أخيرا، تاريخ أفريقي للقارة الأفريقية

نيامي - يُنظر إلى أفريقيا لفترة طويلة عبر عدسة أوروبية تحرم الأفارقة من تاريخهم الثري، لكن كتاب زينب بدوي، رئيسة جامعة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، يضع العدسة في أيدي الأفارقة.
وتقول بدوي في كتابها الجديد “تاريخ أفريقيا الأفريقي: من فجر الإنسانية إلى الاستقلال” في حوار مع موقع عرب دايجست إن ميل العالم للنظر إلى تاريخ أفريقيا من خلال الأوروبيين، دفعها إلى البحث عن تاريخ أفريقيا من خلال الأفارقة.
وخصصت بدوي في كتابها 18 فصلا، حيث ركزت في الفصول الأولى على وجهة نظر المؤرخين الأفارقة وعلماء الآثار والخبراء الثقافيين في جميع أنحاء القارة شمالها وجنوبها وشرقها وغربها ووسطها.
وتقول الباحثة إنها لا تقبل التقسيم المفروض على أفريقيا، أي ما يسمى بالشمال العربي وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وفي سؤالها عن وجود سياسة متعمدة لمحو تاريخ أفريقيا، تقول بدوي إن الأمر كان نتاجا ثانويا للإمبريالية الغربية، إذ إن التاريخ يعتبر عامة تاريخ الغزاة.
وتضيف أنه يوجد قول مأثور جميل متناقل في جنوب أفريقيا، وتعتبره مناسبا إلى حد ما “حتى تجد الأسود مؤرخيها، سيظل تاريخ الصيد يمجد الصياد دائما”.
النظر إلى تاريخ أفريقيا بعدسة الأوروبيين كان نتاجا ثانويا للإمبريالية الغربية، إذ إن التاريخ يعتبر عامة تاريخ الغزاة
وتعتقد لذلك أن التاريخ يميل عموما إلى تمجيد المنتصرين، فقد استعمر الأوروبيون كل أفريقيا (حتى الإثيوبيين الذين يقولون إنهم لم يُستعمروا أبدا ولو أن الإيطاليين احتلوهم وخاضوا كذلك العديد من المعارك مع القوات الإمبريالية).
وتشير إلى أنه لهذا السبب أن تاريخ أفريقيا وتفسيراتها ورؤاها ومنظوراتها غرقت في رواية المنتصرين الذين يرون التاريخ من خلال عدساتهم وأنظمة قيمهم الخاصة، ويسعون إلى تمجيد ما اقترفه جنرالاتهم وجنودهم وضباطهم الاستعماريون.
ولذلك تجد نفسك تفتقر إلى تاريخ استُهدِف من خلال النسيان أو التجاهل. وينطبق الأمر خاصة على تلك الأجزاء من أفريقيا التي لم تكتب تاريخها واعتمدت دائما على التقاليد الشفوية لتناقل الروايات.
وهذا ما جعل الكثيرين يتصورون أن التاريخ من عدم في أفريقيا قبل الأوروبيين وأن هؤلاء هم الذين كتبوا ما رأوه.
ويُعتقد بالتالي أن أفريقيا لم يكن لديها أي تاريخ حقا. لكن لحسن الحظ، كان وصول الإسلام إلى أفريقيا مبكرا بما يعني وجود العديد من الأفارقة الذين أمكنهم الكتابة باللغة العربية، حيث توجد مكتبات كبيرة من أعمال الأدب الأفريقي المكتوب بهذه اللغة.
وفي سؤالها عن قصة المهدي، الزعيم السوداني الذي هزم الجنرال البريطاني تشارلز غوردون في الخرطوم وهل أنها تتناول القصة من رواية البطل الإمبريالي البريطاني المتناقلة وتقدم رؤى جديدة، تقول بدوي إن الاسم الكامل للمهدي هو محمد أحمد بن عبدالله ويُعرف بالمهدي. ولد في 1844 وتوفي سنة 1885 وكان زعيما دينيا يتمتع بكاريزما كبيرة.
ووُلد في شمال السودان قرب دنقلا، في المنطقة الحدودية مع مصر، وكان ابن صانع قوارب.
وانتقل لاحقا إلى جنوب الخرطوم. وتلقّى تعليما دينيا وكان متصوفا، أمضى سنوات متزهدا رافضا للمتع المادية وعاش حياة بسيطة متفرغا للعبادة.
وأراد أن يكون قدوة للآخرين وحشد عددا كبيرا من الأتباع. كان في الثلاثينات من عمره خلال سنة 1881، وتمتع بالفعل بسمعة باعتباره مفكرا دينيا متميزا. واجتذب العديد من الأتباع من جميع أنحاء السودان.
وواجه المهدي الجنرال غوردون في معركة الخرطوم سنة 1885. وحقق المهدي انتصارا تردد صداه في جميع أنحاء أفريقيا، ومثّل هزيمة صاعقة لهذه القوة الاستعمارية الكبرى.
وكان هذا في نفس الوقت الذي عُقد فيه مؤتمر برلين، من 1884 إلى 1885، حين بدأت القوى الأوروبية تقسم أفريقيا إلى مناطق نفوذ مختلفة. ومثّل هذا انتصارا رمزيا ضد القوى الإمبريالية.
وكان هذا موضوع فيلم روائي بريطاني شهير جدا صدر في 1966 تحت عنوان “الخرطوم”. وكان من بطولة لورانس أوليفييه في دور المهدي وتشارلتون هيستون في دور غوردون.
وحقق هذا الفيلم نجاحا كبيرا في ذلك الحين. وكان يصور الحق إلى جانب الجنرال غوردون وقدّم المهدي في صورة المتعصب الشيطاني.
واعتبر الكاتب والمفكر العربي إدوارد سعيد الفيلم جزءا من الدعاية المؤيدة للاستعمار التي تضع ذكورة عربية عنيفة استبدادية ضد غربية نبيلة وعقلانية. وكان هذا فصلا في تاريخ أفريقيا لا يزال نوعا ما قائما بالطريقة التي وصفها إدوارد سعيد.
وفي سؤال الباحثة ذات الأصل السوداني عما يجب أن يحدث لإنهاء الحرب الطاحنة في السودان، حيث يعدّ تاريخ أفريقيا، مثل كل القارات الأخرى، تاريخ حروب، تتخلله أوقات سلام؟ ترى بدوي أن السودانيين أصبحوا عالقين بين المطرقة والسندان.
وقالت إن السودانيين كانوا يأملون في أن يولّد تعيين المبعوث الخاص للولايات المتحدة توم بيرييلو بعض الدفع، أو حتى يساهم في تنسيق مختلف مسارات المفاوضات المتباينة.
وتعتقد بدوي أن إحدى الخطوات المهمة تتلخص في تحقيق قدر أعظم من التماسك والتنسيق والاتساق.
ورأت الباحثة وجوب محاسبة اللاعبين الخارجيين الذين فاقموا الوضع السيء بالفعل.
وتقول إن لاعبين من أماكن بعيدة مثل روسيا وأوكرانيا وانقسام العالم العربي على طرفي نقيض يطيلان أمد الصراع.
ورغم كل الصراعات التي تعصف بالقارة الأفريقية ترى بدوي أن المستقبل ملك لأفريقيا ولشبابها.