أردوغان في ثوب الواعظ.. تحديد النسل خيانة لدولة تركيا

أنقرة - لا يعاني المجتمع التركي من بلوغ التهرم السكاني درجات قصوى ولا من نسب لافتة للشيخوخة مقارنة بالعديد من الدول في العالم رغم تراجع معدلات الإنجاب في السنوات الأخيرة، لذلك لا يعتبر الأتراك مسألة زيادة الولادات أولوية في قائمة قضاياهم الرئيسية وهو ما يفسر عدم الاستجابة لدعوات أردوغان المتكررة للإقبال على الزواج والإنجاب رغم إقراره جملة من الإجراءات والتحفيزات المالية.
وخلال خطاب ألقاه مؤخرا في اسطنبول قال الرئيس التركي إن الأسر المسلمة يجب ألا تنخرط في أي برنامج لتحديد النسل أو تنظيم الأسرة داعيا مجددا المسلمين لإنجاب المزيد من الأطفال. وقال “سنضاعف أعداد أحفادنا. يتحدثون عن تنظيم الأسرة وتحديد النسل. يتعين على الأسر المسلمة عدم انتهاج أي من هذه الأساليب.” وأضاف “لا أحد يمكنه التدخل في عمل الله. ونحن نسير على سنة الله ورسوله.الواجب الأول هنا يخص الأمهات”.
بدل أن تعكف الحكومة والرئيس على البحث عن حلول للمشاكل الاقتصادية المتنامية تطالب الأسر بزيادة الأبناء
أولها أن أردوغان كزعيم سياسي للحزب الحاكم في تركيا ذي الخلفية الإسلامية اعتلى منصب رئيس الدولة لا يتوانى في خدمة الأهداف الأيديولوجية لحزبه والتي تتماشى مع رغباته وطموحاته الشخصية والتي تقوم على بناء مجتمع تركي جديد يقطع مع الماضي العلماني ويتبنى النمط الإسلامي (لكن بالطبع وفق رؤية حزب العدالة والتنمية وزعمائه لمفهوم إسلامية المجتمع)، أردوغان يسعى دوما إلى انتهاج السبل الكفيلة بتغيير نمط التفكير والمعيشة في تركيا وإلى أن يدمج أكثر فأكثر الدين الإسلامي في الحياة اليومية والخاصة للأتراك من ذلك نفيه لأن توصف العائلة بالمسلمة عندما تتبنى نهج التنظيم العائلي وتعتمد وسائل منع الحمل والحد من الولادات.
ثانيا يبدو أن تركيز أردوغان على بسط نفوذه من خلال الانفراد بالحكم وتنفيذ الأجندة الإسلامية الراسخة في فكره جعله يتجاهل أو ينسى فعلا أنه رئيس لدولة حديثة تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والالتحاق بمصاف الدول المتقدمة وهي دولة لا تعاني من ظاهرة الشيخوخة لتحتاج إلى سياسات ودعوات تلح على تشبيب المجتمع وزيادة الولادات بل إنها دولة يعاني فيها الشباب من البطالة ومن مشاكل مادية واقتصادية جعلته يعزف عن الزواج والإنجاب.
لعل أردوغان توقع أنه من خلال استغلاله للجانب الروحي واعتماده على الربط بين اعتماد وسائل تحديد النسل وبين تنافي ذلك مع مبادئ الشريعة الإسلامية ومع السنة النبوية سيكون أكثر إقناعا
من جهة أخرى يشي تركيز أردوغان على الزيادة في الولادات من خلال النصح والخطب وإجراءات التشجيع على الزواج وتحفيز النساء على إنجاب ثلاثة أطفال فما فوق وإقرار إجراءات قانونية ومنح مالية للمنجبات في إجازة الأمومة وللمقدمين على الزواج بأنه يعتمد سياسة صماء لا تكترث بآراء المنتقدين والمعارضين السياسيين ولا حتى بمواقف الجماعات المدافعة عن حقوق المرأة الذين انتقدوا تدخلات أردوغان الجريئة في الأمور الخاصة وفي القرارات الشخصية نظرا لتحديده للمرأة عدد الأطفال الذي يتعين عليها أن تنجبه، ولتجاهله الأفكار والتوجهات الدولية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين ودعم حقوق النساء.
وقد نشرت وسائل إعلام عديدة تنديدات بخطاب أردوغان؛ من ذلك أن موقع الاكسبراس الفرنسي نقل عن المعارضة والحركات النسوية التركية تنديدها بخطاب أردوغان على تويتر حيث قالت جمعية “كادن سينيالتوري” المناهضة للعنف ضد المرأة ” لا يمكنكم اغتصاب حقنا في تحديد النسل ولا باقي حقوقنا بتصريحاتكم وخطبكم التي ترجع إلى القرون الوسطى. سوف ندافع عن حقوقنا”.
لعل أردوغان توقع أنه من خلال استغلاله للجانب الروحي واعتماده على الربط بين اعتماد وسائل تحديد النسل وبين تنافي ذلك مع مبادئ الشريعة الإسلامية ومع السنة النبوية سيكون أكثر إقناعا بفكرة زيادة الولادات ولكنه غفل عن أنه يواصل التدخل وفرض رأيه في مسائل خاصة لا يمكن أن تبت فيها قرارات سياسية حتى وإن صدرت من أعلى هرم السلطة فقرار الإنجاب من عدمه لا تتخذه إلا المرأة والأسرة وفقا لما تتيحه الظروف المعيشية والاقتصادية.