أحزاب سياسية ترتدي ثوب الجمعيات الخيرية في مصر

القاهرة - كثفت أحزاب مصرية قريبة من الحكومة المصرية تحركاتها المجتمعية منذ بداية شهر رمضان، وارتدت ثوبا أشبه بالجمعيات الأهلية، عبر إطلاق حملات تركز على سد احتياجات المواطنين في مناطق مختلفة، وهي أدوار اعتادت القيام بها مع انخفاض الحراك السياسي وهيمنة الأزمات الاقتصادية على المشهد العام الفترة الماضية، وتحاول توظيفها لصالحها قبل نحو عام على إجراء الانتخابات البرلمانية.
وأطلق حزب مستقبل وطن (صاحب الأغلبية في البرلمان) مبادرات في رمضان، بينها تنظيم مائدة إفطار للأسر الأكثر احتياجا في جميع المحافظات، وتوزيع وجبات الإفطار على المستحقين في أماكن تواجدهم، وتقديم وجبات للمسافرين بين المحافظات، والمشاركة في معارض “أهلا رمضان” التي تبيع السلع بأسعار مخفضة.
ودشن حزب الشعب الجمهوري (ثاني أكثر الأحزاب تمثيلا في البرلمان) مبادرة خيرية لدعم الأسر الأكثر احتياجا ومساندتها، تشمل توزيع سلع غذائية على 150 ألف أسرة، وتنظيم 60 مائدة طوال الشهر في كافة المحافظات. وافتتح حزب حماة وطن عددا من معارض السلع التي تحمل اسم “أهلا رمضان” بالتعاون مع هيئات حكومية في أماكن متعددة لتقديم السلع للمواطنين بأسعار مخفضة.
وتوسعت الأحزاب التي يطلق عليها وصف “أحزاب الموالاة” في الأنشطة المجتمعية لسد الفجوة التي تركها تنظيم الإخوان منذ اختفائه من الساحة السياسية بالداخل، وقطع الطريق على أي محاولة ترمي إلى تغلغل عناصره خفية في المجتمع.
وأكدت الحملات المستمرة، ويرتبط معظمها بتقديم المساعدات المعيشية للناس في المناطق الشعبية، أن الكوادر الحزبية التي تملك أموالا وفيرة تحدوها رغبة في لعب هذا الدور لعدم كشف خبراتها السياسية الضعيفة، والقيام بعمل إنساني يتماشى مع أوضاع لم يكن فيها العمل الحزبي يشكل أولوية في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
ويشير استمرار هذا الدور في وقت تعاني فيه البلاد من مشكلات اقتصادية إلى أن الحكومة تعتمد على الأحزاب كذراع تساهم في تخفيف حدة الأزمات، ما يعني تحولا في الدور السياسي المباشر للأحزاب التي تركز في خطابها العام على أنها تعمل على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وتخطب ودهم في ظل عجز برامجها السياسية.
وتضرب الأحزاب ذات التكتل البرلماني الواسع عدة عصافير بحجر واحد بهذا التوجه، فهي تروج لعناصرها التي توجه لها انتقادات لعدم قيام مجلس النواب بواجباته تجاه التعبير عن أهداف المواطنين قبل الحكومة، وتثبت امتلاك كوادرها قدرة على التواصل مع الناس في الشارع، وتعطي انطباعات بوجود كيانات سياسية مع حالة توجس تنتاب الحكومة من وجود فراغ قد تسده تنظيمات متطرفة.
وقال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع إن الأحزاب التي تتوسع في دورها الاجتماعي قريبة من الحكومة وتعمل على إيصال رسائل للمواطنين بأن لديها فاعلية على الأرض، بينما يشير الواقع إلى اختفاء دورها السياسي وتعمل على الاستفادة من صلاتها القوية بجهات رسمية لتقديم السلع بأسعار مخفضة من دون بناء علاقة فكرية مع الجمهور.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن بعض الأحزاب المصرية لها تاريخ في العمل الاجتماعي، وحزب الوفد (أقدم الأحزاب المصرية) لعب دورا مهما في التوعية المجتمعية في العديد من القرى والنجوع، وهو دور يختلف عم تقوم به أحزاب الموالاة حاليا، والتي تسعى للحشد مبكرا لإعداد قوائم الانتخابات البرلمانية المقبلة، وتعمل على خلق حاضنة شعبية لها في الشارع من خلال التخفيف عن المواطنين.
وأشار عمرو هاشم إلى أن هذه الأحزاب تعول على تكرار التواصل مع الجمهور كي تلقى الدعم المطلوب، ما يفسر استمرارها في لعب أدوار اجتماعية والتواجد في الكثير من الأزمات بما يدعم ارتباط اسمها في أذهان الناخبين بالمساعدات، ويصبح الدور الأهلي للأحزاب طاغيا على السياسة.
وتقتصر رؤية بعض الأحزاب على تكثيف العمل الخدمي قبل البرامج السياسية، ويعد ذلك طبيعة تاريخية، فقد لعب بعضها دورا مهما في تقديم الخدمات للمواطنين، ولا تزال العلاقة ممتدة بين هذه الأحزاب والشارع، مع أن الاعتماد على القوائم السياسية في قانون الانتخابات يحتم اختيار مجموعة من النواب وفقا لبرنامجهم السياسي.
وذكر المحلل السياسي جمال أسعد أن الحزب إذا لم يبن رؤيته المستقبلية للأوضاع في البلاد بناء على فكر سياسي يفقد تأثيره وقد يتحول إلى كيان أهلي، وما يحدث في مصر هو أن غالبية الأحزاب باتت جزءا من العمل الاجتماعي، ويغيب عن أذهان هؤلاء أن الحزب يمكن أن يمارس أنشطة متباينة في وقت واحد.
وأضاف لـ”العرب” أن أي حزب يستطيع عقد لقاءات سياسية وتنظيم صالونات فكرية يعلن من خلالها عن نفسه، خاصة أن الأحزاب لديها مقرات تمكنها من استضافة الكثير من الأنشطة، حال جرى تضييق الخناق عليها في الشارع.
ولفت إلى أن الأحزاب المصرية تفتقد إلى العمل السياسي الذي يبدع في استخدام الطرق التي تجعله يتجاوز المسموح به، ويستسلم الجميع لطريقة أسهل في إقامة علاقات خدمية ، وهو ما يبرهن على غياب الرؤية السياسية للكوادر والمواطنين الذين اعتادوا على المنفعة المتبادلة.
وشدد أسعد في حديثه لـ”العرب” على أن الأحزاب تعمل على انتهاز المناسبات الدينية والقومية للتأكيد على أنها تتواجد في الشارع، لكنه تواجد خادع، فالأحزاب توظف الأوضاع المحيطة بالناس وتتوسع في تقديم المساعدات وتنافس الجمعيات الأهلية.
ويتسبب عدم وجود حياة حزبية بالمعنى النشط في تغييب الأجواء السياسية التي تساعد الأحزاب على تقديم أفكارها، وبعضها لا يملك برامج قابلة للتطبيق، والانضمام إلى الأحزاب لا يتم بناء على قناعات المواطنين، وغالبا يأتي عبر علاقات شخصية أو رغبة في الحضور المجتمعي والسعي للتقارب مع جهات رسمية، ولذلك فالكثير من الكوادر يصعب وصفها بالانتماء الحزبي الحقيقي، ما يفرز أداء سياسيا ضعيفا.