أردوغان في حفلة كولن

الأربعاء 2016/08/31
اعتدال أردوغان كان خدعة

هل كان الرئيس أوباما ليقبل دعوة لإلقاء كلمة في حفلة عيد ميلاد أسامة بن لادن؟، أطرح هذا السؤال لأني سمعت في سنة 2013 الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحدّث أثناء “عشاء صداقة” رمضاني فاخر نظّمه المركز الثقافي التركي في نيويورك.

ينظم المركز، الذي أسسه فتح الله كولن هذه المناسبة السنوية، والتي يحضر فيها المئات من الضيوف من كل الأديان. وكالعادة حضر، إلى جانب أردوغان، رجال الدين المسيحيون واليهود الحفل ومدحوا المظهر المعتدل لهذه المؤسسة.

الآن، وبعد ثلاث سنوات فقط يتهم أردوغان كولن بتزعم تنظيم إرهابي وهندسة الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو الماضي، أتساءل، إذا كان أردوغان يعتقد بأن كولن حقا إرهابي فلماذا وافق على إلقاء كلمة خلال الحفل الذي نظمه مركز كولن في قاعة الرقص بفندق والدورف أستوريا؟

للإجابة عن هذا التساؤل تتبادر إلى الذهن ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول: كولن زعيم إرهابي فطن إلى درجة أن هدفه السري للاستيلاء على الدولة التركية لم يعلم به أردوغان في سنة 2013، بالرغم من أن حركة “خدمة” التابعة له كانت تنشط اقتصاديا وتعليميا لأكثر من ثلاثين سنة.

الاحتمال الثاني: الآلاف من أتباع كولن الذين يتعرضون الآن لعملية تطهير من وظائفهم وأعمالهم التجارية في كامل أنحاء تركيا لم يبلغوا بعد حدا من التطرف يجعلهم إرهابيين.

الاحتمال الثالث: لم يلصق أردوغان بأتباع كولن صفة الإرهابيين إلا بعد أن نشأ خلاف سياسي معه في إطار سعيه للتحكم في البلاد بشكل دكتاتوري.

يوحي الاحتمال الأول بمستوى غير مسبوق من التآمر والسرية. فعندما قام المناصرون المخلصون لكولن في التسعينات بتأسيس المئات من المدارس في جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا في آسيا الوسطى وغيرها من الأماكن خارج تركيا، هل كانوا يعلمون أن الطموح السري لزعيمهم كان الاستيلاء على وطنهم؟

وهل كانوا يحلمون بانقلاب عسكري لما كانوا يقضون السنوات يدرّسون العلوم والرياضيات (الإسلام ليس عادة جزءا من البرنامج المدرسي لكولن) في أذربيجان وتركمنستان ومولدوفا ومنغوليا؟؛ هل أسسوا الآلاف من المشاريع الناجحة داخل تركيا كجزء من مؤامرتهم؟. إذا كان الأمر كذلك لماذا أخفق العشرات من العلماء الذين تمت استمالتهم ليدرّسوا ما كان يبدو النموذج الصحيح لتنظيم إسلامي معتدل في إيجاد أي خطابات أو كتابات تفضح هدف كولن النهائي؟

يقول مناصرو أردوغان إن الاعتدال كان خدعة، أي غطاء للتمرد العنيف. وكان هذا الغطاء ناجعا إلى درجة أن أتباع كولن لم تنسب إليهم أعمال عنيفة، على عكس داعش أو القاعدة أو حتى الإخوان المسلمين.

الاحتمال الثاني المتمثل في تطرف حركة خدمة على مدى السنتين الماضيتين قد يتماشى مع خوفنا في الوقت الراهن من نزوع المسلمين الأوروبيين إلى التطرف عبر الإنترنت، بيد أن المواقع الجهادية والمكلفين بتجنيد الجهاديين الذين عهدت إليهم مهمة تنفيذ برنامج داعش للتطرف، ليس من الصعب إيجادهم، فهم يبثون أجندتهم الإجرامية بكل طريقة ممكنة.

لكن لا توجد أي مواقع تابعة لكولن مسخرة لقلب النظام في الدولة التركية. فهل يمكن أن نصدق إذن بأن كل مناصر لكولن يدير مدرسة في أندونيسيا أو الصومال أو تكساس تلقى فجأة رسالة سرية تنص على الهدف الحقيقي لزعيمهم واستجاب على الفور ليصبح إرهابيا، دون أن يقاوم أي منهم تلك الدعوة أو ينشر مثل ذلك التحريض؟ قد يجادل مناصر من مناصري أردوغان بأن المؤامرة الإرهابية لم تتعلق إلا بنواة حركة خدمة، بيد أن أردوغان الآن يطبق عملية تطهير على الجميع في الحركة (عبر السجن والطرد وإلغاء جوازات السفر وافتكاك المشاريع التجارية) ويطلب من الحكومات في كل أنحاء العالم إعلان أنصار كولن إرهابيين وإغلاق مدارسهم ومؤسساتهم الخيرية.

أينما كانت الحقيقة، فإن فكرة أن نشطاء حركة خدمة في كل أصقاع العالم يجب اعتبارهم إرهابيين فكرة لا يقبلها العقل. إن الانقلاب العسكري شيء، والتطهير شيء آخر. عشرات الآلاف من الأتراك يخسرون وظائفهم وأعمالهم التجارية وحريتّهم ويتم وصمهم بصفة تشوه عائلاتهم.

من الصعب إيجاد مثيل لما حدث في تركيا منذ الانقلاب الفاشل الشهر الماضي دون المقارنة مع مراسيم نورمبورغ لسنة 1935 التي نبذت اليهود الألمان والناس ذوي الأصول اليهودية. ومع ذلك كان للسياسة النازية المعادية للسامية منطق واضح وصريح، في حين أن الغضب الشعبي في تركيا على حركة خدمة يحمل نكهة حقد شخصي بين شخصين كانا صديقين سابقا، ولا يتعلق الأمر بالأيديولوجيا البتة.

هل كان هتلر ليتكلم في احتفال عيد العمال من تنظيم الحزب الشيوعي الألماني في سنة 1933؟ لا أعتقد أنه كان سيفعل ذلك. لكني جلست على الطاولة نفسها مع أردوغان في احتفال والدورف أستوريا في سنة 2013.

كاتب أميركي

12