أردنية تروي حكاية الدمى بأسلوب عصري

المشروع يهدف إلى تعزيز بعض القيم التي تراجعت في المجتمع، بإلهام تركي عبر تجربة الكاراكوز.
الأربعاء 2024/12/11
بسمة على وجوه الأطفال

إسراء الصافي تُعد من الأسماء البارزة في مجال مسرح العرائس في الأردن، وقد قدمت مساهمات كبيرة في تطوير هذا الفن وتوسيع آفاقه عبر تقديم قصص وحكايات تحمل رسائل تربوية واجتماعية هادفة.

السلط (الأردن) ـ يمر الإنسان عادة بظروف استثنائية تكون سببا في استحضاره أفكارا مميزة في مجتمعه، وهو ما فعلته الأردنية إسراء الصافي، عندما قررت إحياء “حكاية الدمى” لإدخال السرور إلى قلب ابنها الذي رُزقت به بعد عدة عمليات أطفال أنابيب.

وعززت البيئة التراثية التي تعيش فيها إسراء (40 عاما) دوافع استلهامها لتلك الفكرة، حيث تقيم في مدينة السلط الأردنية غرب العاصمة عمّان، والتي تشتهر بتنوعها الحضاري.

لم يتمكن المؤرخون والباحثون من تحديد فترة زمنية محددة لتأسيس مسرح الدمى، إلا أنهم اتفقوا على أن الدمى، التي تشكل العنصر الأساسي لهذا الفن، تُعد ابتكارا إنسانيا يمتد عبر العصور. وتكشف الدراسات والبحوث عن ارتباط هذا الفن بأقدم الحضارات الإنسانية، مثل حضارة مصر القديمة وحضارة بلاد الرافدين.

وتشير بعض الروايات التاريخية إلى أن أول ظهور لمسرح الدمى كان في العصور الفرعونية بمصر القديمة. فقد أظهرت الدمى الفرعونية، التي يتم الاحتفاظ بها في متحف اللوفر بباريس، تصاميم مفصلية وحركات تُشير إلى أن حضارة مصر القديمة كانت مهدًا لهذا الفن. كما تم اكتشاف ألعاب مصرية قديمة على شكل عرائس تمثل الحيوانات والبشر، وهو ما يثبت حضور الدمى كألعاب للأطفال في تلك الحقبة.

وهناك روايات تاريخية أخرى تربط فن مسرح الدمى بحضارة الرافدين التي تعود إلى آلاف السنين؛ إذ يشير الباحث فاضل خليل إلى أن الدمى كانت معروفة في العراق منذ نحو 8000 سنة. فقد أدرك الإنسان القديم من خلال خياله الواسع العلاقة الوطيدة التي تربطه بالدمية. ويستند في ذلك إلى الاكتشافات الأثرية لدمى طينية تمثل بعض الحيوانات، بالإضافة إلى تمثال “الإلهة الأم” التي تعد جزءًا من هذا التراث الثقافي القديم.

pp

ولعقود طويلة كان المسرح وسيلة لتسلية المواطنين والتعبير عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية للدولة، وهو ما تفعله إسراء حاليا ولكن بأسلوب عصري.

تحمل إسراء درجة الماجستير في علم النفس التربوي، وتحديدا في الذكاء الانفعالي، وهو ما ساعدها على ترويج فكرتها التي تركز على فئة الأطفال، بهدف إبعادهم عن الشاشات وتعزيز أسلوب تواصلهم مع الآخرين.

“حكاية الدمى” أو “دمى العرائس” أو “عروسة الكاراكوز”، جميعها مسميات للعرائس المتحركة التي باتت نادرة الوجود في الأردن، لكن إسراء أعادت حضورها رغم التطور التكنولوجي، لتلقى إقبالاً واسعا في المجتمع.

تقول إسراء إنها رُزقت بطفلها عون بعد طول انتظار، حيث أجريت لها عدة عمليات زراعة أنابيب حتى نجحت واحدة منها لتصبح أمّا، وتخصص هي وزوجها مهند (54 عاما) كل حياتهما لرعاية ابنهما.

وأضافت “في يوم من الأيام اصطحبت أنا وزوجي إبننا إلى عرض دمى بسيط، ولكننا شعرنا بأن الأداء ليس بالمستوى المتوقع، ويمكن أن يكون أفضل، وعندها جاءتني فكرة تطوير هذا الفن.”

وفي تلك الفترة كانت إسراء تعمل في منظمة دولية تهتم بالطفولة، إلى جانب عملها في تقييم المجموعات القصصية المقدمة إلى الأطفال في المنظمة.

وتابعت إسراء “قديما كان الأتراك يسمون فقرة من فقرات العرض بالكاراكوز، ومع عودة الحس الإسلامي في مجتمعاتنا صار من الضروري إحياء ذلك التراث القديم بأسلوب عصري.”

وقالت “كان الكاراكوز والدمى المتحركة يستخدمان في مخاطبة الشعب لإيصال العديد من الأفكار في مختلف جوانب الحياة.”

pp

وذكرت إسراء أن عملها في صناعة الدمى “بدأ فعليا قبل عام واحد،” لافتة إلى أنها ‏استوردت من الولايات المتحدة دمى لعائلتها صُنعت بناء على أفكارها الخاصة. وأضافت “سجلنا الدمى لدى دائرة المكتبة الوطنية (حكومية)، ولدينا ملكية فكرية لعدد 4 دمى كبيرة و20 متوسطة و40 صغيرة، إضافة إلى دمى الماريونيت.”

وأوضحت إسراء أن فكرتها تهدف إلى جعل مسرح العرائس “شاملا ومحببا للكبار والصغار من خلال أفكار لعروض مميزة توصل رسائل معينة بشأن أي قضية تهم المجتمع.”

وأردفت “لدينا 15 سيناريو مختلفا، وجميعها تعرض باللغة العربية الفصحى، باستثناء واحد منها باللهجة العامية لأنه يحاكي عادات وتقاليد خاصة بالأردن.” وزادت “رغم بساطة العرض لدينا حضور وإقبال لافت، خاصة بعدما قرأت أنا وزوجي تاريخ الكاراكوز، وقمنا بتطويره ليكون أكثر حداثة ومنسجما مع العصر ومتطلبات الأطفال.”

وأكدت أن الهدف من فكرتها هو “إعادة إحياء التراث بطريقة عصرية وبأداة تقليدية تفيد الأطفال وتبعدهم عن الشاشات وتعزز مهارات التواصل لديهم.” كما يهدف المشروع إلى “تعزيز بعض القيم التي تراجعت في المجتمع، بإلهام تركي عبر تجربة الكاراكوز.”

18