آلة السارانغي تعزف لحن الوداع في شوارع باكستان

آلات العزف التراثية تختضر أمام الغزو القادم من الغرب.
الخميس 2022/04/14
أوتار المغول

تعاني الموسيقى الشعبية في بلدان العالم غزوا قادما من الغرب حيث تواجه آلات العزف التراثية حالة احتضار مثلما هو الحال مع آلة السارانغي في الهند وباكستان، ما دفع عشاقها لإحيائها ونشر ألحانها العذبة.

لاهور (باكستان) - تحت ظلال مسجد بادشاهي القديم في لاهور يعزف زوهيب حسن على أوتار آلة السارانغي المُشابهة بنغماتها لصوت الإنسان، فتعلو في شوارع المدينة موسيقى تؤثر في سامعيها.

وتغيب تدريجياً آلة السارانغي الكلاسيكية من المشهد الموسيقي في باكستان، ما عدا عازفين قلائل مصرّين على الحفاظ على مكانتها.

ويقول حسن إنّ عوامل عدة تضافرت بما يحول دون وقف تدهور وضع هذه الآلة، بينها صعوبة إتقان العزف على السارانغي وكلفة إصلاحها الباهظة، والمردود المالي الضعيف الذي توفره للعازفين المحترفين.

ويضيف “نحاول إبقاء هذه الآلة حيّة من دون حتى أن نأخذ في الاعتبار وضعنا المالي المزري”.

وأتقنت عائلة حسن لسبعة أجيال العزف على السارانغي. ويحظى الرجل باحترام كبير في باكستان لقدراته في العزف على هذه الآلة.

ويقول إنّ “ولع عائلتي بالآلة دفعني إلى ممارسة مهنة العزف على السارانغي، وعدم إكمال دروسي الأكاديمية”، مضيفاً “بالكاد أستطيع تأمين احتياجاتي الأساسية لأنّ غالبية المخرجين ينظمون برامج موسيقية بالتعاون مع أحدث الفرق الموسيقية وفرق البوب”.

وتحاول الآلات الموسيقية التقليدية الإبقاء على مساحة لها بوجه مشهد موسيقي عصري يشهد تصاعدا للموسيقى الغربية.

وتقول سارة زمان، وهي مدرّسة موسيقى في لاهور، إنّ آلات تقليدية أخرى من بينها السيتار والسنطور والتانبورا تواجه مصيرا قاتما مشابها لما يحصل مع السارانغي.

وتعتبر أنّ “المنصات أصبحت مُتاحة لأنواع أخرى من الموسيقى كموسيقى البوب، في حين أنّها غائبة عندما يتعلق الأمر بالموسيقى الكلاسيكية”.

وتضيف أنّ “السارانغي كونها آلة يصعب العزف عليها، لم تُعط الأهمية والاهتمام الكافيين في باكستان ما أدى إلى زوالها تدريجيا”.

واكتسبت آلة السارانغي مكانة بارزة في الموسيقى الهندية خلال القرن السابع عشر.

ويوضح خواجة نجم الحسن، وهو مخرج تلفزيوني أنشأ أرشيفاً للموسيقيين البارزين في باكستان، أنّ تراجع العزف على الآلة بدأ في ثمانينات القرن الفائت بعد وفاة عدة عازفين بارعين ومغنين كلاسيكيين في البلاد.

ويضيف أنّ “السارانغي كانت محبوبة من أهم المطربين والمطربات الكلاسيكيين الذين كان عملهم يلقى استحساناً عالمياً، لكنّ العزف عليها بدأ يتلاشى بعد وفاتهم”.

السارانغي آلة يصعب العزف عليها
السارانغي كونها آلة يصعب العزف عليها

ويقول العازفون إنّهم يعانون حالياً للاستمرار في ظل كسب أموال محدودة من العزف، وغالباً ما تكون الأتعاب المدفوعة لهم أقل بكثير من تلك التي يتقاضاها عازفو الغيتار أو البيانو أو الكمان وكل الألات العصريية القادمة من العارلم الغربي.

وتُصنع آلة السارانغي يدوياً من كتلة خشب واحدة مأخوذة من شجر الأرز المحلي، أما أوتارها الرئيسية فمصنوعة من جهاز الماعز الهضمي، فيما تُصنّع الأوتار السبعة عشرة الأخرى التي تمثل ميزة مشتركة بين الآلات الشعبية في شبه القارة الهندية من الفولاذ.

ويقول محمد طاهر، صاحب أحدى ورشتي التصليح في لاهور، إنّ “الأسعار ارتفعت بسبب حظر الواردات من الهند”.

ويقول طاهر الذي يمضي نحو شهرين في ترميم آلة سارانغي، إنّ أحداً في باكستان لا يصنع خيوط الفولاذ الخاصة بالآلة بسبب نقص الطلب.

ويشير أستاذ ضياءالدين، وهو صاحب ورشة التصليح الثانية في لاهور، إلى أنّ “عازفي السارانغي لا يحظون بالتقدير، فيما يلجأ عدد قليل من الأشخاص إلى تصليح هذه الآلة المميزة”.

وبعثت الجهود المبذولة لتكييف السارانغي مع المشهد الموسيقي المعاصر آمالاً محدود في صفوف الشباب.

ويقول حسن الموجود في أكاديمية يديرها في لاهور “اخترعنا طرقاً جديدة للعزف، من بينها جعل السارانغي شبه كهربائية لتحسين الصوت أثناء الأداء مع الآلات الموسيقية الحديثة”.

وعزف خلال حفلات موسيقية عدة على الآلة المعدّلة، ويشير إلى أنّ الجمهور تقبّلها بإيجابية.

وتخلّى محسن مدسر، وهو أحد التلاميذ القلائل ويبلغ 14 عاماً، عن آلات موسيقية كالغيتار ليعزف على  السارانغي التراثية.

20