أزمات لبنان المتفاعلة تنذر بموجات هجرة جديدة صوب أوروبا

بيروت - تشكل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان منذ نحو ثلاث سنوات، حافزا للآلاف من الأشخاص بما في ذلك اللاجئين الفلسطينيين والسوريين للفرار من هذا الجحيم، وهو ما يهدد بموجات هجرة جديدة لاسيما صوب أوروبا.
وسلّط “يوم غضب” آخر قادته نقابات النقل في لبنان في الثالث عشر من الشهر الجاري الضوء على التحديات التي تواجه الناس في البلاد والأسباب التي تجبر عددا متزايدا منهم على المخاطرة برحلة بحرية إلى أوروبا.
وأدت الإضرابات التي شملت جميع أنحاء البلاد إلى تعطيل طرق النقل مؤقتا وإغلاق المدارس والجامعات، ورافقتها تهديدات بالعنف في المستقبل من قبل بعض المتظاهرين.
وقابلت الحكومة اللبنانية هذه التحركات الاحتجاجية بالتجاهل كما كان متوقعا، ولم تفعل سوى القليل للتخفيف من أزمة الوقود الحادة، ناهيك عن الانهيار الاقتصادي الأكبر في البلاد. وفي الواقع، بحلول ظهر يوم الثالث عشر من يناير تضاءلت المسيرات ما يعكس حالة اليأس من إمكانية أن يجد المحتجون من يستمع إليهم من السلطة.
وكبل وضع لبنان المالي المنهار الحكومة التي تواجه صعوبة كبيرة في تأمين شحنات الوقود من بين الواردات الأخرى، والتي يتم تسعيرها عادة بالدولار الأميركي (يتم تداول الليرة اللبنانية الآن بأقل من 30 ألفا مقابل الدولار وهو انخفاض هائل منذ العام 2019، عندما كان مربوطا بسعر 1500 مقابل الدولار). كما تسبب تحرك البنك المركزي لرفع دعم الوقود في أغسطس الماضي في زيادة تكلفة الوقود في لبنان وندرته.
1570 شخصا على الأقل من لبنان حاولوا الوصول إلى قبرص عن طريق البحر في العام 2021 مقارنة بـ270 شخصا فقط سعوا لذلك في العام 2019
وأدت أزمة الوقود الأخيرة إلى المزيد من التدهور في الظروف المعيشية في لبنان، وبحسب الإحصائيات فإن نحو ثمانين في المئة من اللبنانيين يعيشون في فقر. كما زاد من اعتماد البلاد على حزب الله المدعوم من إيران، الذي دأب على ترتيب شحنات وقود إيرانية عبر سوريا.
وعلى ضوء هذا الوضع المأزوم من المرجح أن تشهد البلاد المزيد من الاضطرابات العنيفة مع استمرار الحكومة في تأخير الإصلاحات العميقة اللازمة لعكس مسار لبنان التنازلي.
وتُجري الحكومة اللبنانية محادثات مع صندوق النقد الدولي من أجل حزمة إنقاذ. لكن بيروت لم تبذل سوى القليل من الجهد لخفض أسعار الوقود أو بدء العملية السياسية التي قد تُخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية الأكبر.
ويؤثر الشلل السياسي على قدرة الحكومة حتى في القيام بالوظائف الأساسية، حيث لم تجتمع الحكومة اللبنانية منذ أكتوبر الماضي. وفي الفترة التي تسبق الانتخابات التشريعة المزمعة في الربيع، لم تظهر أحزاب أو قيادات سياسية جديدة قادرة فعلا على التأثير إيجابيا في مجريات الأحداث الجارية.
وبالتالي، من المرجح أن تؤدي الاضطرابات الناجمة عن تلاقي الأزمات في لبنان إلى المزيد من التدهور في الظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بدلا من تحفيز الحكومة على معالجتها بجدية. ومع فشل الاحتجاجات في تحفيز الإصلاحات، سيستنتج المزيد من اللبنانيين أيضا أن العمل السياسي والاجتماعي للضغط على الحكومة لا طائل من ورائه.
وبتضاؤل فرص أي تحسين للظروف الاقتصادية أو السياسية في لبنان على المدى القريب، سيحاول المزيد من المواطنين والمقيمين مغادرة البلاد. ويهاجر اللبنانيون من الطبقة الوسطى بالفعل البلاد إلى أوروبا والأميركتين ودول الخليج العربي من خلال عمليات الهجرة الرسمية. ولكن مع استمرار تدهور الظروف المعيشية، من المرجح أن يحاول عدد متزايد من المواطنين اللبنانيين الأفقر (إلى جانب اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الذين يعيشون في البلاد) الهروب إلى أوروبا عبر الطرق البحرية غير القانونية.
وبحسب تقديرات حكومية، غادر ما بين 10 آلاف و12 ألف فلسطيني لبنان في العام 2020 مقارنة بنحو 6 آلاف إلى 8 آلاف غادروا لبنان في العام 2019. كما أشارت الأمم المتحدة إلى تصاعد محاولات عبور مهاجرين لبنانيين إلى قبرص (أقرب نقطة دخول إلى الاتحاد الأوروبي من لبنان). ووفقا لسجلات الأمم المتحدة، حاول 1570 شخصا على الأقل من لبنان الوصول إلى قبرص عن طريق البحر في العام 2021 مقارنة بـ270 شخصا فقط حاولوا ذلك في 2019.

وقد يدفع التهديد بأزمة مهاجرين أخرى أوروبا إلى تقديم مساعدات مالية للحكومة اللبنانية، على الرغم من أن هذا لن يؤدي إلا إلى تمكين أولئك الذين تسببوا في أزمات البلاد من البقاء في السلطة.
وأصبح الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة أقل تقبلا لاستقبال المهاجرين غير النظاميين (أو غير المسجلين)، كما يتضح من الاستجابة العدوانية لأزمة المهاجرين الأخيرة على الحدود البولندية – البيلاروسية.
وأظهرت بروكسل استعدادا أكبر لمساعدة الحكومات في البلدان التي يأتي منها المهاجرون أو يمرون عبرها (كما حدث مع تركيا)، حتى لو كانت لديها تحفظات على السياسات التي تعتمدها تلك الحكومات.
وتمنح العلاقات الوثيقة بين فرنسا ولبنان بروكسل نفوذا أكبر على الحكومة اللبنانية، لكن الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي لن يعالج جوهر مشاكل لبنان المتجذرة في النظام السياسي، مما يجعله ملطّفا وليس حلا للعدد المتزايد من المهاجرين القادمين من لبنان.