أذربيجان تحل أزمة قره باغ على طريقتها في ظل انشغال العالم

الانفصاليون في قره باغ يسلمون أسلحتهم مقابل تسوية غير واضحة.
الأحد 2023/09/24
حسم عسكري سريع

أذربيجان نفذت عملية خاطفة للسيطرة على إقليم ناغورني قره باغ مستفيدة من وضع دولي يتسم بالتركيز على حرب أوكرانيا وانشغال الدول الكبرى بمشاغلها الخاصة وخاصة روسيا، التي تمثل وسيطا بينها وبين أرمينيا التي بدت راضية بما يجري، ليجد الانفصاليون أنفسهم بلا داعم ويقبلوا بتسليم أسلحتهم.

باكو - استفادت أذربيجان من انشغال الغرب وروسيا بالحرب في أوكرانيا، وصمت أرمينيا التي باتت عاجزة عن التأثير، من أجل القيام بعملة خاطفة للسيطرة على إقليم ناغورني قره باغ وإلحاقه بها بعد أن كان يدير شؤونه بنظام الحكم الذاتي. ويأتي هذا في وقت بدأ فيه المقاتلون الانفصاليون الأرمن الذي يتبعون الإقليم سحب قواتهم وتسليم أسلحتهم، بعد ثلاثة أيام من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع باكو.

وفي أعقاب عملية عسكرية استمرت 24 ساعة، أعلن الرئيس الأذري إلهام علييف الأربعاء أن بلاده “استعادت السيادة” على الإقليم بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار شملت بنوده موافقة الانفصاليين على إلقاء أسلحتهم وإجراء محادثات مع باكو. ويقول مراقبون إن باكو اختارت اللحظة المناسبة لتنفيذ هجومها، خاصة بعدما سكتت الأطراف المعنية عن الحصار الذي فرضته على الإقليم لأشهر، وهو ما يجعل من الصعب عليها في وقت قادم أن تتراجع عن الخطوة التي قامت بها حتى لو تغيرت الظروف.

وعلى مدى عقود، بقي إقليم ناغورني قره باغ الجبلي الذي تقطنه غالبية من الأرمن، محور نزاع مرير بين يريفان وباكو التي يعترف لها المجتمع الدولي بسيادتها على المنطقة.

ودارت حربان بين البلدين بشأن قره باغ، أولاهما بين عامي 1988 و1994 راح ضحيتها زهاء 30 ألف شخص، وثانيتهما في النصف الثاني من عام 2020. وتكبدت أرمينيا هزيمة قاسية في الحرب الثانية التي انتهت باستعادة أذربيجان السيطرة على مناطق محيطة بالإقليم وحتى أجزاء منه. وقالت الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ماري دومولان "من الواضح أن أذربيجان تعتزم إنهاء الوضع القائم"، في إشارة إلى التواجد المسلح للانفصاليين في الإقليم.

كيريل شامييف: روسيا لديها النية أو القدرة لمساعدة حكومة (الانفصاليين) الأرمن في قره باغ
كيريل شامييف: روسيا لديها النية أو القدرة لمساعدة حكومة (الانفصاليين) الأرمن في قره باغ

وفي أعقاب حرب 2020، طالبت أرمينيا بمباحثات بشأن وضع الإقليم وحقوق سكانه. ورأت دومولان أن “باكو لا تبدي استعدادا للتفاوض على هذه المسألة التي تعتبرها شأنا داخليا”. وتابعت “من وجهة نظر أذربيجان، هذه منطقة من مناطق أخرى (تحت سيادتها) ولا يجب أن تستفيد من حقوق مختلفة”. وفي مايو الماضي، أقر رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بأن بلاده تعترف بناغورني قره باغ كجزء من أذربيجان التي تؤكد أن مواطنيها والأرمن قادرون على التعايش معا.

لكن الانتصار العسكري الأذري أثار مخاوف بشأن حقوق السكان الأرمن في قره باغ، ودعوات دولية لضمان سلامتهم. كما أعاد فتح باب الانتقادات الداخلية بحق باشينيان وصولا إلى اتهامه من قبل محتجين بالتخلي عن أرمن الإقليم. وقال الباحث في معهد المسيحيين المشرقيين تيغران ييغافيان إن أرمن قره باغ أمام خيارين لا ثالث لهما "حزم حقائبهم والرحيل، أو الموت".

وكتب الباحث في مركز تشاتام هاوس البحثي لورانس برويرز على منصة إكس، أن العملية "أتت بعد تسعة أشهر من إغلاق (أذربيجان) العبور إلى المنطقة، وهو حصار زادت حدته اعتبارا من منتصف يونيو". ويؤشر ذلك إلى إغلاق أذربيجان ممر لاتشين، وهو الوحيد الذي يربط أرمينيا بقره باغ، ما دفع يريفان إلى اتهام باكو بالتسبب بأزمة إنسانية.

وأضاف برويرز أن "السكان الأرمن في قره باغ منهكون بدنيا، ويفتقدون الغذاء والدواء". ومن جهته، اعتبر ييغافيان أن "أذربيجان تقطف ناغورني قره باغ كثمرة ناضجة"، مؤكدا أن السكان الأرمن "لن ينالوا وضع الاستقلال الثقافي". واستغلت باكو ظروفا سياسية مواتية في هجومها، فهي تحظى بدعم قوي من تركيا، في حين أن روسيا، الحليف التقليدي لأرمينيا واللاعب الوازن في منطقة القوقاز، منشغلة بحربها في أوكرانيا.

وقالت دومولان إن "موسكو بلا شكّ لم تعد في موقع يتيح لها أن تكون حكما (بين يريفان وباكو)، وهي تحتاج الآن إلى أذربيجان أكثر من أيّ وقت مضى، وليس فقط لأن الأسلحة التي تحصل عليها من إيران تمرّ عبر أراضي أذربيجان". وقال الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية كيريل شامييف "ليست لدى روسيا النية أو القدرة لمساعدة حكومة (الانفصاليين) الأرمن في قره باغ”.

أما الاتحاد الأوروبي فقد يكون “غضّ الطرف”، بحسب دومولان، مع الأخذ في الحسبان اتفاق تمّ توقيعه مع باكو في 2022 بهدف تقليص الاعتماد القاري على الغاز الروسي في أعقاب حرب أوكرانيا. وفي المقابل، حصلت باكو على دعم تركي واضح، وإن كان غير مباشر في العملية العسكرية.

وقال مسؤول بوزارة الدفاع التركية الخميس إن تركيا تستخدم “جميع الوسائل”، بما في ذلك التدريب وتحديث الجيش، لدعم حليفتها الوثيقة أذربيجان، لكنها لم تضطلع بدور مباشر في عملية باكو العسكرية في إقليم ناغورني قره باغ.

وأعلنت تركيا العضو بحلف شمال الأطلسي الأربعاء دعمها العلني لباكو في “خطواتها للحفاظ على وحدة أراضيها”، لكن لم يتضح ما إذا كانت أنقرة قد اضطلعت بأيّ دور فعال في العملية العسكرية التي استمرت 24 ساعة. ويتعين على الانفصاليين الاستمرار في تسليم أسلحتهم طوال عطلة نهاية الأسبوع.

وذكرت قوة حفظ السلام الروسية أن الانفصاليين سلموا ست مركبات مدرعة وأكثر من 800 قطعة سلاح حتى الآن. وبالتوازي لا يزال الآلاف من المدنيين يواجهون حالة طوارئ إنسانية في هذه المنطقة من القوقاز. وبالتوازي، سيواصلون المفاوضات مع الجانب الأذري “تحت رعاية قوات حفظ السلام الروسية”، وفقاً لسلطات هذا الجيب الانفصالي التي استسلمت الأربعاء بعد هجوم خاطف شنته القوات الأذرية.

◙ أذربيجان تعتزم تغيير الوضع القائم بإنهاء التواجد المسلح للانفصاليين في الإقليم، وإلحاقه إداريا بها وإنهاء الحكم الذاتي

واوضحت السلطات أن ذلك سيسمح “بتنظيم عملية انسحاب القوات وضمان عودة المواطنين الذين نزحوا جراء الهجوم العسكري، إلى منازلهم”. وأضاف الانفصاليون أن الطرفين سيبحثان في “إجراءات دخول وخروج المواطنين” من هذه المنطقة. وأبلغت موسكو عن انتهاكين وقعا يوم وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه الأربعاء، أيّ أقل من اليوم السابق.

وبدأ الانفصاليون محادثات مع الجانب الأذري الخميس حول “إعادة إدماج” ناغورني قرع باغ في أذربيجان. وأعلنت باكو بعد ذلك أن اجتماعا جديدا سيعقد “في أسرع وقت ممكن”. ويأتي إعلان الانفصاليين في وقت أكدوا فيه أن الجيش الأذري يحاصر ستيباناكيرت، “عاصمة” الإقليم.

وقالت المتحدثة باسم الانفصاليين أرمين هايرابيتيان لوكالة فرانس برس إنّ “الوضع في ستيباناكيرت مروّع، القوات الأذرية على مشارفها” موضحة أن السكان “يختبئون في الأقبية”. وأفاد شهود عيان بأن ستيباناكيرت محرومة من الكهرباء والوقود، وأن سكانها الذين لم يتمكنوا من العثور على أقاربهم المفقودين بسبب عدم وجود قوائم للقتلى والجرحى، يفتقرون أيضاً إلى الغذاء والدواء.

ومساء الجمعة، دعت ألمانيا إلى وجوب احترام حقوق سكان ناغورني قره باغ. وقال ستيفن هيبيرسترايت، الناطق باسم المستشار الألماني أولاف شولتس، بعد محادثة هاتفية بين الزعيم الألماني ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان “يجب ضمان حقوق وسلامة السكان في قره باغ للتوصل إلى حل دائم للنزاع”. ووعدت باكو اللجنة الدولية للصليب الأحمر بإرسال المساعدات ورعاية الجنود الانفصاليين المصابين، مع السماح لسيارات الإسعاف

بدخول ناغورني قره باغ من أرمينيا، بحسب مستشار للرئيس الأذري إلهام علييف. وبحسب آخر حصيلة صادرة عن الانفصاليين الأرمن فإنّ العملية العسكرية الأذرية التي انتهت خلال 24 ساعة ظهر الأربعاء خلّفت ما لا يقل عن 200 قتيل و400 جريح.

5