان الأمن وحمايته، الأمر الذي رفضه الرئيس سلفاكير بشكل مطلق.
وأضاف أنتوني أن رفض الرئيس دخول قوات دولية إلى جنوب السودان يرجع لعدة أسباب، أهمّها أن ذلك يعد مساسا باستقلال الدولة، ويسمح بتدخلات أجنبية وإقليمية في شؤونها، كما أنه يفقد الحكومة السيطرة على مطارها ويمهد الطريق لنهب ثروات الدولة، كما حدث في دول أخرى.
وأكد أن السماح بتواجد قوات من دول بينها وبين جنوب السودان خلافات حدودية (في إشارة إلى أوغندا والسودان) لا يمكن معه ضمان ألا تستغل تواجدها للإضرار بمصالح الدولة كما يستحيل معه ضمان الحكومة عدم تعرض تلك القوات لاستهداف عدائي من قبائل جنوب سودانية.
وعلى الرغم من رفض سلفاكير مطلب مشار دخول قوات دولية، فإن جنوب السودان به 12 ألفا من قوات حفظ السلام الدولية.
عن ذلك قال أنتوني “هذه قوات موجودة قبل استقلال دولة الجنوب بموجب اتفاق نيفاشا للسلام مع الخرطوم، ولا يوجد مبرر لمضاعفتها إلى 26 ألفا فما دور الجيش الوطني، إذا كانت القوات الدولية ستقوم بكل شيء في الدولة؟ مع ذلك فإن هناك مخالفات للقوات والمنظمات الدولية المتواجدة في جنوب السودان، والحديث عنها سوف يأتي في وقته وليس من المناسب ذكرها الآن”.
وفي مواجهة تلك المخالفات قال أنتوني “سعينا إلى استصدار قانون ينظم حدود عمل الجهات الخارجية في جنوب السودان ويضع كافة أعمال السيادة في يد الحكومة فقامت الدنيا ولم تقعد، لكننا مصرون على ذلك فلم نقاتل لسنوات للحصول على دولة غير كاملة السيادة”. وبعد مرور حوالي عامين على إعلان جنوب السودان دولة مستقلة بموجب استفتاء يوليو 2011 بعد عقود من الصراع المسلح مع الخرطوم، دخلت الدولة الوليدة في حرب أهلية بين أجنحة الجيش الموالية لكل من سلفاكير أول رئيس للدولة ونائبه الأول رياك مشار، عقب إقالة الأول للأخير في ديسمبر 2013 متهما إياه بتدبير انقلاب ضده.
|
مشار نجح وأنصاره في الفرار من جوبا، نافيا اتهامات سلفاكير، ومتهما إياه بالسعي للتخلص منه للانفراد بالسلطة، لتشتعل الحرب الأهلية بينهما لعامين، قبل أن ينجح الاتحاد الأفريقي في الوساطة وإبرام اتفاق إنهاء الحرب وعودة مشار نائبا للرئيس وممارسة مهامه من جوبا، بموجب اتفاق سلام أقر تقاسم السلطة وتشكيل حكومة تمهيدا للإعداد لانتخابات رئاسية قريبا.
وما إن عاد مشار إلى جوبا فبراير الماضي وسط نحو ثلاث آلاف من قواته المسلحة، حتى اشتعلت الأوضاع من جديد في 7 يوليو الجاري، ليغادر مشار إلى مكان غير معلوم.
ففي الوقت الذي اتهم فيه مشار قوات النظام بالمسؤولية عن إشعال الصراع من جديد وقتل اثنين من رجال مخابراته، ألقى سفير جنوب السودان بالقاهرة بمسؤولية إشعال فتيل الأزمة على قوات مشار.
وأضاف أنتوني أن الحرس الرئاسي فوجئ بمشار يأتي للقصر الرئاسي ويرافقه 21 سيارة تحمل أسلحة ومدافع وبها نحو 400 مسلح، إلى جانب 15 حارسا بزيّ مدني وسيارة إسعاف عثر فيها فيما بعد على أسلحة، وظل عدد من المسلحين خارج القصر، وبعضهم دخل قصر الرئاسة، وكان الرئيس سلفاكير مجتمعا مع وفد أجنبي.
انتظر مشار في غرفة مجاورة لمدة ساعة ونصف وكان مجلس الدفاع الوطني في انتظار الرئيس أيضاً، واجتمع بهم في تمام الرابعة، وفي الرابعة و25 دقيقة سمع المجتمعون أصوات اشتباك مسلح بين أنصار مشار والحرس الرئاسي، واستمر ذلك نحو 25 دقيقة، وفور توقف إطلاق النيران دخل رئيس الحرس وطلب من المجتمعين تفتيشهم فعثر مع مشار على سلاح ناري (مسدس) به رصاصات، وهنا تساءل الجميع لماذا حضر بكل هذه القوات والمدافع إلى قصر الرئاسة؟ ولماذا حمل مسدسا خلال الاجتماع الرئاسي؟
وبعد هدوء الموقف خرج الرئيس ونائبه إلى مؤتمر صحفي دعا فيه الطرفان للهدوء، وتمّ تشكيل لجنة تقصّي حقائق للأحداث كاملة منذ بدايتها وحتى اشتباكات القصر الرئاسي، ويرأس اللجنة نائب مشار الذي يشغل منصب وزير الداخلية وتضم خمسة ضباط كبار من كل طرف ويحق للجنة أن تضم إليها من تراه مفيدا للتحقيقات، وتم تأمين عودة مشار إلى محل إقامته لكنه ورئيس لجنة التحقيق اختفيا في مكان غير معلوم.
ويعاني جنوب السودان أزمة مالية طاحنة تعيق قدرات الحكومة على الاستمرار، وهو ما لم ينكره السفير الذي أرجعها إلى انخفاض أسعار النفط، وغياب الاستقرار الذي يعيق استغلال الثروات، مستنكرا في الوقت ذاته تخلي المجتمع الدولي عن دوره.
وقال أنتوني “تعهد المجتمع الدولي بدعم حكومة جنوب السودان مالياً تدريجياً مع تنفيذ كل مرحلة من مراحل اتفاقية السلام التي رعتها الوساطة الأفريقية ممثلة في منظمة “الإيغاد” وتمت إعادة تعيين مشار نائبا للرئيس وجرى خفض القوات في جوبا وعودته إليها وتشكيل الحكومة ولم يف المجتمع الدولي بتعهداته في أيّ مرحلة”. ودعا أنتوني جامعة الدول العربية إلى رفض إدخال قوات دولية وإقليمية إضافية لجنوب السودان، داعيا القمة العربية المرتقبة في نواكشوط إلى إصدار بيان برفض هذا التدخل، لما يمثله ذلك من إضرار بالأمن القومي لدولتين من أعضاء الجامعة هما مصر والسودان.