أحزاب مصرية تتحول إلى جمعيات خيرية لأهداف انتخابية

توظيف المساعدات لخدمة السياسة يكرس الأزمة الاقتصادية.
الأحد 2025/01/26
الأحزاب المصرية من إزعاج السلطة إلى مجاراتها

القاهرة - واصلت أحزاب مصرية قريبة من السلطة تحركاتها المجتمعية للاستعداد المبكر للانتخابات البرلمانية التي سوف تعقد في الربع الأخير من العام الجاري، على أمل الظهور في نظر الشارع بأنها ماضية في تخفيف الأعباء المعيشية بما يُعيد ترميم شعبيتها، في ظل سلبيتها في نقد الحكومة أو تماهيها معها.

وتحولت بعض الأحزاب إلى جمعيات خيرية من خلال إطلاق حملات اجتماعية في مناطق مختلفة، وهي أدوار اعتادت القيام بها مع تراجع دورها العام وهيمنة الأزمات المعيشية على حياة المواطنين، لذلك تحاول توظيف الفقر لصالحها سياسيا.

ومنذ إطلاق حزب جديد قريب من السلطة يحمل اسم “الجبهة الوطنية”، كثّف حزب “مستقبل وطن” الذي يقدّم نفسه كظهير سياسي للنظام من تحركاته الاجتماعية وأعلن تكفله بسداد جميع ديون صغار المزارعين، وهو تحرك أثنت عليه الحكومة.

وبدأ “مستقبل وطن” ينخرط بكثافة في الأعمال الخيرية، وظهر ذلك في احتفالية ضخمة نظمها في محافظة الشرقية شمال القاهرة أخيرا، أعلن فيها تنظيم مئة رحلة عمرة مجانية، وتزويج مئة وخمسين فتاة من الأسر البسيطة، وتجهيز مئات الغرف والحضّانات بالمستشفيات من أسرّة ومستلزمات طبية.

ولم يقم حزب “الجبهة الوطنية” بأي دور مجتمعي كونه لم يتأسس بشكل رسمي بعد، وما زال يجمع التوكيلات المطلوبة، وهو ما دفع حزب “مستقبل وطن” لتكثيف حضوره خشية التهميش السياسي، أو أن يظهر أمام الحكومة ككيان منزوع الدسم السياسي والشعبية الاجتماعية، بما يجعل السلطة تبحث عن بديل لديه حضور أكبر.

جمال أسعد: الاعتماد على الأحزاب لتهدئة الشارع يجعل الحكومة تشعر أن دورها مكمل للأحزاب
جمال أسعد: الاعتماد على الأحزاب لتهدئة الشارع يجعل الحكومة تشعر أن دورها مكمل للأحزاب

وقامت أحزاب “الشعب الجمهوري”، “حماة الوطن”، “مصر أكتوبر” أخيرا بإطلاق مبادرات لدعم الأسر الأكثر احتياجا، تنوعت بين توزيع بطاطين في الشتاء وإنشاء أسواق شعبية تبيع السلع بأسعار مخفضة، والمساهمة في تجهيز عدد من الفتيات المقبلات على الزواج ممّن ينتمين إلى أسر فقيرة.

وهناك نشرات إعلامية شبه يومية عن النشاط الخدمي للأحزاب القريبة من السلطة، ورغم الشكوك التي تثار حول أهداف تلك الأنشطة، تمضي الأحزاب في طريقها بلا اكتراث بما يوجه لها من اتهامات لنفاق السلطة والتقارب مع الشارع لدواع انتخابية.

ويبدو أن التحرك نحو زيادة الحضور المجتمعي هو محاولة لنفي أيّ صلة بين المساعدات والانتخابات، بحيث لا يتم تكثيف الدور الخدمي مع اقتراب الاستحقاق التشريعي في أكتوبر المقبل، كي تنفي الأحزاب عن نفسها تهمة تقديم ما يمكن وصفه “رشاوى انتخابية” لحث المواطنين على التصويت لمن يقدم خدمات أكبر.

ويرى معارضون أن تحول بعض الأحزاب إلى جمعيات خيرية عملية بائسة لترميم شعبيتها مستغلة الظروف الاقتصادية الصعبة للناس، لكن أغلب المصريين أكثر وعيا ويُدركون أهداف هذه التحركات، ويكرس هذا النهج فقدان العمل السياسي الحقيقي.

ولا تُدرك الحكومة التي يشارك بعض الوزراء في الفعاليات الخدمية لأحزاب السلطة، أن التدخل الحزبي المتكرر لاستقطاب الناس بالمساعدات، يعني أن الحكومة أخفقت في توفير برامج حماية اجتماعية تحصّن البسطاء من تداعيات الأزمة الاقتصادية.

ويعيش قرابة نصف المصريين تحت خط الفقر، ويمثل هؤلاء قاعدة شعبية هامة للأحزاب، لذلك ضاعفت جهودها لاستقطابهم من خلال العمل الأهلي للحصول على دعمهم في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

ولا ينشغل البسطاء بالسياسة كثيرا ولا يعنيهم كل ما يرتبط بها أو يهتمون بما يقف وراء الدور المجتمعي للأحزاب، وكل ما يشغلهم أن يُرفع عنهم عبء خدمة أو سلعة أو دين، فتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية من أكثر همومهم اليومية.

ولا يهتم الفقراء بمعرفة هوية الأحزاب التي تقدم خدمات اجتماعية، لكن “مستقبل وطن” هو الحزب الأكثر حضورا، حيث اعتاد وضع صورة الرئيس عبدالفتاح السيسي على كل أنشطته، ويقدم كل خدمة على أنها “تكليف من الرئيس” لرفع المعاناة عن البسطاء، لكنهم لا يعرفون نوابه أو مقراته.

كما أن بعض الأحزاب القريبة من السلطة تناقض نفسها، فهي تحاول التسويق بأنها ترفع الأعباء عن المواطنين، بينما لو كانت جادة لرفضت كل توجه يضاعف من قسوة الظروف المعيشية، ما يؤدي إلى تحريك مستمر لأسعار الخدمات والمستلزمات الأساسية.

◙ تحول بعض الأحزاب إلى جمعيات خيرية عملية بائسة لترميم شعبيتها مستغلة الظروف الاقتصادية الصعبة

وإذا كان “مستقبل وطن”، صاحب الأغلبية البرلمانية، يرغب في تقديم نفسه على أنه لا يزال ظهيرا مجتمعيا للسلطة، فهو نفسه الذي وافق على كل الإجراءات والتشريعات والسياسات التي أثقلت الأعباء على المصريين من خلال نوابه داخل مجلسي الشيوخ والنواب، والآن يحاول تبييض صورته بتقديم مساعدات خيرية.

ويعد تداخل الأحزاب مع الشارع والقيام بدور مساند للحكومة في ملف الغذاء والخدمات، توجها مطلوبا وقت الأزمات، لكن المشكلة أن الكيانات الحزبية تتعاطى مع هذا النهج على أنه الدور المحوري للسياسيين، مع أن التوجه الأهم يكمن في فرملة الحكومة عن أيّ إجراء خاطئ وتقديم حلول لأزمات معقدة.

أكد المفكر السياسي جمال أسعد أن الاعتماد على الأحزاب لتهدئة الشارع يجعل الحكومة تشعر أن دورها مكمل للأحزاب، ما يكرّس موت السياسة واستمرار الأزمة الاقتصادية واستغلال الفقر لأهداف انتخابية، من دون أن تكون هناك حلول جذرية للمشكلات الراهنة.

وأضاف لـ”العرب” أن تحزّب المساعدات يكرس الفقر وهذا خطر سياسي، حتى إذا كان ذلك يحدث بحسن نية ويهدف إلى تخفيف الأعباء، ومن الخطأ أن يكون هذا محور عمل الأحزاب، ومن الوهم اعتقاد أن الشارع سوف يمنح حزبا أكبر من حجمه لمجرد أنه قدم مساعدات رمزية، بل سيتعامل معه بمنطق المنفعة فقط.

وبقطع النظر عن الأهداف الخفية للتحركات الحزبية المتسارعة في العمل المجتمعي، فقد باتت السلطة مطالبة بمعرفة أن هذا التوجه يُحرجها ولا يخدمها، فإذا كانت المساعدات الحزبية تخفّف من التململ الشعبي فهي تقدم للشارع صورة قاتمة عن الحكومة وعدم قدرتها القيام بدورها.

وعند اختزال دور الأحزاب في تقديم خدمات اجتماعية دون أن تكون هناك رؤية سياسية، فإن الأزمة الاقتصادية سوف تدوم، لأن الحكومة لا تجد أحزابا قوية لها شعبية أو حضور في الشارع يمكنها من تقويم سياساتها، ولن يتحقق ذلك إلا إذا اقتنعت السلطة بأن الأزمة الاقتصادية نتاج غياب السياسة بمفهوما الشامل.

4