أردوغان المتوجس من تداعيات الأزمة الأوكرانية على الاقتصاد التركي يحاول فرض نفسه وسيطا

الرئيس التركي يتحرك مدفوعا بهواجس من نزاع في أوكرانيا قد ينعكس سلبا على الاقتصاد التركي ويهدد فرصه للفوز في الانتخابات المقبلة.
الخميس 2022/02/03
هل تنجح وساطة أردوغان في إبعاد شبح الحرب عن أوكرانيا

إسطنبول - دخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أخيرا بقوة على خط الأزمة الأوكرانية، فالرجل الذي يواجه متاعب بالجملة بسبب التدهور الاقتصادي في بلاده، تحرك مدفوعا بمخاوف من تأثير اندلاع نزاع محتمل بين كييف وموسكو لعرض وساطته.

وفي ظل عضوية بلاده في حلف شمال الأطلسي "الناتو" وعلاقته الوثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى أردوغان لإبعاد شبح الحرب عن أوكرانيا عندما يزور كييف الخميس.

ويدرك أردوغان أن نشوب حرب في أوكرانيا سيأتي بالوبال على الاقتصاد التركي ومعه تتضاءل فرصه في الفوز بانتخابات العام المقبل خاصة في ظل تحرك المعارضة التركية التي بدت مصممة على الإطاحة به وبحزبه.

ويأتي تحرك أردوغان، الذي لبلاده دور في النزاع رغم أنه ليس بالدور المباشر، في وقت تحذر فيه الولايات المتحدة من أن الهجوم الروسي المحتمل على أوكرانيا قد يبدأ بحلول منتصف فبراير الجاري.

وتحمل محاولات أردوغان في هذا المجال، التي تقابل بحذر في موسكو، رهانات ضخمة، إلا أنها قد تعود عليه أيضا بفوائد مغرية.

أنطوني سكينر: لا يمكن للاقتصاد التركي الضعيف تحمّل مقاطعة السياح الروس

ويرى محللون أن نزاعا كبيرا في أوكرانيا قد ينعكس سلبا على الاقتصاد التركي، ويهدد فرص أردوغان للفوز في الانتخابات المقبلة المقررة بحلول منتصف 2023.

كما يخشى أن يدفع نزاع في أوكرانيا بتركيا إلى مواجهة خيار صعب: الوقوف في صف بوتين الذي يمسك بأوراق اقتصادية وعسكرية عدة على صلة بأنقرة، أو الوقوف في صف الحلفاء الغربيين التقليديين الذين بدأ صبرهم ينفد حيال الرئيس التركي.

وأثار حصول كييف على مسيّرات تركية، قلق الكرملين والانفصاليين المدعومين من موسكو في شرق أوكرانيا، إلا أن المحللين يرون أن تمكن تركيا من الحؤول دون اجتياح روسي لأراضي أوكرانيا قادر على أن يسلط الضوء على أهميتها في المنظومة الدفاعية الغربية، ويبعث ببعض الدفء في العلاقة بين أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن.

وترى الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أصلي آيندطاشياش أن “هذه فرصة لتركيا لترفع من موقعها، وتخرج من الركن الذي وضعت فيه مجازيا، ضمن حلف شمال الأطلسي".

وتضيف "ستستغل أنقرة هذه الفرصة من أجل تحسين العلاقات مع واشنطن"، موضحة أن "أردوغان طوّر علاقة شخصية فريدة مع بوتين، تنافسية وتوافقية في الوقت عينه، ما يسمح لهما بدعم أطراف متباينة في ليبيا والقوقاز وسوريا".

وشكّلت علاقة أردوغان ببوتين وتطوّرها، إحدى العلامات المحدّدة للدبلوماسية على امتداد جنوب شرق أوروبا والشرق الأوسط.

وساءت هذه العلاقة بشكل حاد بعد إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية قرب الحدود السورية في العام 2015، إلا أنها تحسنت جذريا بعد أن أضحى بوتين أول رئيس دولة يجري اتصالا بأردوغان ليلة تعرّضه لمحاولة انقلاب فاشلة في العام 2016.

وانتظر عدد من القادة الغربيين في حينه أياما قبل إعلان مساندتهم لأردوغان، في خطوة يرى محللون أنها ساهمت في دفع تركيا إلى الاقتراب من روسيا خلال الأعوام التالية.

ونجح هذا الرابط المستجد بين الرئيسين المخضرمين، في تجاوز اختبارات عدة.

وعلى الرغم من أنهما يدعمان أطرافا مختلفة في ليبيا وسوريا، إلا أن ذلك لم يحل دون استحواذ تركيا في العام 2019 على نظام الدفاع الجوي الروسي “أس – 400″، ما أدى إلى فتور في العلاقة بين أنقرة وحلفائها الغربيين، فيما هددت الولايات المتحدة بتسليط عقوبات عليها.

هواجس انهيار الاقتصاد التركي تنتقل إلى أوكرانيا
الهواجس من انهيار الاقتصاد التركي تنتقل إلى أوكرانيا 

كما تعامل بوتين برويّة مع تزويد تركيا لأذربيجان بطائرات مسيّرة ساهمت في ترجيح كفّة باكو على حساب أرمينيا المدعومة من موسكو، في النزاع حول إقليم ناغورني قرة باغ في 2020.

وقال بوتين عن أردوغان بعد أسابيع على توقف دوي المعارك في ناغورني قرة باغ “هذا شخص يلتزم بكلمته، رجل حقيقي”.

ويرى الأستاذ في جامعة إسطنبول ميديبول عبدالرحمن باباجان أن أردوغان وبوتين لديهما “ما يفتقده غالبية الزعماء في علاقاتهما الثنائية: التدخل في التوقيت الصحيح ولعب أوراقهما على المكشوف”.

ورغم عدم تدخل تركيا مباشرة في النزاع الأوكراني، فإن الأزمة هناك تشكل إحدى نقاط الاحتكاك بين الرئيسين.

فأردوغان عارض قيام روسيا في العام 2014 بضمّ شبه جزيرة القرم على خلفية الحضور التاريخي للتتار فيها. كما ساند طموحات كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ووافق على حصولها على مسيّرات “بيرقدار تي.بي 2” التركية القتالية.

ودفع نشر أوكرانيا شريطا مصوّرا لطائرة من هذا النوع تقوم بتدمير هدف عسكري للانفصاليين في شرق أوكرانيا، ببوتين إلى إثارة الموضوع مع أردوغان في اتصال هاتفي بينهما في ديسمبر 2021.

واعتبر القائد الانفصالي دينيس بوشيلين أن وجود هذه المسيّرات في حوزة أوكرانيا، هو السبب الرئيسي الذي يجب أن يدفع روسيا إلى تسليح الانفصاليين بشكل علني، وقال “بادئ ذي بدء، علينا أن نواجه بيرقدار”.

آرون شتاين: التحرك الروسي نحو أوكرانيا سيزيد من ضعف الاقتصاد التركي

لكن المحللين يقلّلون من شأن هذه المسيّرات في حال اندلاع حرب شاملة.

ويقول آرون شتاين، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية، “نعم، في قتال غير متكافئ بين الجيش الأوكراني والقوات الانفصالية في دونباس بشرق أوكرانيا، يمكن لبعض مسيّرات بيرقدار تي.بي 2 أن ترجّح الكفة”.

ويضيف “لكن في حال قامت روسيا بالاجتياح، لكن تكون هذه المسيّرة ذات أهمية”. ويشكك أغلب المحللين في أن يعارض أردوغان بوتين علنا بشأن أوكرانيا.

ويقول الأستاذ في جامعة أوكسفورد دميتري بيشيف إنه “في حال قامت تركيا بالتصعيد، فإن روسيا قادرة على الرد بالمثل: الضغط على جنود تركيا والمسلحين الموالين لها في سوريا، عقوبات اقتصادية”.

ويرى المتابع للشؤون التركية أنطوني سكينر أنه “نظرا إلى ضعفه حاليا، لا يمكن للاقتصاد التركي تحمّل مقاطعة من السياح الروس”.

ويعتبر المحلل في معهد واشنطن للأبحاث سونر جاغابتاي أن الهمّ الآني لأردوغان هو الحفاظ على قوة للاقتصاد التركي بما يكفي، لتحسين نسب التأييد له قبل الانتخابات المقبلة.

ويوضح “كل ما في تركيا يتعلق حاليا بأردوغان، وكل ما يريده أردوغان هو الفوز في انتخابات 2023”.

ويرى محللون أن لا مفر من تأثير محتمل لنزاع في أوكرانيا على الاقتصاد التركي، حيث يشدد شتاين على أن “الخطوات العسكرية الروسية ستزيد من ضعف الاقتصاد التركي” عبر خطوات عدة، منها “زيادة كلفة النفط”، وهذا الأمر “لن يكون سارّا”.

7