آمال الإصلاح في لبنان لا تحجب المخاوف من العثرات القديمة

الحكومة الجديدة تواجه تحديات ضخمة في الوفاء بوعودها.
الجمعة 2025/04/04
سقف انتظارات عال

بيروت - يأمل اللبنانيون أن يكون العهد الجديد على قدر تطلعاتهم ويتمكن من تنفيذ تعهداته ولو جزئيا بصون سيادة لبنان ونقله إلى دولة القانون والعدالة الاجتماعية وتحسن الأوضاع الاقتصادية، لكن هذه الآمال لا تحجب المخاوف من العثرات القديمة فكل الحكومات السابقة أطلقت وعودا دون تنفيذها.

وبعد انتخاب الرئيس جوزيف عون في يناير 2025 وتشكيل حكومة “الإصلاح والإنقاذ” برئاسة نواف سلام، بدأ اللبنانيون مرحلة جديدة آملين أن يحقق العهد الجديد تطلعاتهم الاقتصادية والاجتماعية. لكن الحكومة الجديدة تواجه تحديات ضخمة في الوفاء بوعودها، بدءا من تطبيق سيادة الدولة على أراضيها وصولا إلى إصلاح المؤسسات الاقتصادية.

والتزمت الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري بالعمل الجاد من أجل إخراج لبنان من المحن والأزمات، وتنفيذ القرار 1701 والالتزام بالترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية التي أعلن عنها في 27 نوفمبر الماضي، واتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً. كما تعهدت بالحفاظ على حقوق المودعين، ورفع نسبة النمو الاقتصادي، وتحقيق الإنماء المتوازن واستعادة ثقة المستثمرين، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

لكن الواقع الاقتصادي، الذي يعكسه الانكماش الاقتصادي الحاد منذ 2019 وتقديرات البنك الدولي حول انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.6 في المئة في عام 2024، يضع أمام الحكومة عقبة كبيرة. ومع استمرار التضخم وتدهور قيمة الليرة، يبدو أن توفير الحلول الفعالة في المدى القصير أمر بالغ الصعوبة.

نجاح الحكومة في تنفيذ إصلاحات جزئية خطوة إيجابية نحو استعادة الثقة وتحقيق الاستقرار الذي يحتاجه لبنان

ومن بين الوعود التي قطعتها الحكومة، تحسين القطاع العام، ورفع نسبة النمو الاقتصادي، وتنفيذ إصلاحات هيكلية في المؤسسات المالية. ومع ذلك، يعتقد الكثير من الخبراء أن الوقت المتاح للحكومة قصير جداً لتحقيق هذه الأهداف.

ويشير مراقبون إلى أن فترة تولي الحكومة، والتي ستنتهي بعد عام وشهرين، قد لا تكون كافية لتنفيذ إصلاحات كبيرة.

ويتوقع المراقبون أن تحقق الحكومة بعض الإصلاحات الجزئية، مثل تأمين الطاقة الكهربائية أو تحقيق بعض التقدم في القضاء، لكن المهمة الأكبر مثل استرداد أموال المودعين من المصارف قد تكون صعبة التحقيق في هذا الوقت المحدود.

وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة قد أبدت تعهدات بتحقيق سيادة لبنان على أراضيه وتطبيق القرار 1701، فإن التحديات الأمنية والسياسية لا تزال قائمة.

وأبدت منى قاصوف، المتخصصة في الشأن الاجتماعي في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية تفاؤلها في إمكانية تطبيق القرار 1701 ومنع إسرائيل من التعدي على السيادة اللبنانية، إلا أنها حذرت من أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب وقتاً طويلاً وأفعالاً ملموسة، وليس مجرد خطابات ووعود.

ورغم التحديات الأمنية، فإن أحد أهم أهداف الحكومة هو إعادة إعمار لبنان بعد الأضرار التي خلفتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وهو ما يتطلب تمويلاً ضخماً من المجتمع الدولي. لكن مع تداعيات الأزمة الاقتصادية وغياب خطة شاملة للإصلاحات، فإن الحكومة قد تجد نفسها في موقف صعب في حال لم تتلقَ دعماً مالياً كافياً من الخارج.

فترة تولي الحكومة، والتي ستنتهي بعد عام وشهرين، قد لا تكون كافية لتنفيذ إصلاحات كبيرة

وبالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والأمنية، تواجه الحكومة اللبنانية تحدياً سياسياً يتمثل في تعقيدات المحاصصة الطائفية التي ما زالت تؤثر بشكل كبير على عمل المؤسسات الحكومية.

ويشير محللون إلى أن المحاصصة الطائفية والحزبية تعيق قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات جذرية، حيث تصبح المناصب العليا في الدولة تعتمد على الولاءات السياسية بدلاً من الكفاءة. ولذلك، فإن أي محاولة لبناء دولة فعالة ومستقرة تحتاج إلى تجاوز هذا النظام القائم.

 يؤكد بطرس سمعان، المتخصص في الشأن الزراعي، أن الإصلاحات في لبنان لا يمكن أن تتم دون مساعدة من المجتمع الدولي.

ومن المتوقع أن تواصل الحكومة اللبنانية محادثاتها مع الدول المانحة للحصول على مساعدات مالية لدعم عمليات إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار. ومع ذلك، يجب أن تترافق هذه المساعدات مع خطوات ملموسة من الحكومة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وهو ما قد يعزز من مصداقيتها أمام المجتمع الدولي.

وتضع حزمة الإصلاحات الثقيلة الحكومة اللبنانية الجديدة أمام تحديات ضخمة في الوفاء بوعودها، وهو ما يتطلب منها إحداث تغييرات جذرية في العديد من القطاعات.

وبينما يأمل اللبنانيون في تحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية، فإن السؤال الأكبر يبقى: هل تستطيع الحكومة الوفاء بتعهداتها في وقت ضيق؟ وفي ظل الأزمة المستمرة والمعوقات السياسية، سيكون نجاح الحكومة في تنفيذ إصلاحات جزئية خطوة إيجابية نحو استعادة الثقة وتحقيق الاستقرار الذي يحتاجه لبنان.

ويشهد لبنان منذ أكتوبر 2019 أزمة اقتصادية ومالية متواصلة كان لها أثر سلبيا كبير. ويتطلّب مسار التعافي في لبنان، القيام بإصلاح شامل، وإعادة بناء الاقتصاد، إلى جانب تحقيق الحوكمة الرشيدة من خلال زيادة فعالية القطاع العام وتحسين الشفافية والمساءلة.

6