أرض الصومال تستعد لانتخابات مزدوجة في ظروف إقليمية معقدة

تلقي الأوضاع الإقليمية بظلالها على الانتخابات المزدوجة المقرر إجراؤها في أرض الصومال الشهر المقبل، وهناك وعي متزايد لدى السكان بضرورة أن يشكل الاستحقاقان الرئاسي والحزبي مرتكزا للاستقرار في ظل التحديات المحيطة والمرشحة للتفاقم.
هرجيسا - يستعد إقليم أرض الصومال، لإجراء انتخابات رئاسية وحزبية في الثالث عشر من نوفمبر المقبل، في ظل ظروف إقليمية معقدة، مع تصاعد التوتر بين الصومال وإثيوبيا، ودخول أطراف ثالثة مثل مصر على خطه. وهذه الانتخابات السابعة في تاريخ الإقليم الذي كان أعلن الاستقلال عن الصومال من جانب واحد في بداية تسعينات القرن الماضي، بعد عقود من الوحدة المشوهة.
وانطلقت الحملة الانتخابية في أرض الصومال السبت 19 أكتوبر الجاري، على أن تختتم في العاشر من نوفمبر المقبل، حيث تتنافس ثلاثة أحزاب رئيسية، هي الحزب الحاكم ”كلميه“ وحزبا المعارضة "وطني" و"أوعد" اللذان حصدا الأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو 2021.
تأثيرات الإقليم
من المرجح أن تؤثر الأوضاع الإقليمية الجارية على حظوظ الأحزاب المتنافسة، ويعتقد محللون أن الحزب الحاكم يحظى بفرصة ثمينة لاستعادة توازنه الذي اختل في الانتخابات النيابية الأخيرة، في ظل مخاوف تسكن شعب أرض الصومال من الوضع الإقليمي وارتداداته على الدولة التي تنازع من أجل الاعتراف الدولي بها.
ووجد إقليم أرض الصومال نفسه منذ يناير الماضي عالق في خلاف بين إثيوبيا والحكومة المركزية الصومالية، على خلفية توقيع هرجيسا اتفاقا مع الدولة الأفريقية الحبيسة يقضي بمنح الأخيرة منفذ على البحر الأحمر، في مقابل اتخاذها خطوة الاعتراف بدولة أرض الصومال.
الخطوة أثارت غضب الحكومة المركزية في الصومال التي أعلنت عدم الاعتراف بالاتفاق، أعقبت ذلك سلسلة من الإجراءات بينها طرد السفير الإثيوبي، وإمهال القوات الإثيوبية حتى نهاية العام الجاري لمغادرة أراضي الصومال، وهو موعد انتهاء تفويضها ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية، حيث من المفترض أن تتم الاستعاضة عنها ببعثة أفريقية جديدة في العام 2025.
وقد أبدت مصر رغبة في لعب دور في تشكيل البعثة الجديدة، بعد توقيعها اتفاقا دفاعيا مع مقديشو في الرابع عشر من أغسطس خلال زيارة للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة.
الترفع عن الخلافات الداخلية
ترافق ذلك مع إرسال القاهرة لدفعات من الأسلحة إلى الصومال، ووفود عسكرية. وأثارت الاندفاعة المصرية مخاوف أرض الصومال من أن يدفع الدعم المصري مقديشو إلى المزيد من التصلب تجاهها، وربما اتخاذ خطوات دراماتيكية بحقها بما يهدد كيانها كدولة تبحث عن الاعتراف الدولي بها.
يعزز هذا الوضع المحفوف بالمخاطر، وعي سكان أرض الصومال بضرورة الوحدة أكثر من أي وقت مضى، وأنه لابد من الترفع عن أي خلافات داخلية من أجل مواجهة التحديات المحيطة، ويشكل هذا المعطى أحد أركان الحملة الانتخابية للرئيس الحالي موسى بيحي عبدي. وإلى جانب عبدي يخوض السباق الرئاسي أيضا عبدالرحمن محمد عبد الله عرو، من حزب “وطني”، وفيصل علي وأرابي من حزب "أعد".
ويجري الاستحقاق الرئاسي بالتزامن مع انتخابات حزبية تتنافس فيها عشر منظمات سياسية، من ضمنها الأحزاب السياسية الثلاثة التقليدية، وسبعة منظمات سياسية جديدة تسعى للتحول إلى حزب سياسي. وبحسب الدستور، فإن الأحزاب الثلاثة التي تتصدر المشهد الانتخابي، أي تحوز على أعلى نسبة تصويت، هي التي ستصبح أحزابا سياسية رسمية.
◙ الاستحقاق الرئاسي يجري بالتزامن مع انتخابات حزبية تتنافس فيها عشر منظمات سياسية وسبعة منظمات سياسية جديدة
وفي وقت سابق، اتفق الفاعلون السياسيون في أرض الصومال على معالجة الخلافات السابقة بشأن تسلسل الانتخابات للمنظمات السياسية والاستحقاق الرئاسي، وكان الرئيس عبدي دعا إلى إجراء انتخابات للمنظمات السياسية قبل الانتخابات الرئاسية، وهو الموقف الذي قوبل برفض أحزاب المعارضة قبل الاتفاق على إجرائهما معا.
وقالت أستاذة العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة، هبة البشبيشي، إن إقليم أرض الصومال سوف يسعى لتوظيف علاقته الجيدة مع إثيوبيا لتمرير الانتخابات والاستفادة من القوة الإثيوبية الداعمة له على الأرض والتسويق أمام المجتمع الدولي للاعتراف بها، والتأكيد على أن مشروع الانتخابات يساعد على تحقيق الاستقرار داخل الإقليم غير المعترف به دوليَا.
وأضافت البشبيشي في تصريح لـ”العرب”، أن العلاقة على الجانب الآخر بين إثيوبيا والصومال تنحو نحو المزيد من التوتر على نحو أكبر، حيث ترى مقديشو أن جل تحركات أديس أبابا تنصب في سياق دعم انفصال إقليم أرض الصومال علنا، وبناء على ذلك ستبحث الحكومة المركزية الصومالية عن دعم الدول التي لديها مشكلات مع إثيوبيا للاصطفاف إلى جانبها.
ولفتت إلى أن الصراع بين إثيوبيا والصومال سيكون قابل للتطور عبر تشجيع انفصال أقاليم إثيوبيا مماثلة، وفي حال هدد أي من الأقاليم الإثيوبية بذلك فإنه سيكون مفتاح لنزاعات أكبر في المنطقة، إلا في حال جرى تهدئة الأوضاع على نحو يضمن استقرار كلاً من البلدين، وقد يكون ذلك من خلال وساطات دول أفريقية عديدة.
وكانت إثيوبيا أقدمت في أغسطس الماضي، على سابقة من نوعها ، بتعيين مندوبا جديدا بدرجة سفير إلى أرض الصومال. وتسلّم رئيس أرض الصومال في الثلاثين من أغسطس أوراق اعتماد تيشومي هاميتو ممثل إثيوبيا الجديد لدى هرغيسا.
وتوقعت أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن تقوم دولة الصومال باتخاذ إجراءات من شأنها الحشد داخل أروقة الاتحاد الإفريقي لتشكيل تكتل يقطع الطريق على أي محاولات للاعتراف بأرض الصومال، وليس من المستبعد أن تدعو الصومال لعقد جلسة للاتحاد الأفريقي قبل إجراء الانتخابات.
◙ الانتخابات المزمع إجراؤها هي خطوة لاستكمال أركان الدولة التي يعد النظام السياسي جزءاً رئيسيَا منها
من جهته قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، في تصريح لـ”العرب” إن الانتخابات المزمع إجراؤها هي خطوة لاستكمال أركان الدولة التي يعد النظام السياسي جزءاً رئيسيَا منها، وهو إجراء هدفه الرئيسي بعث رسائل للمجتمع الدولي بأن أرض الصومال تمثل دولة وليس إقليم انفصالي عن الصومال.
وبحسب لجنة الانتخابات الوطنية بأرض الصومال، فإن الانتخابات الرئاسية والحزبية لهذا العام تتميز بمشاركة واسعة، حيث سيشارك فيها مليون و720 ألف ناخب، أي بنسبة تزيد عن 60 في المئة مقارنة بالانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2017، حيث كان عدد الناخبين المسجلين حينها 704 آلاف و980 ناخبا.
وأرض الصومال كانت في السابق محمية بريطانية حصلت على استقلالها لفترة وجيزة في 26 يونيو 1960، إلا أنها اتحدت طوعًا مع أرض الصومال الإيطالية السابقة لتشكيل الجمهورية الصومالية، لكن ثبت أن هذا الاتحاد صعب، وقد ناور البلدان لعقود من الزمن في حالة من التوتر السياسي والتفاوت الاقتصادي والحرب.
وعندما انهارت الحكومة الصومالية في عام 1991، حظيت أرض الصومال باللحظة المثالية لإحياء سيادتها. وبعد الحرب الأهلية، انطلقت أرض الصومال في مسار بناء الدولة: تثبيت استقرار الحكومات، وإنشاء مؤسسات ديمقراطية فعّالة، وتركيز مجتمع مدني حيوي.
وكانت كل هذه الأمور مبنية على دستور تمت المصادقة عليه من خلال استفتاء شعبي في عام 2001 لوضع الأساس الذي يقوم عليه الحكم في أرض الصومال، والذي يستند على حكم القانون، والفصل بين السلطات، واحترام حقوق الإنسان الأساسية. ورغم هذه الإنجازات فأرض الصومال بقيت “دولة غير معترف بها".