أزمات لبنان مزمنة ترحل معه من عام إلى آخر

التوافق على شخصية الرئيس يعد مفتاحا لانتخابه، لكن الأمر يرتبط بتوافقات إقليمية ودولية.
الجمعة 2022/12/30
أزمات تخنق اللبنانيين

بيروت – يدخل لبنان العام 2023 حاملا كل أزماته السياسية ذات المصير المجهول ما يفاقم من الوضع المعيشي المتدهور، ويحول دون إجراء حوار فعال يحسن الوضع في بلد يعاني من أسوأ أزمة معيشية فيه.

ووفق الكاتب والمحلل السياسي طوني عيسى فإن “لبنان من البلدان التي تحمل الأزمات من عام إلى عام.. وسننتقل إلى 2023 حاملين معنا كل القضايا والملفات الحالية نفسها”.

وأبرز هذه الملفات، بحسب عيسى، هي “انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وجلسات التشريع البرلمانية والمواضيع الاجتماعية والهجرة غير النظامية والنازحون السوريون”.

ويعد التوافق على شخصية الرئيس مفتاحا لانتخابه، لكن الأمر يرتبط بتوافقات إقليمية ودولية.

توفيق شومان: حل الأزمات لم يحن في الخارج بينما يقف الداخل متفرجا
توفيق شومان: حل الأزمات لم يحن في الخارج بينما يقف الداخل متفرجا

وقال الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان إن “الاستحقاق الرئاسي يواجه تعثرا كبيرا بسبب العقبات السياسية التي حالت دون انتخاب رئيس في الموعد الدستوري المحدد وستُنقل الخلافات إلى السنة المقبلة”.

وبينما يتردد حديث داخلي عن أن التوافق على انتخاب الرئيس سيتم في الربيع المقبل، شكك شومان بالأمر خاصة وإن “بقيت الخلافات على حالها فلن تصبح الآمال المعقودة سوى رهانات تخفق”.

ومتوقعا أن حل هذا الملف ليس بقريب، اعتبر عيسى أن “الحل ليس بانتخاب رئيس لأن في عهد الرئيس السابق وقعت النكبات وستنتقل إلى العهد الجديد”.

وخلال 79 عاما لم تنتقل السلطة في لبنان من رئيس إلى آخر بطريقة سلسة وعبر انتخابات رئاسية طبيعية، إلا خلال عهدين من أصل 13، وحدث بعد استقلال لبنان عام 1943 شغور رئاسي 3 مرات.

ولا يقف الفراغ الرئاسي وحيدا في لبنان، بل يرافقه فراغ حكومي حيث توجد حكومة تصريف أعمال محدودة السلطات برئاسة نجيب ميقاتي الذي كلفه الرئيس ميشال عون منذ يونيو بتشكيل حكومة جديدة، لكن الخلافات السياسية وعدم القدرة على التوافق حالا دون تشكيل حكومة جديدة.

وينص الدستور على أن تتولى الحكومة صلاحيات رئيس البلاد في حال تعثّر انتخاب رئيس جديد قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي، إلا أن الحال يختلف مع وجود حكومة تصريف أعمال.

ويخيم على الأوساط القانونية والسياسية في لبنان خلافٌ بشأن تولّي الحكومة الحالية صلاحيات الرئيس، لأنها بحكم المستقيلة بموجب الدستور منذ إجراء الانتخابات التشريعية في مايو الماضي، وتتولى مهامّ تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.

وفي الخامس من ديسمبر الجاري دعا ميقاتي إلى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، بينما أعلن وقتها 9 وزراء محسوبين على التيار الوطني الحر (تيار عون) رفضهم المشاركة في الجلسة، معتبرين أن “الدستور لا يسمح لحكومة تصريف الأعمال بتسلّم صلاحيّات رئيس الجمهورية، وهي فاقدة للصلاحيّات الدستورية وللثقة البرلمانية كونها لم تحظَ بثقة البرلمان الحالي”.

ورغم ذلك، عقد مجلس الوزراء جلسته بعد اكتمال النصاب وحضور 17 وزيرا من أصل 24، وأقر طلبات مالية ليكون الاجتماع الأول والوحيد منذ انتهاء ولاية عون.

2

مليون و80 ألف لاجئ سوري في لبنان، وفي الآونة الأخيرة وضعت الحكومة خطة لإعادة 15 ألف لاجئ إلى سوريا شهريا

ومتحدثا عن هذه الجلسة، رجح شومان أنه “بعد العاصفة التي أُثيرت سيكون هناك نوع من الحذر والخوف الشديد من تكرار هذه التجربة.. والأمور ذاهبة إلى التشاور بين رئيس الحكومة وكل وزير مختص حول الملفات العالقة”.

 ومطلع ديسمبر الجاري حاول رئيس البرلمان نبيه بري الدعوة إلى حوار بين الكتل النيابية للاتفاق على رئيس توافقي، إلا أنه اصطدم بمعارضة من حزبي “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، فتراجع عن هذه الدعوة. وبالنسبة إلى مصير أي حوار داخلي، رأى شومان أن “الحوار يمر عبر طريق مسدود ويرتطم بجدران عالية في لبنان”.

واعتبر أنه “طالما أن الحوار يصطدم بجدران فهذا يعني أننا أمام المزيد من العواصف والخلافات السياسية بين القوى والتيارات والأحزاب الفاعلة بصورة أساسية”. وبالرغم من تطمينات المسؤولين الأمنيين في لبنان، إلا أن المخاوف لا تزال مرتفعة من وقوع أي حدث أمني.

وأكد وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي في تصريح صحفي مؤخرا أن “الوضع الأمني ممسوك والأجهزة الأمنية والعسكرية تقوم بواجباتها وهي على جاهزية عالية”. وأضاف المولوي أنه “لا يوجد تخوف من أحداث أمنية خطيرة.. وعدم استقرار الوضع السياسي لن يؤدي إلى خلل أمني في ظل حرص القيادات الأمنية على ضبط الأمن”.

كما طمأن قائد الجيش العماد جوزيف عون، خلال لقاء مع ميقاتي، بأن “الوضع الأمني ممسوك، وليست هناك أي مخاوف من حوادث فردية قد تؤدي إلى تفلّت أمني”. لكن عيسى أعرب عن “خوفه من أن يؤدي تفاقم أو اهتراء الوضع السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي للبنانيين إلى وضع خطير على الصعيد الأمني”.

طوني عيسى: الأزمات الحادة قد تؤدي إلى وضع أمني خطير
طوني عيسى: الأزمات الحادة قد تؤدي إلى وضع أمني خطير

أما شومان فرأى أن “هناك تراجعا لمساحة سيطرة الدولة على المجتمع في الوقت الذي ترتفع فيه نسبة الجريمة اليومية”.

وأعرب عن تخوفه من “تفلت الأمن الفردي والاجتماعي لا الأمن الوطني”، لافتا إلى أن “ارتفاع نسبة الجرائم مهول في الأشهر الأخيرة وهذا مؤشر ميداني إلى مستوى تدهور الأمن الاجتماعي والفردي على المستوى العام”.

ويوجد في لبنان نحو مليونين و80 ألف لاجئ سوري، وفي الآونة الأخيرة وضعت الحكومة خطة لإعادة 15 ألف لاجئ إلى سوريا شهريا. إلا أن الخطة تصطدم برفض الأمم المتحدة، التي ترى أن الأمن لم يستتب بعد في سوريا وتطلب من لبنان التريث حاليا.

وكان ميقاتي جدد في وقت سابق مطالبة المجتمع الدولي بالتعاون لإنهاء أزمة النزوح السوري التي تضغط على لبنان على الصعد كافة. ويعاني معظم اللاجئين السوريين في لبنان من الفقر، كما ساءت ظروفهم المعيشية بسبب غرق لبنان في مشكلات اقتصادية وأخرى متعلقة بإمدادات الطاقة منذ عام 2019.

ورجح شومان أن “المشكلة باقية لسنوات طويلة ما يزيد من أثقال لبنان بالمزيد من التعقيدات والانهيارات منها الانهيار الأمني والضغط على ما تبقى من البنى التحتية”.

وكان مفترضا أن تُجرى الانتخابات البلدية والاختيارية (انتخاب مخاتير البلدات) في مايو الماضي، إلا أنه تم تأجيلها إلى 2023 بسبب عدم الجاهزية المادية والبشرية ولتزامنها مع الانتخابات النيابية. لكن شومان توقع أن يتم “تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية من جديد وترحيلها حتى إشعار آخر”، وسط الركود في السلطات الأساسية بالبلاد.

ولطالما ارتبطت الحلول داخل لبنان بالوضع الإقليمي والدولي، حيث يرى عيسى أن “الحل في لبنان لم تأتِ ساعته من قبل الخارج بينما يقف الداخل كالمتفرج فاقدا القدرة والإرادة على الحل”، واعتبر أن “المشكلة الأساسية تكمن بعدم وجود إرادة لإيجاد حل سياسي كبير على مستوى لبنان ينهي الأزمة”.

7