أزمة إذا حكمت السلطة الفلسطينية غزة بعد حماس وأزمة إذا لم تحكمها

الخلافات حول مستقبل غزة قد تؤدي إلى انهيار الائتلاف الحاكم الهش في إسرائيل.
الخميس 2023/11/16
معادلة صعبة لإدارة التوازن

بينما يبدو سيناريو عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة بعد سحق حماس الأكثر معقولية والأقل تكاليف، تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها أمام فرضيّتي تسوية لمستقبل القطاع تؤدي كلتاهما إلى زعزعة استقرارها الهش وبالتالي الذهاب إلى انتخابات مبكرة.

القدس - ستواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطا محلية ودولية متزايدة للوفاء بشروط السلطة الفلسطينية لحل أزمة الحكم في قطاع غزة. لكنها قد تزعزع استقرارها وتمهد الطريق لإجراء انتخابات مبكرة.

وقال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في خطاب ألقاه في 10 نوفمبر إن السلطة الفلسطينية قد تتولى مسؤوليات الحكم في قطاع غزة بمجرد إزاحة حماس من السلطة، ولكن فقط إذا التزمت إسرائيل بعملية السلام التي تشمل إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي يقول فيها عباس صراحة إن السلطة الفلسطينية قد تتولى دورا حاكما في القطاع منذ اندلاع الصراع في 7 أكتوبر.

وتبعت تصريحاته إشعال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضجة دبلوماسية من خلال الإشارة إلى أن بلاده قد تعيد احتلال المنطقة بشكل دائم.

من المرجح أن تكافح حكومة نتنياهو لعودة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة بسبب رفض الأحزاب اليمينية المتطرفة ذلك

وبينما لم يصدر أي رد فعل فوري من الولايات المتحدة أو إسرائيل على خطاب عباس، إلا أن التقارير الإعلامية تشير إلى أن واشنطن ستدرس سبل إعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة.

وطردت حماس السلطة الفلسطينية بعنف من قطاع غزة بعد فوزها في انتخابات 2005. وكان ذلك بعد وقت قصير من انسحاب إسرائيل من جانب واحد من غزة حتى تتمكن حكومتها ذات الميول اليمينية من التركيز على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية.

وكان يصعب حكم القطاع بالقوة العسكرية، مما أثر على قرار إسرائيل بالخروج من القطاع.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن السلطة الفلسطينية تبقى الخيار الأفضل لغزة، حيث تتضمن إعادتها خططا لتحسين الفعالية الأمنية للسلطة الفلسطينية وشرعيتها السياسية.

وجاء في تحليل على موقع ستراتفور أن عودة السلطة الفلسطينية هي الخطة الأكثر قابلية للتطبيق بعد حرب غزة، بسبب القيود التي تشملها الحلول المحتملة الأخرى.

وقد تفتقر السلطة الفلسطينية إلى الشرعية السياسية بين الفلسطينيين العاديين، لكن قواتها الأمنية تبقى فعّالة نسبيا في الضفة الغربية، وتتولى العديد من مؤسساتها الرئيسية مثل الرئاسة مهامها الأساسية. وفي نفس الوقت، تواجه الخطط المحتملة الأخرى قيودا أمنية أو دبلوماسية أو سياسية صعبة.

وتشير تقارير إعلامية إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل وقوى إقليمية أخرى تبحث في إمكانية تشكيل قوة أمنية إقليمية مشتركة في غزة وقوة حفظ سلام محتملة، قد تكون تحت رعاية الأمم المتحدة. كما اقترح بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية أن تعيد إسرائيل احتلال القطاع بشكل دائم. لكن احتمال تشكيل قوة أمنية دولية يواجه بالفعل عقبات دبلوماسية.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد قال في 9 نوفمبر إن بلاده لن تشارك في قوة أمنية إقليمية في غزة. وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيدعم نشر قوات حفظ السلام التركية في القطاع، ولم يحدد كيفية عمل القوة في مواجهة التمرد المسلح العنيف المحتمل.

وحققت بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة نجاحا متقطعا في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بالحفاظ على السلام بين إسرائيل والمسلحين.

وفشلت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) منذ نشرها في 1978 في منع العنف بين الجيش الإسرائيلي وجماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران، بما في ذلك الحرب واسعة النطاق في 2006 والصدامات الحدودية المختلفة خلال السنوات الأخيرة. وسيتطلب الاحتلال الإسرائيلي الدائم لغزة قدرا كبيرا من القوات للحفاظ على السيطرة على 2.1 مليون فلسطيني. ومن المرجح أن يفقد الخيار شعبيته بين الناخبين الإسرائيليين بمرور الوقت.

السلطة الفلسطينية خيار بلينكن الأفضل لغزة
السلطة الفلسطينية خيار بلينكن الأفضل لغزة

وتسيطر السلطة الفلسطينية على معظم المدن الكبرى في الضفة الغربية، حيث تمكنت من قمع اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق على الرغم من عدم شعبيتها وغضبها إزاء العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.

وتجمع علاقة متوترة بين السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، لكنه يساعدها في الحفاظ على سيطرتها على الضفة الغربية، حيث يصبح الجيش نسخة احتياطية لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في ردها على تهديدات المتشددين.

وتطلّب الانتشار العسكري الإسرائيلي الحالي في غزة والضفة الغربية نشر قواتها الأمنية وتشتتها. وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل اندلاع أعمال العنف الأخيرة أن الجيش قد نشر 15 كتيبة في الضفة الغربية لتحقيق استقرار الوضع الأمني هناك.

وعلى سبيل المقارنة، أفادت التقارير بأن إسرائيل حشدت 35 كتيبة لعملياتها القتالية في غزة، وكان العديد منها من جنود الاحتياط.

ويتواجد حوالي 2.7 مليون فلسطيني في الضفة الغربية، وتحظى الكتائب الخمس عشرة بالتعاون مع قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، مما يشير إلى الحاجة إلى المزيد من الكتائب للسيطرة على قطاع غزة دون دعم السلطة الفلسطينية.

من المرجح أن تجبر حاجة الحكومة إلى استرضاء اليمين المتطرف إسرائيل على إعادة احتلال قطاع غزة لبعض الوقت بمجرد انتهاء الحرب

ومن المرجح أن تكافح حكومة نتنياهو لتلبية المطالب المحلية والدولية بعودة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة. ويرجع ذلك إلى اعتمادها الكبير على الأحزاب اليمينية المتطرفة.

ويشغل معسكر زعيم حزب الليكود بقيادة نتنياهو 64 مقعدا فقط في الكنيست المؤلف من 120 مقعدا، مما يجعله يعتمد بشكل كبير على دعم أعضائه اليمينيين المتطرفين، بما في ذلك الصهيونية الدينية وعظمة يهودية.

ودفع قائدا الحزبين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير إلى توسيع المستوطنات في الضفة الغربية. كما يطمحان إلى طرد الفلسطينيين من غزة حتى يتمكن المستوطنون اليهود من إعادة احتلال المنطقة، مما يدفعهما إلى رفض شروط السلطة الفلسطينية لاستعادة السيطرة على قطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب الحالية.

وأكّد سموتريتش وبن غفير علنا ازدراءهما لرد الفعل الدولي العنيف ضد أهدافهما الأيديولوجية المتمثلة في توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

ومن غير المرجح أن يتراجعا عن مواقفهما وسط ضغوط جديدة للتوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية بشأن مستقبل غزة السياسي.

ويحد ذلك من المساحة المتاحة للحكومة الإسرائيلية في سعيها للتوصل إلى تسوية حيث تعني أغلبيتها الهشة أن أي خلافات حول غزة تدفع الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى مغادرة الائتلاف مما سيسبب انهيار حكومة نتنياهو وإنهاء مسيرته السياسية الطويلة.

وكان الأب المؤسس الأيديولوجي لعظمة يهودية الحاخام مائير كاهانا يؤمن بدولة واحدة في فلسطين والطرد العنيف للعرب من المنطقة. وكانت توجهاته من أسباب حظر حزبه السياسي “كاخ” من ممارسة السياسة الإسرائيلية في 1994 وتصنيف الولايات المتحدة له منظمة إرهابية.

ورد بن غفير في مرحلة ما على انتقادات الولايات المتحدة للإصلاحات القضائية المثيرة للجدل بالقول إن إسرائيل ليست مستعمرة أميركية.

ومن المرجح أن تجبر حاجة الحكومة إلى استرضاء اليمين المتطرف إسرائيل على إعادة احتلال قطاع غزة لبعض الوقت بمجرد انتهاء الحرب الحالية، ولنيل شعبية داخل إسرائيل.

ولا يريد غالبية المواطنين والمشرعين الإسرائيليين إعادة احتلال غزة بسبب تكاليف المسار عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا. وقبل الحرب الحالية كان السياسيون اليمينيون واليمينيون المتطرفون مثل سموتريتش وبن غفير الوحيدين الذين دعوا إلى إعادة احتلال القطاع لأسباب إيديولوجية وأمنية.

خيارات معقدة
خيارات معقدة 

ومع تواصل الضغوط التي تمارسها أحزاب اليمين المتطرف، ربما لن يكون أمام الحكومة الإسرائيلية أي خيار بخلاف هذه الخطوة بعد الحرب، والتي من المحتمل أن تشمل وجودا عسكريا موسعا مع خسائر إسرائيلية كبيرة.

ومن المرجح أن تثير تكاليف إعادة الاحتلال المتزايدة ردود فعل عنيفة في الداخل، مما يدفع المشرعين الإسرائيليين إلى مطالبة الحكومة بسن إستراتيجية للخروج.

ومع غياب الخيارات الدولية، ستعتمد قدرة إسرائيل على الانسحاب من غزة على تولي السلطة الفلسطينية على الأقل بعض المسؤوليات الأمنية في القطاع، مما يترك حكومة نتنياهو مرة أخرى في موقف صعب في ما يتعلق بإيجاد حل لا يغضب اليمين المتطرف.

ويمكن أن يعيق احتلال إسرائيل لقطاع غزة بعد الحرب جهود التطبيع مع المملكة العربية السعودية التي من المرجح أن تدرج حلا إنسانيا وسياسيا لغزة كشرط للتطبيع مع إسرائيل الآن بعد عودة القضية الفلسطينية إلى أذهان الجمهور السعودي.

وكانت محادثات التطبيع الإسرائيلية – السعودية تحرز تقدما قبل 7 أكتوبر. وبينما شملت المفاوضات مطالب سعودية ببعض أنواع التنازلات للفلسطينيين، إلا أنها لا تبدو مشروطة باستئناف محادثات السلام القائمة على حل الدولتين.

ومن المرجح أن يتغير ذلك إثر الحرب الحالية، حيث أصبحت السعودية أكثر انتقادا علنا للحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة خلال الأسابيع الأخيرة، وأصبحت مدافعا أعلى صوتا عن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

وإذا رفضت الحكومة الإسرائيلية إيجاد طريقة لإعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، فقد يؤدي رد الفعل السياسي المتصاعد إلى مغادرة بعض المشرعين من يمين الوسط الائتلاف وفرض انتخابات مبكرة.

Thumbnail

وإذا توصل نتنياهو إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية، فقد يؤدي ذلك إلى إجراء انتخابات مبكرة بعد خروج المشرعين اليمينيين المتطرفين من حكومته.

ويشعر بعض أعضاء حزب الليكود بزعامة نتنياهو بالقلق لغموض مستقبلهم السياسي مع انخفاض شعبية الحكومة إثر فشلها في اكتشاف هجوم حماس، وسعيها المثير للجدل قبل ذلك لإصلاح النظام القضائي من خلال إصلاحات شاملة.

ومن المرجح أن ينظر المشرعون في حزب الليكود إلى شخصيات من يمين الوسط مثل وزير الدفاع يوآف غالانت لتلقي الإرشادات حول كيفية التغلب على التحديات.

وفي نفس الوقت، من المحتمل أن يعارض غالانت، مثل الكثير من المؤسسة العسكرية، الاحتلال الدائم لقطاع غزة لاسترضاء اليمين المتطرف. وقد يقرر مع شخصيات أخرى الانشقاق عن الحكومة إذا بدا هذا الخيار محتملا.

وإذا قرر نتنياهو استرضاء الرأي العام الدولي وبدء محادثات مع السلطة الفلسطينية بشأن حكم غزة، فقد يقرر اليمين المتطرف ترك ائتلافه لكسر الحكومة وفرض إجراء انتخابات لتخريب مثل هذه المحادثات ومحاولة تشكيل حكومة أخرى ذات توجهات يمينية تلزم نفسها برفض حل الدولتين.

وأدى انشقاق أعضاء الائتلاف غير الراضين إلى انهيار الحكومات السابقة بقيادة نتنياهو. ففي 2018، سحب أفيغدور ليبرمان حزبه من حكومة نتنياهو آنذاك احتجاجا على سياسات رئيس الوزراء المقيدة نسبيا بخصوص قطاع غزة.

وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن حكومة يسار الوسط الجديدة قد تصل إلى السلطة إذا أجرت إسرائيل انتخابات مبكرة. وستتمتع بحرية أكبر في التفاوض مع السلطة الفلسطينية حول مطالبها بالسيطرة على قطاع غزة.

6