أردني يعتلي القمم بساق واحدة ثابتة

جراح الحوامدة يتكئ على الإصرار والعزيمة لتحقيق أصعب الأحلام.
الأربعاء 2022/07/20
إيمان راسخ بالوطن وتحدي الظروف الصحية

لا يكون الإنسان قويا بسلامة كل أطراف جسده بل بالعزيمة والإصرار على تحقيق أي حلم في الحياة، هذا هو مبدأ الشاب الأردني جراح الحوامدة الذي أجبره مرض السرطان على بتر ساقه ليرفع التحدي في وجه الهزيمة والانطواء ويصبح متسلق قمم الجبال من كليمنجارو إلى إيفرست فأرارات التركية، والقادم أكثر تحديًا.

عمان - بإصرار استثنائي وهمة لا تعرف المستحيل وصل المتسلق الأردني جراح الحوامدة بساق واحدة ثابتة إلى قمة جبال أرارات التركية البالغ ارتفاعها حوالي 5 آلاف و50 مترا، ليثبت للعالم أن صعود القمم يحتاج إلى الإقدام وليس الأقدام.

وتأتي رحلة الحوامدة هذه المرة لدعم قدرات شباب البلدان العربية، وإثبات أن كل إنسان بإمكانه صنع المستحيل، فقط يحتاج إلى النية الصادقة والإصرار والعزيمة التي إن فقدها الإنسان فقد كل مقومات الحياة.

بدأ الحوامدة (27 عاما) رحلة تسلق جبال أرارات في السابع عشر من يوليو الجاري، واستغرقت خمسة أيام، في ظروف لا تخلو من الصعوبات ككل مغامراته السابقة، لكن روح التحدي كانت حاضرة دائما كما يقول الشاب الذي فقد ساقه بسبب سرطان العظام وهو في سن الخامسة عشرة.

استراحة متحدي الصعاب

ووصف الحوامدة الرحلة “بأنها محفوفة بالمخاطر والصعوبات”، مشيرا إلى أنه كان يستمر في سيره من 4 إلى 6 ساعات يوميا نظرا إلى درجات الحرارة المنخفضة جدا وتناقص الأكسجين كلما زاد الارتفاع والمجهود البدني العالي الذي يتطلبه كل يوم من أيام الرحلة. وتابع “كان برفقتي 7 متسلقين، ولكني استطعت بطرفي الاصطناعي أن أصل إلى القمة”.

وجراح الذي ولد عام 1995 في مدينة سحاب جنوب عمان واحد من ستة أبناء لأب وأم لاجئين يحلمان بالعودة إلى فلسطين المحتلة، وقد ترعرع وهو يسمع القصص عن فرار أجداده من منازلهم خلال النكبة وكيف أنهم لم يفقدوا الأمل في إمكانية عودتهم.

لقد أثرت قصصهم عليه بشكل كبير، ولكنها أيضا ألهمته العزم على تحقيق أمور عظيمة بغض النظر عن العقبات التي تقف في طريقه. وللسيطرة على مرضه اختار الأطباء بتر ساقه اليمنى، ليغادر المستشفى بطرف اصطناعي أورثه الكثير من الاستياء والحزن.

ورغم الألم الذي تخلفه حادثة مماثلة في حياة أي شخص، إلا أن جراح لم يستسلم لمرضه ولا لنظرات العطف التي ترمقه من كل جانب، وقرر أن يثبت للعالم أن إعاقته لن تمنعه من تحقيق حلمه والقيام بما يعجز عنه حتى الكثير من الأسوياء.

يقول الحوامدة “كانت مرحلة صعبة وشاقة تخللتها الكثير من التناقضات؛ الخوف والسكينة، الإحباط والأمل”، إلا أن ذلك لم يثبط عزيمته ولم يوقف أيضا رغبته في احتضان حلمه والتعلم من تجربته أن الحياة حتى وإن عبست في وجهه قليلا لا بد أن يأتي يوم وتبتسم له بفضل صبره الذي منحه القوة، لكي يتحمل فكرة بتر قدمه لمحاصرة المرض اللعين ومنعه من الانتشار.

ويبين الحوامدة أن الكثير من العراقيل اعترضت طريقه، لكنها في المقابل أيقظت فيه الحاجة إلى التمرد على كل الخيبات التي مرت وستمر أيضا. ويقول الحوامدة بنبرة مشحونة بالإرادة والتصميم “أقاتل من أجل نفسي”، وهو الذي اختار المضي قدما في تحقيق حلمه المتمثل في تسلق الجبال والمرتفعات.

دربة على المكان واستمرار في التحدي
دربة على المكان واستمرار في التحدي 

ويضيف “أنهيت علاجي مطلع 2013، ونهاية العام نفسه بدأت بتسلق الجبال والصخور في جبال عجلون” شمالي الأردن. ومنذ ذلك الحين قام جراح بعدة مغامرات كانت أولاها تسلقه عام 2014 جبل أم الدامي الذي يبلغ ارتفاعه 1854 مترا، ويعد أعلى قمة في الأردن.

في 2015 نجح جراح في تسلق قمة كليمنجارو، وهي أعلى قمة بركانية في العالم بارتفاع 5 آلاف و100 متر، خلال خمسة أيام من السير المتواصل، حاملا رسالة أمل لمرضى السرطان مفادها أنه “ليس هناك شيء مستحيل”. وفي 2018 استطاع بساق واحدة تسلق قمة إيفرست، ليثبت للعالم بأسره أن فقدان أي عضو من أعضاء الجسم لا يعيق الحياة ولا يقصينا منها أيضا.

◙ الشاب الأردني يتسلق قمة جبال أرارات التركية البالغ ارتفاعها حوالي 5 آلاف و50 مترا في خمسة أيام

وكان الهدف من رحلته الشاقة إلى إيفرست جمع المال لمدرسته التي زاول فيها تعليمه وشهدت نقصا في التمويل بسبب المشاكل التي تعرضت لها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وقال آنذاك “واجبي باعتباري متسلقا ولاجئا فلسطينيا يفرض علي الدفاع عن مدرستي حتى تظل مفتوحة أمام 700 طالب ممن يتلقون تعليمهم فيها”.

وما زال جراح يذكر كيف كان يستخدم الكرسي المدولب ولم يكن قادرا على صعود الدرج للانضمام إلى رفاقه في الصف الواقع في الطابق الثاني. ولأنه كان مصمما على مواصلة تعليمه، قامت المدرسة بنقل الصف بأكمله إلى الطابق الأول لكي يستطيع الانضمام إلى رفاقه. كما تم أيضا تعديل غرفة الحمام لكي تستوعب كرسيه المدولب.

وعن المشاكل والعراقيل التي تواجهه في رياضة التسلق يقول الحوامدة “إن عدم وجود متخصصين لتدريبه لكونه بطرف اصطناعي، جعله يعتمد على نفسه، وذلك بالتعمق أكثر في كيفية تطوير قدراته واختبار كل الصعوبات حتى يكتسب مهارات جديدة تعينه على أن يبدع ويتميز ويسجل نجاحا تلو نجاح، كذلك مداومته على السباحة للاحتفاظ بلياقته التي هي سر استمراريته”.

وبفخر يقول “أنا أول فلسطيني وأول عربي بساق واحدة يصل إلى قمة إيفرست، حتى يعرف العالم أن الفلسطيني قادر على تحدي الصعاب”. وفي كل رحلاته اختار جراح، لتحفيز نفسه أثناء التسلق والسير، الاستماع إلى أغان ثورية يحوم موضوعها حول فكرة رفض الشعوب للظلم والقهر.

وفي كل المناسبات يقول الشاب “سأثبت للعالم أن الفلسطيني إنسان ناجح، وبوسعه تحقيق أحلامه، وأنا حققت حلمي ببلوغي أعلى القمم بساق واحدة. أنا لست معجزة، كل إنسان لديه هدفه، ولكن يجب أن يضع في قلبه وعقله الصبر ليحقق ما يريده”.

سبيلنا الوحيد لبلوغ هدفنا هو التحدي والإيمان بقدراتنا
سبيلنا الوحيد لبلوغ هدفنا هو التحدي والإيمان بقدراتنا 

18