أردوغان يطلب لقاء مستحيلا مع الأسد في نيويورك لدفع مسار التطبيع

اسطنبول - طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقاء نظيره السوري بشار الأسد في نيويورك على هامش أعمال الأمم المتحدة، من أجل "تطبيع" العلاقات بينهما، حسبما أعلن السبت، وهو مطلب يبدو صعب التحقق إن لم يكن مستحيلا في الوقت الراهن لعدم اعتزام الأسد التوجه إلى الولايات المتحدة نظرا لصدور مذكرة اعتقال بحقه.
وقطعت الدولتان جميع علاقاتهما الرسمية عام 2011، إثر بدء النزاع السوري.
وتحتضن نيويورك يومي 22 و23 سبتمبر أيلول "قمة المستقبل" بمشاركة رؤساء دول وحكومات قبيل انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومن المتوقع أن يشارك نحو 130 رئيس دولة وحكومة في القمة التي تناقش أهمية التعاون الجماعي وتعزيز دور المنظمات الدولية لمواجهة التحديات الحالية.
وقال أردوغان للصحافيين قبل توجهه للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث من المقرر أن يتحدث الاثنين، "طلبنا لقاء بشار الأسد من أجل تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا. ونحن الآن ننتظر الرد من الطرف الآخر".
وبغض النظر عن رد دمشق، يعتقد أن أردوغان يقصد من خلاله تصريحه التمسك بتطبيع العلاقات مع الأسد ولا ينوي لقاءه في نيويورك لأنه يعلم جيدا صدور مذكرة اعتقال فرنسية بحق الأسد بتهمة التواطؤ المزعوم في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، إلى جانب خضوعه لعقوبات أميركية وأوروبية.
وتعد الولايات المتحدة من أبرز الدول المناوئة للنظام السوري، وفرضت عليه العديد من العقوبات. وعلى الرغم من أن العزلة الدولية بدأت في التراجع، لكن واشنطن تصر على رفض التطبيع مع دمشق.
ومنذ بداية النزاع، فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات على الحكومة السورية وعلى الرئيس السوري وعدد من أفراد عائلته وشخصيات وزارية واقتصادية في البلاد.
وفي 2020، دخلت مجموعة جديدة من العقوبات حيز التنفيذ بموجب قانون "قيصر" استهدفت العديد من أفراد عائلة الأسد والمقربين منه، بمن فيهم زوجته أسماء الأسد.
وفرض بموجب القانون عقوبات مشددة على أي كيان أو شركة تتعامل مع النظام السوري.
ودعم الرئيس التركي جهود المعارضة السورية للإطاحة بنظام بشار الأسد، لكنه يسعى منذ عدة أشهر إلى التقارب معه ودعاه لزيارة تركيا، من دون نتيجة حتى الآن.
وتستقبل أنقرة التي تسيطر على أجزاء كبيرة من الأراضي في شمال غرب سوريا بدعم من فصائل سورية معارضة، أكثر من 3.2 مليون لاجئ سوري، بحسب بيانات رسمية للأمم المتحدة، من أصل عدد سكان يبلغ 85 مليون نسمة.
وتشترط سوريا الحصول على ضمانات من أنقرة بإعلان جدول لسحب قواتها من الأراضي السورية ووقف الدعم المقدم للمجموعات التي تصنفها سوريا "إرهابية".
ويعد الوجود التركي في الشمال السوري أحد الأسباب الرئيسية التي تحول دون تطبيع للعلاقات بين دمشق وأنقرة، لكن ذلك ليس الدافع الوحيد حيث تريد دمشق من تركيا رفع الغطاء عن الفصائل التي تدعمها.
وتشكلت الفصائل في سوريا منذ العام 2013، واستولت بدعم إقليمي منذ ذلك التاريخ وحتى العام 2015، على حوالي 70 في المئة من جغرافيا البلاد، ليتغير الوضع مع دخول روسيا على الخط، وانحسر مكان وجود الفصائل في شمال غرب البلاد.
وتشهد مناطق سيطرة القوات التركية وفصائل "الجيش الوطني السوري" الموالي لأنقرة، احتجاجات مستمرة على خطوات التطبيع مع دمشق، وفي مقدمتها السعي إلى فتح المعابر التجارية بين مناطق سيطرة المعارضة والحكومة بدعم من سوريا.
وخرجت مظاهرة حاشدة في عفرين، الجمعة، احتجاجا على التطبيع، وللمطالبة باستعادة القرار العسكري للثورة من سيطرة تركيا وإسقاط الحكم في دمشق.
وليل الخميس- الجمعة، خرجت في مخيمات "تجمع الكرامة" و"أطمة" ضمن مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" في ريف إدلب، مظاهرة رفضا للاعتداء واعتقال متظاهرين من قِبَل الشرطة العسكرية الموالية لتركيا في منطقة "نبع السلام" في عفرين بريف حلب الشمالي.
وأطلقت الشرطة العسكرية الموالية لتركيا الرصاص المباشر والغازات المسيلة للدموع على المتظاهرين في مدينة عفرين، خلال احتجاجات جرت، الخميس، للمطالبة بإطلاق سراح 18 شخصاً تم اعتقالهم في مظاهرة رافضة للتطبيع بين أنقرة ودمشق وفتح المعابر، عند حاجز كفرجنة.
وجاءت هذه التطورات بعد رفض فصيل "لواء صقور الشمال" حلّ نفسه والانضمام إلى فصيل "الجبهة الشامية"، ما أغضب الجانب التركي الذي طلب من فصائل "العمشات"، و"الحمزة"، و"السلطان مراد"، رفع حالة الاستنفار في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون.
وتسعى تركيا إلى تنفيذ اتفاقها مع الجانب الروسي على فتح المعابر التجارية، بدءاً من معبر أبوالزندين، كما تجاوبت للمرة الأولى مع طلبات المنظمات الدولية، وسمحت بدخول وفد "اليونيسيف" لزيارة محطة مياه "علوك" في رأس العين شمال الحسكة، ضمن منطقة نبع السلام الخاضعة للقوات التركية، تحت حماية روسية، بهدف إجراء أعمال صيانة ضرورية لإعادة ضخ المياه إلى مدينة الحسكة، التي تعتمد بشكل كبير على مياه الشرب القادمة من هذه المحطة. وعدت هذه الخطوات بمثابة تأكيد لاستمرار مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق.
على صعيد آخر، أشار رجب طيب اردوغان إلى أن "غزة ستكون في صميم" مناقشاته في نيويورك، مؤكدا أن "تركيا تريد أن تؤدي دورا في وضع حد للفظائع المرتكبة في غزة".
ورغم عدم تأكيد لقاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن، أكد أردوغان أنه منفتح على لقاءات مفاجئة بناء على التطورات خلال الجمعية العامة.
وأضاف "سأناقش الإجراءات المشتركة التي يمكن اتخاذها ضد الإبادة الجماعية في غزة وسياسات إسرائيل العدوانية".
واعتبر الرئيس التركي أن "الهجمات الأخيرة التي نفذتها إسرائيل ضد لبنان تبرر مخاوف تركيا بشأن مخاطر توسع النزاع".
وتابع أردوغان "يجب على المجتمع الدولي، وخاصة الدول الغربية، التوقف عن تأمّل عمليات القتل التي ترتكبها إسرائيل واتخاذ إجراءات رادعة".
وأكد "من ناحيتنا، كتركيا، سنسعى جاهدين لنرى ما يمكننا القيام به ضد عاصفة الموت التي تطلقها الصهيونية العالمية في الشرق الأوسط".
وفي الآونة الأخيرة، ترددت أنباء إعلامية عن لقاء أردوغان بنائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في نيويورك قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، في محاولة للحفاظ على التحسن الأخير في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة. ولم يعلق أردوغان على ذلك خلال المؤتمر الصحافي.