أردوغان يخنق علمانية تركيا بحبال عثمانية غليظة

الأربعاء 2014/12/17
"العثمنة" تجري بالتوازي مع الأخونة في خبايا شخصية أردوغان المريبة

أنقرة - يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الدخول في صراع مع المجتمع التركي وبدأ يقترب من مناطق حساسة تمثل محاولة تغييرها عبثا بهوية المجتمع، وعلى رأسها التعليم، من خلال اتجاهه لفرض اللغة العثمانية ضمن المناهج الدراسية للمرحلة الثانوية.

بات الطلاب في تركيا على موعد مع العودة بالتاريخ إلى حقبة تاريخية ليست بالقريبة بعد أن قرر الرئيس رجب طيب أردوغان إعادة تدريس اللغة العثمانية في المدارس الثانوية.

ويصر أردوغان على إعادة إحياء مناحي الحياة في تركيا كما كانت عليه إبان حكم الامبراطورية العثمانية، وهو جانب ساهم في تشكل شخصية الرئيس الجديد منذ أن كان يشغل منصب رئيس الوزراء.

وينظر أردوغان إلى مسألة تدريس اللغة العثمانية باعتبارها قضية هوية، ويصر على السير عكس اتجاه مؤسس تركيا العلمانية كمال أتاتورك في سعيه إلى فرض هيمنة للسلطات على الحياة العامة تنبني في جوهرها على إعادة إحياء الدين كمرتكز أساسي ومرجعية وحيدة للمجتمع.وأحد أركان المرجعية الدينية، كما يراها أردوغان، هي اللغة العثمانية.

وكانت الهيئة العامة لمجلس شورى التربية الوطنية في تركيا، التي يسطر عليها الإسلاميون، أوصت بإدراج اللغة العثمانية في المناهج الدراسية الرسمية، وبالتالي بات بإمكان وزارة التربية إعداد مشروع قانون يقدم أمام البرلمان، ليجري البدء بتدريس المادة بعد صدور القانون.

والعثمانية كانت اللغة الرسمية للسلطنة العثمانية، وكانت تكتب بأحرف عربية وتشمل الكثير من الكلمات العربية أو فارسية الأصل. واتخذ أتاتورك أكبر قرار راديكالي في القرن العشرين عام 1928 عندما قرر استبدال حروف اللغة العثمانية القريبة من العربية والفارسة باللغة اللاتينية ووقف تدريسها بعد نحو ألف عام على تداولها.

ومثلت تحركات أتاتورك وقتها انعطافا حادا تجاه الغرب. ورأى أن الامبراطورية العثمانية شكلت عبئا على الدولة جعل منها خصما ضعيفا في مواجهة أعدائها، فقرر إعادة التموضع في إطار من القومية العلمانية.

وكانت اللغة العثمانية حينئذ تقتصر في استخدامها على الطبقات القريبة من الباب العالي والبلاط السلطاني فقط، بينما كان الشعب التركي في أغلبه يستخدم اللغة التركية. وقرر أتاتورك أن يقترب النظام الحاكم من العامة عبر اللغة.

يفرض أردوغان هيمنة على الحياة العامة تنبني على إعادة إحياء الدين كمرتكز أساسي ومرجعية وحيدة للمجتمع

نفذ أتاتورك خطته بطريقة مثيرة، إذ كان على الأمة التركية أن تتعلم قائمة كبيرة من المفردات الجديدة في يوم واحد، بينما عكف المسؤولون في الحكومة على وضع قاموس جديد للغة التركية.

ويقول جيفري لويس، عالم اللغات في جامعة أكسفورد، واصفا العملية الضخمة “لقد وضعت حكومة أتاتورك ثلاث طرق لإتمام عملية فرض اللغة التركية الجديدة، كان أولها إعادة اكتشاف مصادر اللغة التي يتم استعمالها في الأحاديث اليومية، ثم عكفت الحكومة على تجميع الكلمات من النصوص القديمة، بل ووصل الأمر إلى اختراع كلمات جديدة تماما”.

وبدأت عملية ضخمة لتجميع الكلمات عام 1932. وتم تكليف كل محافظ بترؤس لجنة لتجميع الكلمات التي يستخدمها الناس.

وبحلول عام 1933 كانت أكثر من 35 ألف كلمة جديدة قد تم تسجيلها، بالتزامن مع البحث الدؤوب للعلماء في القواميس والنصوص القديمة، وهو ما أسفر عن وصول المحصلة النهائية إلى 90 ألف كلمة.

لكن الرئيس التركي الحالي ظل يحمل أجندة معادية لهذه التحركات. ولا تنحصر جهود أردوغان في إحياء التراث العثماني داخل حدود البلاد فقط، بل تمت لتشكل محركا أساسيا للسياسة الخارجية التركية أيضا.

واتهم مراقبون في مناسبات كثيرة أردوغان بمحاولة “ارتداء عباءة خليفة المسلمين واكتساب دور إقليمي من خلال تبني مواقف إزاء الصراعات التي تشهدها المنطقة، وعلى رأسها الحرب الأهلية في سوريا والاضطرابات السياسية في مصر، والقلاقل الأمنية في ليبيا”.

لكن الوجه العثماني للنظام التركي باتت ملامحه أكثر وضوحا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي أجريت في شهر أغسطس الماضي والتي فاز فيها أردوغان بالمنصب من الجولة الأولى.

عاكف حمزة تشابي: "يفرضون العثمانية على الطلاب لكي يقرأوا فقط شواهد القبور"

وشكل هذا الفوز على ما يبدو ضوءا أخضر أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم لفرض أجندته الإسلامية المحافظة على كافة أركان الدولة، بما في ذلك التعليم.

وقال أردوغان إن تعليم اللغة العثمانية في المناهج التدريسية الرسمية في بلاده أمر سيتم لا محالة “شاء من شاء وأبى من أبى”.

وهاجم أردوغان خلال مشاركته في “مجلس شورى الديني الخامس”، من يعارضون تلك الخطوة، واصفا إياهم بالخطر الكبير.

وأردف قائلا “سواء قبلوا أو رفضوا، سيتم تعليم اللغة العثمانية وسيجري تدريسها في بلدنا، هناك من يحمي هويته وسيبقى يحميها إلى قيام الساعة”.

وتساءل عن سبب الانزعاج من تعليم اللغة العثمانية “مع أنها هي اللغة التركية القديمة وليست لغة أجنبية، ويمكن بواسطتها معرفة مختلف العلوم والحقائق”.

لكن الأحزاب السياسية المعارضة لا تتفق مع هذا الطرح، وترى أن هناك أولويات أخرى وجوانب تعليمية يجب على الحكومة أن تعيرها بعض الاهتمام أولا بدلا من اللهفة غير المسؤولة على تعليم لغة قديمة تحتاج إلى كثير من التحديث قبل أن يتم طرحها ضمن المناهج الدراسية.

وقال عاكف حمزة تشابي، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الجمهوري “مع الأسف، أطفالنا ليسوا في أفضل حال في مادة الرياضيات، فتركيا تحتل المرتبة 44 ضمن 65 دولة، اتركوا اللغة العثمانية، واتجهوا نحو الرياضيات، والمواد العلمية”. وأضاف موجها كلامه لرئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو ووزير التعليم نابي أفجي “أنتما تريدان تدريس العثمانية للطلاب حتى يتمكنوا فقط من قراءة شواهد القبور”.

لكن شواهد القبور ليست هي كل ما يريد الرئيس التركي من الطلاب قراءته. فهناك تاريخ يريد النظام الإسلامي الحالي استعادته في التعليم حيث بدأ بفرض رؤية أكثر تشددا في دراسة الدين الإسلامي، كما سمح لأول مرة منذ حكم أتاتورك بارتداء طالبات الجامعات الحجاب.

وقالت إحصائيات رسمية في تركيا أن عدد الطلاب المنخرطين في دراسة علوم الفقه والشريعة الإسلامية قفز من 63 ألف طالب عام 2002، عندما صعد أردوغان إلى الحكم لأول مرة، ووصل هذا العام إلى مليون شخص.

12