"أبوالنور" يقدم أجود أنواع العطور في دمشق القديمة

في دمشق القديمة متجر يقدم عطورا بديلة قريبة من الرائحة الأصلية لعطورات أجنبية ثمينة بات شراؤها شبه مستحيل بالنسبة إلى السوريين على وقع الأزمة الاقتصادية الحادة.
دمشق - في متجره المتواضع في أحد أحياء دمشق القديمة، ينهمك محمّد المصري بخلط الزيوت في قوارير زجاجية ليُنتج منها عطوراً يقول إنها لا تختلف بشيء عن الماركات العالمية، لكنها أرخص بكثير.
ويتحدر المصري الملقب بـ”أبوالنور”. من عائلة عملت لعقود طويلة في تصنيع العطور، ويعد أخواله الأشهر في دمشق في تلك الصنعة التي يمارسها المصري منذ 35 عاماً. ويقول المصري (50 عاماً) “لا توجد لديّ أجهزة ضخمة، ليس لدي سوى ورشتي الصغيرة وهذا الأنف الذي دربته منذ كان عمري 15 عاماً”.
وتحيط القوارير الزجاجية بالمصري من كل ناحية وصوب في متجر لا يتسع سوى لثلاثة أشخاص على أبعد تقدير، وقد علق على جدرانه صوراً لزجاجات عطر من أشهر الماركات.
ويشدد المصري على أن منتجاته “مطابقة للنسخة الأصلية” من العطور العالمية. ويقول “أتحدى أن يميز أحد بين العطر الأصلي وذلك المركّب لدي”.
ويستخدم المصري أنواعاً مختلفة من الزيوت، ومنها تلك المستخرجة من الياسمين والورد الشامي والمسك.
وفي دمشق القديمة، يقع متجر المصري في شارع ضيق بين سوق البزورية الذي تفوح منح رائحة البهارات والأعشاب والورد المجفف، وسوق المسكية الذي يعبق برائحة البخور والمسك.
ويكاد متجر المصري لا يخلو من الزبائن الذين وجدوا فيه البديل الأمثل لعطور بات شراؤها شبه مستحيل على وقع الأزمة الاقتصادية الناتجة عن النزاع المستمر في البلاد منذ العام 2011.
ويفوق سعر زجاجات العطر العالمية المئة دولار، ما يجعلها حكراً على الطبقات الغنية في بلد بات أكثر من تسعين في المئة من سكانه تحت خط الفقر.
ويبلغ متوسط الرواتب في الوظائف الحكومية والخاصة نحو 130 ألف ليرة، أي حوالي 25 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء.
ويقول المصري “أستطيع أن أقدم عطراً قريباً للغاية من الرائحة الأصلية بأقل من ثلاثين ألف ليرة”، أي ما يعادل ستة دولارات فقط. ويضيف “لا يوجد فارق في الجودة (…) العطور المركبة تناسب معظم طبقات السوريين”.
ويقضي زبائن المصري بعضاً من الوقت لديه، يشمون القوارير المتعددة، أو يراقبونه بذهول أثناء خلط الزيوت بكل دقة وسرعة.
واضطرت شام الفلاح (24 عاماً) إلى أن التخلي عن الصنف المفضل لديها، لعدم قدرتها على شرائه جراء تدهور الوضع المعيشي.
وتقول زبونة المصري “كنت أشتري عطوراً أجنبية في السابق لكن الآن بات الأمر مستحيلا”. وتضيف أن “راتب موظف اليوم لا يكفي لشراء زجاجة عطر من الماركات الأجنبية”.
وليس زبائن المصري من أهل دمشق فقط، إذ قضى أحمد درة (60 عاماً) نحو ساعة على الطريق من مدينة الزبداني في ريف العاصمة لشراء خمس زجاجات عطر من المصري.
ويقول الرجل الذي ارتدى عبارة تقليدية بنية اللون ووضع كوفية حمراء اللون على رأسه “لستُ خبيراً بأسماء الماركات الأجنبية، لكنّي أثق بأنف أبوالنور، وأقصده خصوصاً ليعطيني عطراً على حسب ذوقه”.
وتخصصت أسرة الغبرة، أي عائلة المصري من جهة الوالدة، بمهنة العطارة منذ مئة عام على الأقل، على حد قوله.
والعطارة من المهن القديمة، وإن كانت قبل عقود مضت لا تقتصر فقط على صناعة العطور، بل تتضمن أيضاً المداواة بالأعشاب.
ويمتلك الآن العشرات من أفراد عائلة الغبرة محلات تأخذ معظمها لقب “الغبرة” وتنتشر في أسواق دمشق الراقية والشعبية، ويعتبر محمد خير محمد الغبرة الملقب بـ”أبوالخير” عميدها الحالي.
وعن تطوير مهاراته ومعلوماته بشكل مستمر، قال أبوالخير “العطور مهنة عريقة وقديمة وأعمل فيها منذ ستة عقود تقريباً، قمت خلالها بتطوير خبراتي ومهاراتي بشكل دائم، وسعيت لاكتساب المعلومات العلمية التي أضفتها إلى الخبرة التي اكتسبتها من أهلي”.
ويضيف “أعمل في هذه المهنة في دكاني هذا منذ عام 1952، وقد ورثت مهنة إعداد العطور وبيعها عن أجدادي الذين كانوا يقطرون الزهور البلدية، وخاصة الورد الشامي والياسمين، وكانوا ينتجون ماء الورد الطبيعي، إضافة إلى تجفيف الورد الشامي وخلطه مع الأعشاب لتقديم خلطات من الزهور، ومن هنا كانت انطلاقة عائلتي مع العطر، ولكن كان لا بد للعائلة أن تطور المهنة مع تطور رغبات الناس وطلباتها من العطور، حيث ازداد الطلب على العطور الأجنبية”.
وتابع “لقد طورنا الأنواع المحلية لكي تتناسب مع الأنواع الأجنبية من العطور، وهذا سبق سجل لعائلتنا، حيث أصبح أغلب الدمشقيين على معرفة بمهنتنا من خلال ما نقدمه من أنواع أجنبية التي هي من أشهر العطور المعروفة مع نكهة محلية، مصنعة بأيد دمشقية”.