أجواء انتخابية مضطربة في تونس تنذر ببرلمان مشتت

دعي أكثر من سبعة ملايين ناخب في تونس لانتخاب برلمان جديد الأحد، ستكون تشكيلته مفتوحة على كل الاحتمالات بعد ثلاثة أسابيع من انتخابات رئاسية، أفرزت مفاجأة بوصول منافسين من خارج النظام الحاكم إلى الدورة الثانية.
تونس – تُجرى الأحد ثاني انتخابات برلمانية في تونس بعد ثورة يناير 2014 التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وينافس 15 ألف مرشح عن أحزاب وائتلافات وقائمات مستقلة في 33 دائرة انتخابية داخل تونس وخارجها من أجل الفوز بمقاعد مجلس نواب الشعب التونسي (البرلمان) الـ217، وسط تخوف من أن يترجم غضب الشارع إلى نتائج تنتهي بهذه الانتخابات إلى برلمان مشتت يزيد من تعقيدات الوضع بدلا من حله.
ويتجه التونسيون نحو مراكز الاقتراع “بخبرة” اكتسبوها مع تجربة الانتخابات التشريعية في سنة 2014، وانتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر سنة 2011 التي كانت أول محطة انتخابية في تونس بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي في مطلع سنة 2011.
لكن، هذه “الخبرة” قد لا تفيد التونسيين اليوم في الاختيار من بين حوالي 15 ألف مرشح على 217 مقعدا في البرلمان من أحزاب وائتلافات ومستقلين متنوعين ومن اتجاهات سياسية عديدة. ومما يزيد من التحدي ميل الشارع إلى القطع التام مع المنظومة القديمة، التي جربوها في 2011 و2014.
يأتي الإسلاميون، الممثلون أساسا في حركة النهضة على رأس المغضوب عليهم في هذه الانتخابات، التي يتوقع أن تفرز برلمانا مشتتا، البعض يخشى أن يضع البلاد أمام تحديات جديدة لمواصلة مسار الديمقراطية، والبعض الآخر يبدو أكثر تفاؤلا باعتبار أن تونس تجاوزت الأسوأ وأن هذه الانتخابات ستكون اختبارا جديدا للطبقة السياسية وسيكون فيها صوت الشارع هو الفيصل.
ويقدر مراقبون أن يكون المشهد السياسي القادم في البلاد مشتتا بتركيبة برلمانية من كتل صغيرة ما من شأنه أن يعقد عملية التوافق حول تشكيلة الحكومة القادمة وذلك استنادا إلى نتائج الدورة الرئاسية الأولى التي أفرزت مرشحيْن غير متوقعين، هما أستاذ القانون الدستوري المستقل قيس سعيّد ونبيل القروي رجل الأعمال الموقوف بتهم غسل أموال وتهرب ضريبي. ويقول الباحث الاجتماعي هشام الحاجي إن البرلمان القادم سيكون “فسيفساء” من الأحزاب السياسية والمستقلين، حيث من غير المتوقع أن تسفر الانتخابات عن أغلبية واضحة لأي تيار سياسي، ما سيعني ضرورة تشكيل حكومة ائتلافية.
من المتوقع ألا تسفر الانتخابات عن أغلبية واضحة، ما سيعني ضرورة تشكيل حكومة ائتلافية
ويرى أن الانتخابات ستعكس المشهد السياسي القائم في البلاد الذي يتميز بعدم قدرة الأحزاب على حشد تأييد كبير وظهور نزعة الاستقلالية بالإضافة إلى المبادرات الائتلافية. وسيؤدي هذا الوضع إلى “تشرذم الأصوات وظهور كتل صغيرة غير قادرة على قيادة تشكيل الحكومة ولا قيادة المعارضة”.
ويدخل الانتخابات متنافسون جدد إلى جانب الأحزاب، على غرار المستقلين الذين يمثلون ثلثي القائمات المشاركة ومن المنتظر أن يحدثوا مفاجأة وأن يحصلوا على عدد مهم من المقاعد. وأثار ظهورهم بقوة تخوفا من بعض الأحزاب، فقد دعا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى عدم التصويت لهم، معتبرا أن “التصويت للمستقلين تصويت للفوضى”. وفي ذات السياق، يرى الحاجي أن تقدم المستقلين “قد ينعكس على استقرار البرلمان، خاصة وأن لدينا العديد من القوائم المستقلة التي لا نعرف أي شيء عن ميولها السياسية، ولا مَن وراءها ولا مع من ستصطف بعد الانتخابات“.
والخطر هنا وفق المراقبين أن يتجه الشارع نحو هذه القائمات فقط بسبب الغضب من المنظومة السياسية والأحزاب التقليدية، مثلما حدث مع الانتخابات الرئاسية.
وأظهرت توجهات التصويت للدورة الرئاسية الأولى أن الناخبين التونسيين اختاروا اللجوء إلى “تصويت العقاب” ضد رموز المنظومة الحاكمة التي عجزت عن إيجاد حلول اقتصادية واجتماعية وخاصة في ما يتعلق بالبطالة وارتفاع الأسعار والتضخم. وجاءت الحملات الانتخابية للتشريعية باهتة بسبب تغيير روزنامة الانتخابات بتقديم موعد الرئاسية على التشريعية إثر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، بالإضافة إلى “صدمة” الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
ويقول المحامي غازي مرابط، المرشح عن جمعية “عيش تونسي”، إن “غالبية الأشخاص لا يعيرون اهتماما بالانتخابات التشريعية”.
ونظم التلفزيون الحكومي ثلاث مناظرات تلفزيونية لمرشحين للانتخابات التشريعية، إلا أنها لم تلق نجاحا ومتابعة من قبل التونسيين كما كان عليه الحال في الدورة الرئاسية الأولى.
أحزاب مختلفة
تمكن حزب “قلب تونس” لمؤسسه نبيل القروي من تكوين قاعدة شعبية مهمّة وذلك من خلال حملات التبرع والزيارات الميدانية التي كان يقوم بها القروي للمناطق الداخلية منذ ثلاث سنوات ووزع خلالها مساعدات وسد فراغا تركته السلطات في هذه المناطق المهمشة.
وتشير بعض استطلاعات الرأي غير الرسمية إلى أن “قلب تونس” سيتمكن من نيل المرتبة الأولى أو الثانية. وتستفيد حملة “قلب تونس” من تلفزيون “نسمة” الذي أسسه نبيل القروي وكان يبث برنامج “خليل تونس” للزيارات الميدانية التي كان يقوم بها القروي.
وأعلن عدد من الأحزاب والشخصيات السياسية دعمه في الدورة الثانية، ومن بينها حركة “النهضة” التي دعت قواعدها إلى انتخاب سعيّد، وقالت إن فوزه بالانتخابات الرئاسية سيذلل الصعوبات مستقبلا.
وأعلن حزب “قلب تونس” في المقابل أنه لن يخوض أيّ توافقات وتحالفات مع حركة النهضة واتهمها “بالوقوف وراء سجن القروي” وأنها المستفيدة من ذلك.
ويظهر حزب “ائتلاف الكرامة” كمنافس قوي على مقاعد البرلمان بعد أن نال رئيسه المحامي سيف الدين مخلوف ترتيبا متقدما في الدورة الرئاسية الأولى وحصد 4.3 في المئة من الأصوات. وتضم قائمات “الكرامة” مرشحين محافظين كانوا قد عبروا عن دعمهم لسعيّد.
وتعدد الأحزاب واختلافها يجعل من إنجاز بقية مراحل المسار الانتخابي صعبا خصوصا وأن تشكيل الحكومة يتطلب توافقا واسعا وتظهر في الأفق بوادر نقاشات محتدمة من أجل التوافقات.
يقول مايكل العياري، الخبير في مجموعة الأزمات الدولية، “من الممكن ألا تكون هناك غالبية من أجل تشكيل حكومة في الآجال التي ينص عليها الدستور”، فيما يتوقع الخبراء أن تشهد فترة ما بعد إعلان النتائج موجة سياحة حزبية مبكرة، في إشارة إلى مغادرة العديد من نواب البرلمان المنتهية ولايتهم من أحزابهم التي ترشحوا عنها إلى أحزاب أخرى.
وعبّر الحاجي عن مخاوفه من أن يحدث ذلك ويتحول التوقع إلى واقع، مشيرا إلى أن كتل الأحزاب التقليدية ستكون غير وازنة وسينعكس ذلك على خطوات تشكيل حكومة مستقرة. وقال إن “مستقبل التحالفات سيبقى غامضا”.
"نهاية" اليسار
وفي سياق متصل بتحولات المشهد السياسي المتوقع إثر الانتخابات التشريعية للأحد القادم، اعتبر هشام الحاجي أن “أكبر خسارة للمشهد السياسي هي عملية التدمير الذاتي التي تعرضت لها الجبهة الشعبية” (ائتلاف أحزاب أقصى اليسار له 15 نائبا في البرلمان المنتهية ولايته قبل أن يحصل فيه انشقاق الربيع الماضي)، بينما تبقى العائلة الوسطية في منتصف الطريق، والأفضل حالا من الإسلاميين واليسار، ولئن أضعفها التشتت والانقسام والخلافات الشخصية.
اقرأ أيضا: