أردوغان يبارز خصومه السياسيين بسلاح كرة القدم

ارتبطت رياضة كرة القدم في تركيا بالحسابات السياسية بشكل مباشر رغم أنها في جميع دول العالم تمثل محرارا لقيس انعكاسات القرارات الرسمية على الحياة اليومية ولرصد ردود فعل الشعب من خلال تحليل ومراقبة حالات الهدوء أو العنف التي تعبر عليها الجماهير الكروية في الملاعب. أما الخاصية التركية فقد تمثلت في استغلال كرة القدم واستخدامها من قبل السياسيين، خاصة المنتمين إلى الحزب الحاكم، في حشد الدعم الشعبي وتوجيه الرأي العام.
الأربعاء 2016/03/23
تصفية الحسابات

أنقرة - ظهرت كرة القدم في تركيا عندما كوّن فؤاد حسنو كياجان أول فريق تركي مسلم وحمل اسم “بلاك ستوكينغز” عام 1903 وواجه حينها تهما من المحكمة العسكرية بـ”إنشاء مرمى، وارتداء الزي نفسه الذي يرتديه اليونانيون وركل الكرات”. ومنع العثمانيون المسلمين الأتراك من ممارسة هذه الرياضة على اعتبار أنها نشاط مشبوه جاء به الوافدون البريطانيون، ويمارسه الأرمن واليونانيون واليهود. وساد اعتقاد بأن كرة القدم انتهكت المبادئ الإسلامية نظرا لارتداء اللاعبين للشورت، وربطوا اللعبة بمقتل الحسين على اعتبار أنه تعرض للركل كما تركل الكرة.

ومع ذلك لا يمكن قمع التعاطف المتزايد للأتراك مع اللعبة، وفي غضون سنوات قليلة تم تشكيل فرق “بشيكتاش” و”فنربخشة”، و”قلعة سراي”، كما سمحت الإصلاحات السياسية بفسح مجال أكبر للمسلمين الأتراك لممارسة اللعبة. ولاحظت السلطات تزايد شعبية هذه الرياضة وحاولت تسخيرها للمساعدة في بناء القومية التركية.

وحققت كرة القدم شعبية واسعة في تركيا على مدى العقود التالية، ووفقا لبعض التقديرات المحلية، يعتبر 76 بالمئة من الشعب التركي من المشجعين النشطين للعبة. ويعرف عن مشجعي كرة القدم الأتراك في جميع أنحاء العالم، شغفهم الكبير باللعبة.

كرة القدم كثيرا ما ارتبطت بالسياسة في تركيا، لكنها لم تبلغ القدر الذي هي عليه الآن في ظل حزب العدالة والتنمية

وانقسم رجال السلطة في تركيا، إلى وقت طويل، بين التفضيل والخوف من الجاذبية الجماهيرية للعبة وقدرتها على حشد الجماهير. ويمكن تتبع تطور السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والجغرافيا والهوية من خلال الرياضة وعلاقتها بالسلطة.

ولكن الملاحظ أنه بالرغم من ارتباط كرة القدم كثيرا بالسياسة في تركيا، إلا أنها لم تبلغ القدر السياسي الذي هي عليه الآن، في ظل حزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي المحافظ الذي وصل إلى السلطة منذ العام 2002، حيث أصبحت “اللعبة الجميلة” ساحة لمعارك سياسية كبرى في ظل حزب العدالة والتنمية، وأصبحت موقعا للسيطرة والتمرد.

ونظم حزب العدالة والتنمية لعبة كرة القدم وأدخل عليها بعض الإصلاحات، من خلال تقديم الدعم بمستويات غير مسبوقة من المال والاهتمام لهذه الرياضة. وتحدث زعيم الحزب، الرئيس الحالي للبلاد رجب طيب أردوغان، عن احترافه اللعبة في السابق وسعى إلى ربط اسمه بإنشاء ملاعب جديدة، وعبر عن حبه لفرق مختلفة في الحملة الانتخابية، في حين يسخر معارضوه من ربط نفسه بلعبة كرة القدم.

وقد استخدم حزب العدالة والتنمية الرياضة كوسيلة لتعزيز الدعم المحلي وحشده، وخلق شبكة تتبادل المنفعة في ما بينها من العلاقات التجارية والسياسية. ومن جهتها ترى أندية كرة القدم أنه من الضروري الحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومة للحصول على دعم مالي، وتستخدم الحكومات أندية كرة القدم لتعزيز شعبيتها، في حين يستخدم مسؤولون نوادي كرة القدم من أجل طموحات سياسية أو اقتصادية.

ومع ذلك، يرى الكثيرون في تركيا أن لعبة كرة القدم مجال للتمرد، وقد استغل مشجعو فرق كرة القدم جانبا من المنافسات الشرسة للعب دور بارز في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في حديقة جيزي بارك عام 2013 وما بعدها. كما استغل نشطاء الحركات التي تتحدى العنصرية والمدافعة عن المثلية الجنسية والتحيّز الجنسي، المطالبة ببدائل سياسية للحكومة، مشجعي فرق كرة القدم.

العوامل السياسية ساهمت في الشعور بالضيق في صفوف الجماهير، خاصة في ظل استشراء الفساد والعنف

وتعاملت السلطات بصرامة مع مشجعي كرة القدم المناهضين للحكومة. وتم حظر الهتاف السياسي في المباريات، وإدخال نظام التذاكر الإلكترونية “باسوليغ” المثير للجدل، وتشكيل ودعم مجموعات من المشجعين الموالين للحكومة، ووصل الأمر إلى حد اتهام مشجعي كرة القدم بمحاولة الضلوع في انقلاب في أعقاب احتجاجات جيزي بارك.

وقد ساهمت العوامل السياسية في الشعور بالضيق في صفوف جماهير كرة القدم التركية، خاصة في ظل تضخم دور الدين، واستشراء الفساد والعنف. وأمام ما تمر به تركيا الآن على جميع الأصعدة، وما بلغته من أوضاع محفوفة بالمخاطر، في ظل تراجع اقتصادها وتصاعد حدة الإرهاب إلى جانب ازدياد الضغوط الإقليمية واتباع الحكومة لنهج استبدادي، فقد بدأ الحديث عن انعكاسات كل هذه العوامل على مناخ كرة القدم أيضا. حيث ارتفع منسوب العنف في جنوب شرق البلاد من خلال التوتر والجدل الدائر حول الفريق الكردي “أميدسبور” الذي تفوق على عدد من الأندية الكبرى في تركيا، والذي من المرجح أن يفوز بالكأس هذا العام.

وقد تمت كتابة عدد قليل من الكتب باللغة الإنكليزية عن الثقافة التركية، ولكن هذه الدراسات والكتب غيّبت وبشكل كلي الحديث عن عالم كرة القدم. ولكن بالرغم ذلك، تظل كرة القدم قادرة على أن توفر وجهة نظر عميقة لفهم هذا البلد وتطوراته الاجتماعية المعقدة.

وفي هذا السياق أفاد الصحافي البريطاني المقيم في إسطنبول، باتريك كيدي، في مقاله في “ذي هافنغتون بوست” أنه يعد كتابا يتناول قصصا لمجموعة من الشخصيات والأندية التركية، بما في ذلك الألتراس الثائرون ورؤساء البلديات المتعطشون للسلطة والقوميون الأكراد الذين يقاتلون من خلال كرة القدم والنساء اللاتي يؤكدن على حقهن في ارتداء الشورت وممارسة الرياضة، والإسلاميون ونجوم كرة القدم الذين تحولوا إلى سياسيين، وأزمة النوادي الكبرى، وأزمة الحكام، والحاكم الكاريزمي والمثير للجدل في تركيا، لاعب كرة القدم السابق، الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان.

ويحاول الكتاب الإجابة عن أسئلة من قبيل ما هي الإمكانيات السياسية في كرة القدم التركية؟، ماذا سيحدث للرياضة التي اقتربت من الانهيار إلى أين تسير تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية؟ وماذا يعني أن تكون تركيا في القرن الحادي والعشرين؟

12