أبناء جنود مغاربة في فيتنام ينفضون غبار النسيان

تسليط الضوء على جانب غير معروف للحرب التي لا تزال تؤثر على الذاكرة الفيتنامية والفرنسية، بعد مرور 70 عاما على معركة "ديان بيان فو".
الجمعة 2024/05/03
لا يزال الوطن قريبا

بالكثير من الذكريات ومثل ذلك من الحنين، تبدو الحياة مليئة بالشتات الذهني والعاطفي بالنسبة إلى مغاربة قرروا البقاء في فيتنام بعد انتهاء حرب الهند الصينية. وبعد مرور 70 عاما على نهاية الحرب، لا يزال وطنهم قريبا جدا من أبنائهم، ومتمسكون كثيرا بأن يحكوا عنه، بل يشجعون أبناءهم على التوجه نحوه.

الرباط - مرت حتى الآن 70 سنة على نهاية حرب الهند الصينية، لكن ذكرياتها لم تنته يوما بالنسبة إلى مغاربة قرروا البقاء في فيتنام بعد نهاية الحرب.

وخاضت فرنسا التي كانت تدافع عن وجودها الاستعماري في المنطقة، حرب الهند الصينية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، واستمرت الحرب حتى سنة 1954. وتعود قصة تجذر هذه الحرب في الذاكرة المغاربية بشكل عام، والذاكرة المغربية بشكل خاص، إلى التحاق عشرات الآلاف من أبناء المغرب العربي بجبهات القتال إلى جانب الجيش الفرنسي في الهند الصينية.

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، قررت مجموعة من المحاربين المغاربة البقاء في فيتنام، حيث بدأوا حياة جديدة مليئة بالحنين والذكريات، خاضوا خلالها حربا جديدة لا تزال مستمرة بين التعلق بالوطن الأم والإصرار على البقاء في وطن تشبثوا بالبقاء فيه، رغم البعد الجغرافي والمسافات الثقافية الطويلة.

وقد حارب عشرات الآلاف من أبناء المغرب العربي من أجل فرنسا في الهند الصينية. وبينما غادرت غالبيتهم بعد الحرب، بدأ بعضهم حياة جديدة في فيتنام، حيث يدافع أحفادهم اليوم عن ذكراهم المنسية.

لا يخفي لي توان بينه (64 عاما) أن “الكثير من المشاعر” تخالجه بينما يحمل “شاهد قبر” والده محمد، أو مزيد بن علي وفقا لما كتب عليه، والذي توفي في العام 1968. فقد أثر الجثمان نظرا لعدم إقامة مراسم تشييع في حينها. لكن بينه احتفظ باللوح الذي يحدد الجنسية المغربية للمتوفي.

pp

بين عامي 1947 و1954، التحق أكثر من 120 ألفا من أبناء المغرب العربي، نصفهم من المغرب الذي لم يكن قد نال استقلاله بعد، بصفوف الجيش الفرنسي في الهند الصينية. وكان والد بينه من بين نحو 150 مغربيا فارا أو سجينا، بقوا في فيتنام الشيوعية لأكثر من عقد من الزمن بعد الهدنة.

تلقي قصة هذا الأخير الضوء على جانب غير معروف للحرب التي لا تزال تؤثر على الذاكرة الفيتنامية والفرنسية، بعد مرور 70 عاما على معركة ديان بيان فو ونهاية الحرب.

ويقول بيار جورنو أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة بول فاليري في مونبيلييه، إنه في فرنسا “بقي تاريخ الشجاعة في ديان بيان فو لفترة طويلة حكرا على البيض الذين كانوا يشكلون الغالبية في كوادر القوات المسلحة”.

ويضيف “بعد العام 1947، تم الاعتماد على الكتائب الاستعمارية لدعم المجهود الحربي، ومن ثم أصبح هؤلاء يشكلون الأغلبية”، مضيفا “لقد فقدنا جزءا من هذه الذاكرة” للجنود المستعمرين.

يقدم لي توان بينه في منزله الواقع في فو ثو على بعد ساعتين برا شمال هانوي، شايا أسود بأوراق النعناع التي قطفها من الحديقة. ويقول مازحا “على الطريقة المغربية ولكن دون سكر”.

ويلقب في القرية بـ”الأجنبي” بسبب لون بشرته الداكن، لكن المقربين منه يلقبونه بـ”علي” وهو الاسم الذي أطلقه عليه والده. أدت الحرب ضد الولايات المتحدة والتنمية الاقتصادية إلى تشتيت العائلات المغربية – الفيتنامية القليلة التي كانت تعيش في المنطقة منذ عقود.

yy

وعاد البعض إلى المغرب في السبعينات، ولكن بينه أراد البقاء مع والدته الفيتنامية وشقيقيه. ويتذكر قائلا “كان والدي يتجنب الحديث عن الحرب. كان رجلا قليل الكلام”. ولا يزال الغموض يكتنف جزءا من حياة والده الذي يقال إنه غيّر مواقفه في العام 1953 أو 1954.

وتقدم الدعاية الفيتنامية الفارين الأجانب على أنهم رفاق نضال للشعوب المضطهدة. غير أن باحثين فرنسيين يشيرون إلى أن دوافعهم كانت بعيدة كل البعد عن الأيديولوجيا، مثل الحصول على أجور أفضل أو الخوف من العقاب بعد ارتكاب خطأ. وبعد الحرب، بقي حوالى 300 جندي أفريقي وأوروبي “بعد استسلامهم”، وفق هانوي، في مزرعة جماعية في منطقة با في على بعد ساعة من العاصمة.

في هذا المكان، التقى والد بينه بامرأة فيتنامية وولد بينه في 1959. أزيل هذا الموقع في السبعينات، ولكن لا تزال هناك بوابة بارتفاع عدة أمتار مستوحاة من العمارة المغاربية بناها عمال مغاربة تخليدا لبلادهم. ويقع هذا النصب التذكاري في حديقة عائلة فيتنامية، حيث يزوره القليل من الزوار، بما في ذلك أجانب، كل شهر.

وبعدما تضررت هذه البوابة جراء الإهمال على مدى نصف قرن، استعادت مظهرها بعد أعمال تجديد في عامي 2009 و2018، في وقت بدأت الأبحاث في تسليط الضوء على مقاتلي الكتائب الاستعمارية في الهند الصينية. في هذه الفترة، كان لي توان بينه يناضل من أجل الاعتراف بماضيه.

وبعد سنوات من التعقيد الإداري، حصل في العام 2016 على جواز سفر مغربي له ولولديه المولودين لأم فيتنامية، وذلك تحت اسم عائلي “المكي” الذي اختارته السفارة. وتقول ابنته ليلى (36 عاما) التي تعيش حاليا في الدار البيضاء “شجعني والدي على المغادرة. كان يتحدث عن المغرب منذ أن كنت طفلة”.

pp

18