أدوات السيطرة على التضخم تنقلب ضد أردوغان

تزايد الانتقادات بشأن الاستمرار بتثبيت سعر الفائدة وسط شكوك في جدوى زيادة الرواتب.
الثلاثاء 2022/07/05
من سيكترث لقدرتكم الشرائية؟

يحمل صعود منحى التضخم في تركيا أنباء محبطة للسياسات التي يقودها الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يجد نفسه أمام أكبر تحد له منذ توليه السلطة لتعديل بوصلة الاقتصاد بعدما مارس ضغوطا على البنك المركزي لخفض الفائدة في ظل انهيار الليرة.

إسطنبول- يراقب الخبراء التداعيات السلبية للسياسات النقدية التي تتبعها تركيا والتي تدفع بالاقتصاد نحو طريق مسدود جراء التضخم ما سيجعل ارتداداته كارثية على المدى البعيد بينما تتكشف فيه حجم الفقاعة التي ولدتها طموحات الرئيس رجب طيب أردوغان.

وتسارع التضخم خلال شهر يونيو الماضي إلى أعلى مستوى منذ ربع قرن تقريبا، حيث أدت الصدمات العالمية في أسواق الغذاء والطاقة إلى تفاقم الضغوط المحلية خاصة في ظل تدهور قيمة العملة وانخفاض أسعار الفائدة.

وبحسب بيانات نشرها معهد الإحصاء الحكومي الاثنين بلغ التضخم 78.6 في المئة بمعدل سنوي بنهاية الشهر الماضي، وهو أعلى مستوى منذ 1998. ويبدو أنه يسير إلى تسجيل رقم قياسي ينذر بتحطيم القدرة الشرائية للأتراك بشكل أشد قسوة.

وأصدر المعهد الأرقام الشهرية التي كانت أكثر بواقع 4.95 في المئة مقارنة بشهر مايو الماضي، في الوقت الذي تعاني فيه تركيا من أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة.

مجموعة إيناغ: التضخم الحقيقي أكثر بمرتين من المعدل المعلن

ولم يتجاوز نمو الأسعار في السوق المحلية خانة العشرات تقريبا منذ بداية عام 2017، لكنه انفجر هذا العام على خلفية ارتفاع تكاليف الطاقة والسلع الأخرى. وفي إسطنبول التي تعد المركز التجاري لتركيا قفز تضخم أسعار التجزئة إلى 94 في المئة على أساس سنوي الشهر الماضي.

وأدى اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغاز والنفط والحبوب في الأسواق العالمية، مما تسبب في تفاقم الوضع في تركيا المعتمدة على الاستيراد. وكانت أكبر الزيادات في الأسعار السنوية في قطاع النقل بنسبة 123.37 في المئة، تلتها أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 93.93 في المئة، بحسب البيانات الرسمية.

وارتفع التضخم الأساسي الذي يستبعد تأثير العناصر المتقلبة مثل الغذاء والطاقة إلى 57.26 في المئة الشهر الماضي مقارنة مع نحو 56 في المئة في الشاهر السابق. أما مؤشر أسعار المنتجين فقد قفز بنسبة 138.31 في المئة على أساس سنوي و6.77 في المئة على أساس شهري.

ويعود الارتفاع الكبير جدا في الأسعار في جزء كبير منه إلى انهيار الليرة التركية التي خسرت حوالي نصف قيمتها في غضون سنة في مقابل الدولار الأميركي. وكان التضخم قد بلغ 73.5 في المئة في مايو الماضي بوتيرة سنوية. وهو لم يسبق أن وصل إلى هذه المستويات منذ وصول الرئيس أردوغان إلى السلطة في 2003.

وأصبحت هذه المسألة حساسة جدا في تركيا قبل أقل من سنة على الانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو المقبل إذ تتهم المعارضة والكثير من خبراء الاقتصاد مكتب الإحصاءات الوطني بالتقليل بالنصف من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية.

وتتعرض أرقام معهد الإحصاء للتشكيك من قبل الاقتصاديين الذين زعموا أنه يخضع لضغوط سياسية بعدما أشارت إقالات واستقالات كبار مسؤوليه في الأشهر الأخيرة إلى مزاعم التدخل الحكومي.

وعقب الإعلان عن المؤشرات قالت مجموعة البحث حول التضخم (إيناغ) المؤلفة من خبراء اقتصاد أتراك إن التضخم بلغ في الواقع 175.5 في المئة أي أنه أكثر بمرتين من المعدل الرسمي المعلن. وأفاد استطلاع للرأي أجراه معهد ميتروبول الأسبوع الماضي بأن أقل من ربع الأتراك يثقون بأرقام التضخّم الرسمية.

78.6

في المئة نسبة أسعار الاستهلاك في يونيو الماضي وهو أعلى مستوى منذ 24 عاما

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى تيموثي آش وهو محلل في شركة بلو أسّت المتخصّصة بالشأن التركي قوله “لم يعد أحد يصدّق الأرقام (الرسمية) في تركيا”. كما غذى أردوغان نفسه انعدام الثقة هذا بإقالة أربعة من مدراء معهد الإحصاء منذ العام 2019.

ورغم التضخم الذي يشهد تسارعا متواصلا والمخاوف من ارتفاع جديد في الأسعار بسبب الحرب في أوكرانيا يرفض البنك المركزي التركي رفع نسب الفائدة الرئيسية التي تبقى عند 14 في المئة منذ ديسمبر الماضي.

وفي أواخر أبريل الماضي أقر المركزي بأنه سيتعين عليه اجتياز بيئة تضخم مختلفة تماما عما كان متوقعا قبل أشهر فقط، وألقى باللوم على ارتفاع السلع العالمية في ما يحدث، لكنه لم يشر إلى أيّ تغيير في اتجاه سياسته النقدية.

واختار المركزي سياسة نقدية شديدة التساهل، حيث يدير أعمق أسعار فائدة سلبية في العالم عند تعديلها وفقا للتضخم. وعلى النقيض من ذلك، تختار البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم التشديد النقدي لمكافحة التضخم.

فخلافا للنظريات الاقتصادية الكلاسيكية، يرى أردوغان أن نسب الفائدة المرتفعة تزيد التضخم. وهو مُصّر على توقعاته المثيرة للجدل بأن أسعار الاستهلاك ستنخفض إلى “مستويات معقولة” في بداية العام المقبل، وسعى مرارا لتطمين الأتراك بأن الأمور تحت السيطرة.

وتكافح أنقرة لإعادة كتابة جميع توقعات التضخم في ما تبقى من 2022 في ظل السياسات الاقتصادية المتبعة، وسط ترجيح المحللين بأنها لن تتزحزح بشأن السيطرة على الأسعار. وأشار وزير الاقتصاد نورالدين نبطي الجمعة الماضي إلى أن التضخم سيبدأ بالتباطؤ، فقط بدءاً من أوائل ديسمبر المقبل.

ودفع هذا التضخم المرتفع أكثر في مدن البلاد الكبرى الحكومة الأسبوع الماضي إلى إعلان زيادة جديدة في الحد الأدنى للرواتب بنسبة 25 في المئة بعد 50 في المئة مطلع هذا العام مع أن ذلك قد يسرع ارتفاعا جديدا في أسعار السلع الاستهلاكية في الأشهر المقبلة.

الليرة التركية التي خسرت حوالي نصف قيمتها في غضون سنة في مقابل الدولار الأميركي

وأعلن الرئيس التركي عن زيادة مؤقتة في الحد الأدنى للرواتب لأول مرة منذ ست سنوات في الوقت الذي يكافح فيه الأتراك ارتفاع تكاليف المعيشة.

وقال من إسطنبول في خطاب متلفز إن “الحد الأدنى للراتب الشهري الصافي سيرتفع بنسبة 29 في المئة إلى نحو 5500 ليرة (328 دولارا)”، مشيرا إلى ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية.

ووفقا لمؤسسة الضمان الاجتماعي في البلاد فإن أكثر من 40 في المئة من جميع العمال في تركيا يحصلون على الحد الأدنى للرواتب.

ولا تزال الليرة هي الأسوأ أداء هذا العام بين نظيراتها في الأسواق الناشئة، حيث خسرت أكثر من 20 في المئة من قيمتها مقابل العملة الأميركية. وقال متعاملون في إسطنبول الاثنين إنه تم تداول العملة المحلية على انخفاض بنسبة 0.1 في المئة عند 16.7 ليرة لكل دولار.

10