أجيال من عائلة مصرية تتكاتف لتنظيف النيل حماية للبيئة

"فيري نايل" مبادرة شبابية تُعنى بتطوير وسائل مستدامة لتنظيف النيل من المخلفات غير العضوية وإعادة تدوير النفايات.
الخميس 2022/10/27
التلوث يقطع مصدر الرزق

القاهرة - في تمام الساعة الخامسة فجرا، يذهب المصري محمد نصار يوميا إلى عمله في صيد السمك مُبحرا بزورقه الخشبي في مياه نهر النيل، منطلقا من ضفاف جزيرة القرصاية بمحافظة الجيزة حيث يقطن بحثا عن رزقه.

وحين تمتلئ شباكه بالسمك البلطي الذي ينتهي من بيعه بعد صلاة الظهر، يعود نصار إلى زورقه ليمشط النيل بحثا عن المخلفات وبالأخص النفايات البلاستيكية.

ويجمع نصار (59 عاما) النفايات ليأخذها إلى مقر مبادرة "فيري نايل" بجزيرة القرصاية ليتم وزنها ويحصل مقابل الكيلوغرام الواحد منها على 14 جنيها مصريا، في نشاط يقلل من تلوث مياه النيل ويزيد من دخله الشهري.

ويقول هاني فوزي، مدير مشروع الصيادين بمبادرة "فيري نايل" إن حماس الشباب مؤسسي المبادرة نابع من خوفهم على "مصدر الحياة في مصر" وحزنهم من "سوء المعاملة" التي يلقاها. ويضيف "من هنا أتت فكرة المبادرة، إننا ننظف النيل ونطهّره من المخلفات، ونستخدم المخلفات وتكون لها قيمة اقتصادية أعلى من كونها قمامة".

و"فيري نايل" مبادرة شبابية في مصر بدأت في ديسمبر 2018 كمؤسسة تُعنى بتطوير وسائل مستدامة لتنظيف النيل من المخلفات غير العضوية، وإعادة تدوير النفايات الصلبة من خلال التعاون مع العديد من الشركات من أصحاب المصلحة المحليين، بالإضافة إلى التقليل من استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام، وزيادة الوعي بأهمية حماية البيئة.

بتزايد البلاستيك يتزايد أثره السلبي على الثروة الموجودة في النيل
بتزايد البلاستيك يتزايد أثره السلبي على الثروة الموجودة في النيل 

وانضم نصار إلى مبادرة تنظيف النيل منذ عامين تقريبا. ويوضح أن معدل النفايات يزيد في أيام العطلات الأسبوعية حيث يلقي زوار المطاعم النيلية والسفن السياحية بالمخلفات في النيل ويصل كمّ النفايات التي يجمعها في تلك الأيام إلى 70 كيلوغراما في اليوم.

لكن في منتصف الأسبوع يجمع حوالي 20 كيلوغراما يوميا من النفايات البلاستيكية. وتوضح تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن نفايات البلاستيك تستغرق ما بين 20 و500 عام لتتحلل، وحتى في ذلك الحين لا تختفي تماما، لكن فقط يصغر حجمها.

ويشير نصار إلى أن ازدياد كمّ النفايات الملقاة في النيل له أثر سلبي على عمله في صيد السمك قائلا إن "الشباك التي نصطاد بها ناعمة، أي قمامة يمكن أن تقطعها، لذلك أحاول أن أنظف النيل باستمرار".

وعلى مدار الأعوام الأربعة الماضية، نجحت مبادرة “فيري نايل” في جمع 180 طنا من النفايات، وبنهاية عام 2020 اتجه ناشطوها إلى توسعة نشاطهم ليشمل ورشة لإعادة تدوير الأكياس البلاستيكية وتحويلها إلى منتجات مختلفة. وتقود نساء الجزيرة هذه الورشة التي كانت بمثابة فرصة لهن للمشاركة في جهود حماية البيئة بالإضافة إلى تمكينهن اقتصاديا.

وتقدمت ابنة أخت نصار، هيام محمد (42 عاما) إلى العمل بتلك الورشة للمساهمة في رفع الأعباء المادية عن كاهل أسرتها. وأصبحت مسؤولة عن تعقيم وكي الأكياس البلاستيكية وإعادة تدويرها إلى ما يشبه قطعة القماش السميكة حتى يتم تصميمها إلى منتج صديق للبيئة.

وفرحت هيام بانضمامها إلى خالها في العمل البيئي، وتشعر بأنها تساهم في عمل جماعي يحسّن من نظافة النيل. وتقول هيام "لا بد أن يظل النيل نظيفا، ليكون منظره جميلا ويستمتع الناس بالسباحة في مياهه، لذلك يتوجب عليهم عدم إلقاء القمامة ووضعها في مكانها المناسب".

ولم تكن هيام آخر أفراد عائلة نصار انضماما إلى المبادرة. فبعد أن بدأت هيام العمل في الورشة، بدأ ابنها يحيى (22 عاما) وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهو مولود أصم، العمل معها في المبادرة.

◙ مبادرة "فيري نايل" الشبابية نجحت في جمع 180 طنا من النفايات للبر والبحر في مصر على مدار الأعوام الأربعة الماضية

ويقوم يحيى بالعديد من الأدوار الحيوية، إذ يجدف بالقارب الذي يقل العاملين بالمبادرة من الجزيرة وإليها، وهو أيضا مسؤول عن نظافة المخازن، بالإضافة إلى تقديم المساعدة للعاملين في "فرن البلاستيك" حيث يتم كبس البلاستيك الذي يجمعه الصيادون من النيل وتحويله إلى بالات وتقسيمه حسب اللون.

وبحسب فوزي، فإن البلاستيك الشفاف والأبيض يتم تحويله إلى حبيبات صغيرة ويتم تصديره إلى الخارج، إذ يدخل في صناعات الغزل المختلفة. أما البلاستيك الملون فيتم بيعه إلى أحد مصانع الإسمنت في مصر ليستخدم كبديل للوقود الملوث للبيئة.

وتقول هيام، إن العمل مع المبادرة كان له أثر إيجابي على يحيى، الذي لم يتمكن من إيجاد فرصة عمل ملائمة لظروفه رغم حصوله على شهادة الثانوية العامة، مضيفة أنه “يستمتع حين ينزل بالقارب ويعود بما يجده من قمامة فذلك يجعله يشعر أنه نظّف النيل".

والمبادرة التي بدأت بمشاركة أربعة صيادين فقط، أصبح بها اليوم ما يقرب من 65 صيادا يعملون جميعا بلا كلل على تطهير النيل من المخلفات مضيفين لأنفسهم مصدر رزق آخر إلى جانب صيد السمك.

ويؤكد نصار، أنه كان سيهتم بتنظيف النيل حتى دون عائد مادي قائلا "أليست مصر بلدنا والنيل نيلنا؟ ونحن نشتغل فيه ومنه نلتقط رزقنا؟ لو تركته كما هو متسخا، فكيف سنعيش".

نتعاون معا لنعيش
نتعاون معا لنعيش

18