آمال سلام كردي - تركي معلقة على "النداء التاريخي" لأوجلان

قيادات حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا قد لا تلبي النداء.
السبت 2025/02/15
تفاؤل حذر

يأمل الأتراك أن يشكل “النداء التاريخي” لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان مدخلا لحلّ ديمقراطي للقضية الكردية. لكن التوجّس والقلق لا يزالان قائمين، إذ سبق أن خيمت آمال في تحقيق السلام سرعان ما تبددت، ولاسيما عند انهيار الهدنة التي تمّ التوصل إليها في العام 2015، ما أدى إلى تفجّر العنف في جنوب شرق البلاد.

ديار بكر (تركيا) - يترقب الأتراك رسالة رئيس حزب العمال الكردستاني المسجون عبدالله أوجلان بتفاؤل حذر، إذ من المتوقع أن يعلن الزعيم الكردي اليوم السبت أو خلال الأسابيع المقبلة عن إلقاء السلاح تمهيدا للدخول في مفاوضات سياسية مع الدولة التركية. لكن الدعوة المنتظرة لأوجلان على أهميتها قد لا تحظى بتأييد قادة الحزب في كردستان العراق وسوريا ما يضفي ظلالا من الشك.

وقالت مصادر مواكبة لمسار المصالحة التركية – الكردية إن الرسالة ستكون مصورة وستتضمن بنودا موجهة إلى الحكومة التركية وأخرى إلى الحركة الكردية داخل تركيا وخارجها.

وكشفت المصادر أن الرسالة ستتضمن إعلانا بإنهاء العمليات العسكرية لحزب العمال الكردستاني، وتعهدا بتوقف الكفاح المسلّح مقابل تنفيذ مطالب بحقوق سياسية وثقافية للأكراد في تركيا، والتركيز على اللامركزية كحل أمثل في تركيا وسوريا أيضا.

ويطالب الأكراد بوقف الاعتقالات السياسية للنشطاء الأكراد والإفراج عن السجناء السياسيين، بما في ذلك الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديميرتاش، وصياغة دستور جديد يعترف بحقوق الأقليات، والاعتراف باللغة الكردية في التعليم والحياة العامة، وإنهاء العمليات العسكرية التي تستهدف الإدارة الذاتية في شمال سوريا.

ويرى محللون أن نجاح مسار المصالحة يعتمد بدرجة كبيرة على استعداد أنقرة لتقديم تنازلات ولكن أيضا على قدرة أوجلان على إقناع حزبه بقبول خارطة الطريق الجديدة، خاصة مع تصعيد تركيا هجماتها على شمال العراق، بالإضافة إلى موقف أنقرة المعادي للإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها.

◙ نجاح مسار المصالحة يعتمد على قدرة أوجلان على إقناع قيادات حزبه في العراق بقبول خارطة الطريق الجديدة

وفيما جهود السلام مجمدة منذ حوالي عقد، أطلق معسكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مبادرة قام حليفه الرئيسي القومي دولت بهجلي بطرحها في أكتوبر على أوجلان المحكوم بالسجن مدى الحياة في جزيرة إمرالي قبالة سواحل إسطنبول.

ودعا بهجلي زعيم حزب العمال الكردستاني إلى نبذ العنف وحلّ حزبه المحظور والمصنّف منظمة “إرهابية”، لقاء الإفراج المبكر عنه. وكذلك، سمحت الحكومة لنواب من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب التركي المناصر لقضايا الأكراد بلقاء أوجلان في مكان اعتقاله.

ويقول عباس شاهين، الرئيس المشارك لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب في ديار بكر، “لا يمكن لأي حرب أن يستمر إلى الأبد”، مؤكدا أنّ “الإصرار على عدم التوصّل إلى حل لن يفيد أحدا” معتبرا أنّ “أسوأ أنواع السلام أفضل من الحرب.”

ويشير سيدات يورطاس، من مركز تيغر للأبحاث في ديار بكر، إلى أنّ هذه المرة تختلف عن المبادرات السابقة لأنّها تأتي من زعيم حزب قومي.
وبالنسبة إلى هذا الخبير، فإنّ الدولة لاحظت حجم التغييرات التي طرأت على الشرق الأوسط منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 والذي تسبب باندلاع حرب مدمرة في قطاع غزة.

ويقول إنّ حكومة أردوغان تراقب الحركة التي أدت إلى إسقاط حكم بشار الأسد في سوريا وإبعاد إيران عن الساحة. ويضيف “نحن على أعتاب لحظة تاريخية”، مشيرا إلى أنّ “الدولة ترى أنّ هناك حاجة إلى حلّ دائم للقضية الكردية.”

وأعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار بعد اعتقال أوجلان، لكن ذلك انتهى عام 2004 وعاد إلى العمل المسلح. وأطلقت الحكومة التركية عام 2012 حوارا سريا مع الحزب في النرويج، وفي العام التالي أطلقت مرحلةَ السلام وشكلت لجنة الحكماء. لكن العمليات المسلحة تواصلت ودخلت مرحلة جديدة من الصراع تجاوزت الحدود بشكل كبير، وشملت شمالي سوريا والعراق، فيما حقّقت القوات التركية نجاحات دون أن تؤدي إلى القضاء على الحزب.

ويواصل حزب المساواة وديمقراطية الشعوب تحرّكاته، حيث سيتوجّه إلى شمال العراق الأحد للقاء زعماء أكراد العراق، في وقت يتحصن مقاتلو حزب العمال الكردستاني منذ أكثر من عقد في جبال العراق. ولكن التوجّس والقلق لا يزالان قائمين.

ويقول مراقبون إن جميع الأطراف في تركيا تتعامل مع العملية بشكل إيجابي؛ الأحزاب السياسية الرئيسية، أردوغان، أوجلان، وصلاح الدين ديميرتاش، لكن الطرف الوحيد الذي يرسل إشارات مختلطة في الوقت الحالي هو قادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل.

الإصرار على عدم التوصّل إلى حل لن يفيد أحدا
◙ الإصرار على عدم التوصّل إلى حل لن يفيد أحدا

وقد يكون ما سبق نتيجة لتزايد الضغوط أو لأن الشخصيات البارزة في حزب العمال الكردستاني أيضا لديها خلافات داخلية فيما بينها، بحسب مديرة مكتب “ديلي صباح” في أنقرة.

ويقول الكاتب التركي أرطغرل أوزكوك إن “مؤسس حزب العمال الكردستاني أشار إلى أنه يستطيع إقناع ثلاثة من الأجنحة الموزعة ما بين سوريا وتركيا وأوروبا، وأنه ليس متأكدا من الإجابة التي سيحصل عليها من جبال قنديل.”

ولحزب العمال الكردستاني أجنحة وتيارات قوية تدعمها دول إقليمية ودولية أبرزها إيران. ويقول باكير أتاجان، مدير مركز إسطنبول للفكر والدراسات الإستراتيجية التركي، إن قسما كبيرا من أجنحة الحزب قد يتجاوب مع نداء زعيمهم باستثناء بعض الأجنحة المتواجدة في جبال قنديل شمال العراق وشرق سوريا وإيران ودول أوروبية، وهؤلاء لا يشكلون سوى 30 في المئة من أجنحة الحزب العسكرية.

وأوضح أتاجان أن الجناح الإيراني ينشط في العراق وسوريا وإيران وتركيا وهو لا يأتمر بأوامر أوجلان، بل بقادته المعروفين بولائهم لإيران وهؤلاء أبرز المعارضين لدعوات السلام.

وأضاف مدير مركز إسطنبول للفكر أن قادة حزب العمال الكردستاني يدركون جيدا أن ليس بإمكانهم الصمود من دون دعم خارجي، وهذا الدعم تراجع كثيرا بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وابتعاد روسيا وإيران والعراق ودول أوروبية، وما تبقى هو دعم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني.

ودعا الرئيس التركي حزب العمال الكردستاني إلى “استغلال الفرصة”، لكنه حذر قائلا “إذا تجاهل حزب العمال الكردستاني المحظور دعوة محتملة من زعيمه المسجون عبدالله أوجلان بإلقاء السلاح، فإن تركيا سوف تحقق هدف القضاء على الإرهاب بوسائل أخرى.”

وأضاف لأعضاء حزبه العدالة والتنمية في البرلمان “إذا صم الحزب الآذان عن هذه الدعوة ولم تبد الجماعات المتحالفة معه الاستجابة المتوقعة، فسوف نحقق هدفنا لتخليص تركيا من الإرهاب بوسائل أخرى.”

6